الأمن الغذائي السوري يجتاز خطه الأحمر..والنظام يواصل تدمير الأراضي الزراعية

ليس من المستغرب أن تخرج منظمة (الفاو)بتقريرها عن الواقع الزراعي السوري لتدحض كل تصريحات المسؤولين السوريين الذين يؤكدون بأن الواقع الزراعي السوري بخير والمحاصيل بأمان، فمنظمة (الفاو) أكدت في تقريرها الأخير بأن النزاع في سوريا قضى على القطاع الزراعي في البلاد حيث بات الأخير في حالة يرثى لها، مشيرة إلى أن الإنتاج الزراعي في سوريا تدهور بشكل حاد، سواء فيما يتعلق بإنتاج الحبوب أو الخضروات أو الفاكهة، وذلك في الوقت الذي يعيش فيه 10 ملايين مواطن سوري (ما يقارب من نصف تعدادالسكان) في المناطق الريفية، ويعتمد 80% منهم على الزراعة لكسب قوت يومهم.

ولعل المواطن السوري وخاصة القاطن في دمشق لايحتاج اليوم إلى تقارير او تصريحات ليعلم أثر الحل العسكري على قوت يومه في وقت تعاني فيه أسواق الخضار والفواكه التي كانت تملأ العاصمة من شح في بعض المنتجات الزراعية حتى في مواسمها، بينما تغيب محاصيل أخرى ليتم استيرادها من دول الجوار بعد أن كانت سوريا مصدرة لتلك المحاصيل، فالأراضي الزراعية تدمرها الآلة العسكرية المنتشرة في معظم الأرياف التي تشكل سلة سوريا الغذائية، وهو ماترافق مع خروج قسم كبير من الفلاحين عن الإنتاج ليتحول الكثير منهم إلى نازحين.

قائمة المقننات
سوريا بلد زراعي والأمن الغذائي خط أحمر هي عبارات اعتاد المسؤولون السوريون ترديدها إلا أنها لم تعد تشكل سوى سبب إضافي للتندر والسخرية عند المواطن الذي ملّ الكذب والتلفيق، حيث تساءل أحمد كيف يمكن أن يكون الأمن الغذائي السوري بخير في وقت وصلت فيه سعر جرزة البقدونس إلى 20 ليرة بعد أن كان سعرها لايتجاوز الـ 5 ليرات، وهو أمر ينطبق أيضاً على كل من جرزة النعنع والبصل الأخضر التي وصل سعر كل منها إلى 20 ليرة، وأوضح أحمد هنا أن المواطن السوري بات يقنن شراء كل شيء حتى الخضار والفواكه والحبوب حيث كانت سابقاً ملجأه ويستعيض بها عن اللحوم إلا أن أسعارالمحاصيل الزراعية خذلته هي الأخرى ودخلت ضمن قائمة المقننات.

تبضّع الخضار والفواكه باتت يشكل رهاباً عند أم زياد التي تشعر أن الأسعار ترتفع يوماً بعد آخر حتى الباعة - حسب تعبيرها- باتوا يخجلون من التسعيرة، ولكن ليس باليد حيلة، وتبين أم زياد أن صحن السلطة الذي لم يكن ليغيب عن مائدتها ارتفعت تكلفة مكوناته حيث وصل سعر كيلو البندورة اليوم إلى 60 ليرة، أما البصل فوصل سعره إلى 80 ليرة، في حين أن سعر كيلو الليمون يترواح بين الـ60 إلى 70 ليرةحسب جودته، وتتابع أم زياد بأنه حتى بالنسبة لباقي أنواع الخضراوات فهي الأخرى تغلي بأسعارها لدرجة استغنت فيها عن بعض الأنواع مثل الفاصولياء التي لم ينخفض سعرها حتى في موسمها فوصل سعر الكيلو إلى 200 ليرة وأحياناً أكثر.

أيام الثمانيات 
اما الفواكه فليست بأفضل حالاً من الخضار وأسعارها أيضاً ترتفع ولعل مايحدث اليوم إنما يجعل من أبي رامز يستذكر أيام الثمانيات حيث كان شراء الموز مقتصراً على طبقات معينة من الشعب، وهاهي تلك الأيام تعود حسب وصفه، وتابع أبو رامز أن ماكان ينطبق على الموز في ذلك الوقت أضحى اليوم ينطبق على مختلف أصناف الفاكهة حيث يترواح سعر كيلو التفاح بين 85 إلى 100 ليرة، أما (الكرمنتينا) فوصل سعرها إلى 60 ليرة، في حين أن ثمن كيلو الموز بلغ 80 ليرة.

