إعادة الإعمار..بين مشروع مارشال والتعافي الذاتي وتهافت الدول على الكعكة السورية


200 مليار دولار تقديرات خسائر الاقتصاد والنظام يعترف ب 40 مليار دولار

 750 ألف مسكن تهدمت بالكامل تكلفة بنائها تحتاج 30 مليار دولار

100 مليار دولارالسيولة السورية المهاجرة يمكن إعادة توطينها في البلاد

 سوريا ستحتاج إلى رفع حصة الدين الخارجي من 6% إلى 16%
 

 شغل هاجس إعادة الإعمار في سوريا، بال الخبراء والسياسيين، ليكون على رأس أولويات الأجندة السياسية في المحافل الدولية، حيث لم يكن ملفاً بمعزلٍ عن الخلافات الطاحنة بين صفوف المعارضة.
 
بعض أصوات المعارضة تنحاز لخيار إعادة إحياء مشروع مارشال، لتسير سوريا على طريق ألمانيا، والبعض الآخر يتحدث عن قروضٍ بشروطٍ ميسّرة واستثماراتٍ قد لا تعجب بعض الدول ممن عينه على الكعكة السورية كاملةً، وخبراء آخرون يتشددون في تطرفهم نحو الاعتماد على سوريا وإمكانياتها الذاتية، بنظرةٍ يراها البعض طوباوية تقترب من الأحلام أكثر منها إلى الواقع.
 
أرقام تقديرية

 وحتى الآن لا توجد أرقام دقيقة عن خسائر الاقتصاد السوري بشكلٍ عام التي أشار بعض الخبراء ومنهم الدكتور عارف دليلة أنها وصلت إلى حدود 200 مليار دولار، بينما اعترفت حكومة النظام على لسان النائب الاقتصادي فيها قدري جميل بخسائر وصلت إلى 40 مليار دولار.

 وأبرز محاور إعادة الإعمار يتركز على المساكن والبنى التحتية، التي تصل تكلفة المتر الواحد منها حسب خبير اقتصادي فضل عدم ذكر اسمه ما يقارب 30 ألف ليرة سورية، أي بحدود 300 دولار لكل متر، ويشير الخبير إلى بعض التكهنات التي تم الحديث عنها حول عدد المباني التي هدمت خلال العمليات العسكرية، ومنها ما أشار إلى أنها فاقت 750 ألف مسكن، تهدمت بالكامل وبحاجة لإعادة بناء وتأهيل للبنى التحتية، لتفوق التكلفة وفق هذه الأرقام الـ30 مليار دولار فقط لإعادة البناء.
 
بين القروض والمنح.. خلاف قائم

 وبغض النظر عن الأرقام الدقيقة التي يحتاجها موضوع إعادة الإعمار، والذي سيبقى برسم مجالس الثورة المحلية الأقرب إلى واقع الحال، فإن السؤال الملحّ حالياً يتعلق في مصادر إعادة الإعمار، ومن سيدفع فاتورة كل ذلك ومن أين ستأتي؟.
 
النائب الاقتصادي السابق عبد الله الدردري، نظر إلى إعادة الإعمار من منطق الاقتراض شرط أن لا تتجاوز "الأزمة" حسب وصفه العام 2015 وإلا لن يكون هناك سوريا، حيث قال:" سوريا بالفترة القادمة ستحتاج الى رفع حصة الدين الخارجي من 6%الى 16%، نحن بحاجة إلى استثمار حكومي عام يقدر بـ8 مليارات دولار وهو مبلغ لا نملكه. فالدين العام سيصل إلى 25% ونحن قادرون على تحمله، وشروط تمويل 10مليارات دولار سنوياً رقم مؤمَّن عالمياً والبنك الدولي يمكن أن يقدم الدعم اللازم"، ويتساءل الدردري: " كيف سنقوم بالإعمار إن لم نستدن؟! الآن حصة الدين العام من الناتج الداخلي والخارجي 23% وحتى اذا وصل إلى 60% فهو ضمن الدستور، في النهاية فإن الكثيرين يخافون من شروط البنك الدولي لكن الواقع يقول إننا لانستطيع الإعمار دون قروض".
 
لكن بعض خبراء الاقتصاد لا يسلّمون بفكرة القروض دون نقاشها، حيث يرى الخبير الاقتصادي الدكتور عماد الدين المصبح أن أي اقتراض مشروط وتأثير الشروط مرهون بحجم القروض، ممكن تحويل التحديات المرتبطة بهذه الشروط إلى فرص كما فعلت اليابان وألمانيا.

