البعد الاقتصادي لسيناريو تهجير السنّة في الدويلة العلوية المتخيّلة


تهجير 80% من سكان حمص السنة

قبرص تستعد لاستقبال 200 ألف لاجئ من الساحل السوري

تهجير السنّة إلى شرق العاصي

الدويلة العلوية المتخيّلة ستخصّص معظم ميزانيتها للحرب

الدويلة العلوية المتخيّلة ستخسر إمكانيات الاستثمار السياحي

إيران ستدخل في تنافس تمويلي مع الخليج



وضّحنا في الجزء الأول أبرز نقاط الضعف الاقتصادية للدويلة العلوية المتخيّلة في أقصى امتداد لها، وتبيّن لنا أن أبرز مقتلٍ لهذه الدويلة يتمثّل في جانبين: التواجد السنّي الكبير في داخلها والذي سيغلب عليه صفة العداء لها، والمحيط المجاور المعادي أيضاً لهذه الدويلة.

لكن، يعتقد مراقبون أن نظام الأسد عمل خلال الفترة الماضيّة من المواجهات الدامية التي شهدتها الثورة في سوريا، على معالجة جانب الضعف الأول المتمثّل بالتواجد السنّي الكبير في الدويلة المتخيّلة، وذلك عبر سيناريو التهجير للسنّة وجلب العلويين.

تفاصيل سيناريو تهجير السنّة

يقول الباحث مصعب الحراكي في دراسته المميزة حول سيناريو تقسيم سوريا، والتي أشرنا إليها في الجزء الأول بالتفصيل،: "...وهذا ما بدأ النظام به فعلیاً، فالمعارك الطاحنة في محافظة حمص بجمیع مراكزها العمرانیة، تدل على أن النظام الأسدي یفرض على السكان السنة الهجرة إلى مناطق أخرى داخل وخارج البلاد، فمدینة حمص هجرها أكثر من 80 % من سكانها السنّة، أیضاً معظم المناطق المجاورة لقرى العلویین، وإذا تتبعنا خریطة المجازر الوحشیة التي یقوم بها الشبیحة القادمون من القرى العلویة، نجد أنها جمیعاً في القرى السنیّة عند مناطق الاحتكاك بین الطائفتین، فمجزرة الحولة وبعدها القبیر والحفة ثم التریمسة وما یليها، كلها كانت في المناطق المجاورة لانتشار العلویین، كما أن الطریقة الوحشیة في القتل، من ذبح للنساء والأطفال والعجز، وحرق الجثث ورميها، وحرق البیوت، تذكّرنا بمذبحة دیر یاسین التي قام بها اليهود وأدت إلى هجرة واسعة للفلسطینیین من أراضيهم، والواضح أن ما یفعله النظام حالیاً، هو عملیة تهجير ممنهجة....".

تهجير إلى شرق النهر

وقد كتب ابن حمص الناشط السیاسي نجاتي طیارة في أحد مقالاته بتاریخ 21/06/2012 ما يلي:
إن "قصة الحرب التقسیمیة التي یحضر لها النظام بعنایة قد أصبحت مكشوفة بوضوح من خلال تدمیر المدن والقرى وحرمان السكان من حاجاتهم المعاشیة كي يهجرها سكانها إلى شرق نهر العاصي ولا خیار للأهالي سوى الاتجاه شرق النهر لأن غرب النهر قرى حاضنة للنظام بغالبيتها العلویة، وهذا یؤكد أن عصابات الأسد تسیر وفق خطة مرسومة وضمن إستراتیجیة"...".

مؤشرات تدل على معرفة دولية بخصوص المخطط

يستطرد الحراكي فيقول: "...إذاً فالمخطط قد بدأ، و المهجّرون من أهل حمص والمناطق المجاورة لمناطق العلویین قد انتشروا في جمیع أنحاء سوریا، والدول المجاورة وحتى البعیدة، وبنفس الوقت، فقد انسحب الآلاف من نساء وأطفال الضباط العلویین من الأحیاء ومساكن الضباط التي یسكنونها في باقي أرجاء البلاد باتجاه مناطق العلویین في الساحل، وبهذه الطریقة سیكون إنشاء دولة علویة على جمیع الأراضي المخطط لها قابل للتنفیذ، وقد كان تصریح قبرص الیونانیة بتاريخ 12/7/2012، بأنها تستعد لاستقبال (200 ألف) لاجئ سوري، قد یكون المقصود بهم اللاجئون السنّة من أهل الساحل، وهذا یدل على معرفة دولیة بما یجري من مخططات....".

دولة دمشق ودولة حلب

ويوضّح الحراكي كيف قد يؤدي تحقّق هذا السيناريو إلى انقسام ما بقي من سوريا إلى دويلتين في حلب ودمشق:
"...إن مدینة حمص جغرافیاً، هي صلة الوصل الأساسیة بین جنوب وشمال سوریا، فإلى الشرق من حمص وبعد منطقة المخرم، تبدأ بادیة الشام الخالیة من السكان، وقد كانت حمص هي الممر الأساسي بین دمشق وحلب، وفي حال سقوط حمص بید الدولة العلویة، فإن المواصلات بین دمشق وحلب ستكون ضعیفة، وتقتصر على طریق واحد وهو طریق دمشق تدمر – تدمر دیر الزور – دیر الزور الرقة ثم حلب، وهو طریق بمسرب واحد لكلا الاتجاهين، وسیكون من السهل قطعها مما یعني نشوء دولتین: دولة دمشق، و دولة حلب، مما یضعف قوة ما تبقى من سوریا ویصعّب عليها مهمة استعادة سوریا الموحدة....".