ولعل للباعة معاناتهم أيضاً حيث أشار أبو رضوان، وهو صاحب محل لبيع الخضراوات في قلب دمشق إلى أن هذا الغلاء الذي طال مختلف المنتجات الزراعية لايقتصر على المواطن فقط إنما ينطبق عليهم أيضاً كباعة فتسعيرة الجملة ارتفعت أيضاً مايقارب الـ 50%، لافتاً إلى أن معظم سائقي سيارات النقل باتوا يفرضون على الباعة أسعاراً كبيرة مع أزمة البنزين وصعوبة النقل بين المحافظات، ورأى أبو رضوان أن الكثير من المنتجات الزراعية باتت صعبة الوصول إلى قلب العاصمة على الرغم من أن بعضها بات من الممكن ان يتواجد في محافظة إنتاجه لكن مشكلة النقل باتت تفرض نفسها بقوة.

وتساءل هنا أبو رضوان أنه من كان ليقول بأن كيلو البطاطا سيبلغ سعره 60 ليرة، والجزر 50 ليرة في حين أن كيلو الزهرة وصل إلى 40 ليرة، أما الكوسا وصل سعره إلى 100 ليرة، ولم يخفِ أبو رضوان أنهم كباعة باتوا يخجلون من زبائنهم على الأسعار التي ترتفع كل يوم بمعدل 10 إلى 15 ليرة لمختلف المنتجات.
وأشار خبير زراعي معارض إلى أن مايحدث للقطاع الزراعي اليوم هو أمر مثير للقلق خاصة أن سوريا بدأت تستورد بعض المنتجات الزراعية التي كانت مصدرة لها كالبطاطا على سبيل المثال، ولفت إلى أنه على الرغم من محاولة النظام ترقيع هذا الواقع المؤلم لكن السوق خير دليل على شح المنتجات الزراعية والصعوبات التي تواجه نقلها من المحافظات المنتجة إلى المستهلكة.

وأوضح الخبير أنه من الطبيعي أن نصل اليوم إلى هذه النتيجة على اعتبار أن الآلة العسكرية تعمل على ملاحقة "الإرهابيين" حسب ادعاءات النظام في الأرياف، فأرياف إدلب وحمص وحماة ودير الزوروحلب كلها تعاني من تدمير ممنهج لمساحاتها الزراعية وهي المناطق المنتجة لمختلف المحاصيل الزراعية، ولفت الخبيرإلى أنه حتى مزارع الصبار والواقعة في كفرسوسة في قلب العاصمة لم تسلم من دبابات النظام حيث أحرقها بلارحمة فتحولت تلك المنطقة إلى أراضٍ بور، فكيف إذاً هو حال أرياف إدلب وحمص؟!! ويضيف أن ذلك بالإضافة إلى معاناة الفلاح في بعض المناطق التي لاتزال آمنة حيث يواجه صعوبات بتأمين المحروقات والأسمدة التي ارتفعت أسعارها وبات تامينها أمراً مستحيلاً ليترك الفلاح اليوم يواجه أقداراً مجهولة دون أي دعم يمكن أن يقدم له من قبل المعنيين.

وفي هذا السياق كانت منظمة (الفاو) قد وجهت نداءً لمساعدة الفلاح السوري حيث نقل عن مدير شعبة الطوارئ وإعادة التأهيل في المنظمة دومينيك بورجون أن "المزارعين في أمسّ الحاجة إلى الدعم الزراعي العاجل من البذور والأسمدة والعلف الحيواني والعقاقير البيطرية والدواجن وإعادة تأهيل بنى الري التحتية"
يذكر أن سوريا تعتبر بلداً زراعياً وصلت فيه نسبة مساهمة القطاع الزراعي في السنوات السابقة إلى 30% من الناتج الإجمالي الكلي ويعمل فيه نحو 50% من اليد العاملة حيث كانت سوريا تحقق اكتفاءً ذاتياً في معظم المنتجات الزراعية وتصدر فائضاً من بعض محاصيلها الاستراتيجية كالقمح والقطن والحمضيات.

ترك تعليق

التعليق