الخطة (ب)

ويعتقد الباحث أن خطة إنشاء هذه الدويلة ما تزال خطة بديلة في حال فشل المخطط الرئيس للنظام: "...إن البدء في عملیة تفریغ المناطق السنیّة من سكانها لا تعني استسلام النظام عن السیطرة على كامل سوریا، وإنما هي استعداد للخطة (ب) والتي تقضي بانسحاب جمیع العلویین إلى أراضي الدولة المفترضة، مصطحبین معهم أهم أنواع الأسلحة والأموال وكل ما یستطیعون حمله، أما الخطة ( أ) فهي ما تزال قائمة في كسر الثورة وإعادة السیطرة على سوریا بأكملها....".

البعد الاقتصادي لسيناريو تهجير السنّة

بعيداً عن التفاصيل الميدانية والسياسية والجغرافية التي أوردها الباحث مصعب الحراكي، فإنّ المقومات الاقتصادية للدويلة العلوية المتخيّلة في حال تنفيذ سيناريو تهجير السنّة على أكمل وجّه، ستزداد ضعفاً.

فإلى جانب ما أوردناه في الجزء الأول من مادتنا، حول:

• خسارة الدويلة المرتقبة لتجارة الترانزيت المربحة للغاية بين العراق والأردن وعمق سوريا إلى المتوسط، مما يضعف قدرتها على استثمار واجهتها البحرية والموانئ الموجودة فيها، بسبب عداء المحيط المجاور لها.

• وما أوردناه أيضاً عن افتقار الدويلة الناشئة للنفط، واستبعاد تحصيل ريع قريب الأجل من استثمار مخزونات الغاز المحتملة في الساحل.

يُضاف إلى ذلك في حال تنفيذ سيناريو تهجير السنّة:

• استمرار التوتر الأمني والعسكري بين الدويلة الناشئة وعمق سوريا المناوئ لها، والذي سيزخر بالمقاتلين الراغبين بالثأر خاصة من مهجّري سنّة الساحل وحمص وحماه، مما يعني أن على الدويلة الناشئة أن تخصّص معظم ميزانيتها للحرب التي لا يُتوقع أن تنتهي قريباً، في ظل الدعم المرتقب الذي سيموّل السنّة للاستمرار في قتال العلويين، خاصة من جانب دول الخليج التي تعدّ النفوذ الشيعي في المنطقة أحد أبرز مصادر التهديد لأمنها القومي.

• ستخسر الدويلة الناشئة إمكانية استثمار المقومات الطبيعية والجمالية في الساحل السوري في مجال السياحة، بسبب التوتر الأمني والعسكري بينها وبين جوارها، وخسارتها للسياح العرب الخليجيين الذين كانوا يشكّلون الجزء الأكبر من الوافدين للسياحة في الساحل السوري، إلى جانب خسارتها للسياح من سنّة سوريا الذين كانوا يشكّلون أيضاً رافداً كبيراً للنشاط السياحي من حلب ودمشق وحمص وحماه وباقي المناطق الداخلية السورية.

الأسس الاقتصادية للدويلة المتخيّلة والبعد الإيراني

وهكذا لا يبقى أمام الدويلة المفترضة أساساً للاقتصاد إلا المقومات الزراعية والطبيعية من جانب، والدعم المالي والاقتصادي الإيراني من جانب ثانٍ، علماً أن الأخير سيواجه صعوبات في إيصال أية إمدادات، خاصة تلك الخاصة بالوقود والمحروقات، إلا عبر البحر، وعبر مسيرة طويلة من الخليج عبر البحر الأحمر مروراً بقناة السويس، وصولاً إلى شواطئ اللاذقية وطرطوس، وذلك بسبب خروج عمق سوريا الفاصل بين العراق والساحل عن سيطرة الدويلة المفترضة، مما سيزيد من تكلفة إيصال الإمدادات الإيرانية، وهو عبء آخر يُضاف إلى الأعباء المالية والاقتصادية التي تواجهها إيران بفعل العقوبات الاقتصادية الغربية عليها، ولا يعرف أحد إلى أي حدّ يمكن لطهران أن تبذل المال في هذا المجال غير المجدي اقتصادياً، خاصة أنها ستدخل عبر دعمها لانفصال العلويين، في تنافس تمويلي مع الخليج، فالأخير ستموّل دُوَلُه السنّة للاستمرار في قتال العلويين، في حين سيموّل الإيرانيون العلويين للصمود في هذه الحرب، ومن البداهة الإقرار بقدرة دول الخليج على الذهاب أبعد من إيران في أي صراع تمويلي، بسبب الملاءة المالية التي تتمتع بها هذه الدول مقارنة بإيران.

لكن ماذا عن سيناريو قيام دويلة علوية في مناطق الغالبية الكبرى للعلويين في اللاذقية وطرطوس فقط؟

وما أبرز التوصيات التي يمكن العمل عليها لتجنّب انزلاق سوريا إلى سيناريوهات الدويلة العلوية المتخيّلة؟

"اقتصاد" تفنّد المقومات الاقتصادية لـ "الدويلة العلوية المتخيّلة"
  تتألف من طرطوس واللاذقية بالكامل ومناطق مصياف والسقيلبية ومركز حمص وتلكلخ والقصير والرستن والمخرم...

 

ترك تعليق

التعليق