 وإذا كانت القروض من الأفكار الأساسية المطروحة على طاولة نقاش الخبراء إلا أن الفرصة الأهم يعتبرها المصبح كامنة في موضوع الاستثمارات، ويشرح أن كعكة الاستثمار في سوريا كبيرة، وكل دولة تريد من سوريا استثماراتٍ معينة، فالسعودية مثلاً تهتم بالقطاع العقاري، ولديها مشاريع رائدة، قطر تريد استثمار الغاز، وكذلك روسيا، والتنافس هنا في مصلحة سوريا، فرنسا عينها على قطاع الاتصالات أيضاً يمكن فتح المجال لها بذلك.
 
ويعتبر المصبح أن النجاح والفشل مرتبط بالمناخ الجاذب للاستثمار فلو وضعنا قيوداً مرتبطة بالفساد، فسوريا خاسرة، لكن إذا تمت إدارة العملية بذكاء ووطنية سنستفيد بقوة.
 
مارشال سوري
 
ورغم أن فكرة القروض ربما تروق للبعض لكنها لا تروق للبعض الآخر الذي يطرح مشروعاً آخر، ويشير أحد الخبراء الذي فضل عدم ذكر اسمه: أن لا مشكلة في الاعتماد على مشروع مارشال ومنح الدول الصديقة لتكون مقدمة للانطلاق باقتصاد البلاد، ودون أن يدخل في التفاصيل، يعتبر الخبير أن الأمر سيبقى معلّقاً لحين قيام نظامٍ جديد، فماهية هذا النظام وما هي الدول التي يمكن أن تكون قريبةً منه، هي التي ستحدد الخيارات المتاحة، لكن الاعتماد على الذات سيكون ضرباً من الخيال، فالحالة السورية اليوم لا تعطي أملاً كبيراً في إمكانية التعافي الذاتي.
 
وأصحاب هذا التيار ينطلقون من أن أي فكرة لإعادة إعمار سوريا بعد الحرب الطاحنة والتدمير المنظم الذي مارسه النظام للبنية التحتية والاقتصاد السوري، لا يمكن للقروض أن تأتي بحلولٍ جذرية، لا يمكن اقتراض 40 مليار دولار بفوائد يمكن أن تصبح عبئاً فيما بعد على خزينة الدولة، لكن يمكن أن يكون هناك منح من الدول الصديقة، ويمكن التفاوض على شكل هذه المنح والاتفاق الذي يمكن أن يتبعها.

 ورغم التحفظات الكبيرة التي لم يخفها خبراء الاقتصاد منذ بداية الحديث عن مشروع مارشال سوريا، إلا أن هناك من يعتبره أرضية لإيجاد توليفة مناسبة لسوريا، ضاربين مثالاُ على الحالة الألمانية التي اعتمدت على المنح بعد الحرب العالمية الثانية، وهاهي اليوم تقود أوروبا بكاملها، لكن ظروف ألمانيا لن تتكرر بالنسبة لسوريا، حيث يقول المصبح: "المشروع الذي يمكن اعتماده هو الاستفادة الخلّاقة والذكية من القروض الخارجية وليس المنح، والاعتماد على الذات، منتقداً نظرة بعض الدول لسوريا والتي تبحث عن حكومة الحد الأدنى وتريد فتح البلد على مصراعيه لكل الاستثمارات بما فيها مشاريع الطاقة والبنية التحتية".
 
إننا قادرون..!

 وجهة النظر الأخرى تأتي مناقضة تماماً لرأي الدردري وخبراء الاقتصاد، وأصحابها ينطلقون من الاعتماد الكلي على الإبداع الذاتي، حيث عبّر عنها أحد خبراء الاقتصاد السوريين والذي فضل عدم ذكر اسمه، حيث يرى أن كل المشاريع التي تتحدث عن إعادة الإعمار وتنطلق من مبدأ الاقتراض الخارجي أو المنح، لا تعرف الإمكانيات الحقيقية في الاقتصاد السوري، ورغم كل الدمار الذي ألحقه النظام بالاقتصاد السوري وعلى مدى عقود، لكننا لا يمكن أن ننسى أن سوريا في خمسينات القرن الماضي، كانت قادرة على بناء شخصيتها الاقتصادية الوطنية، واليوم أيضاً ورغم كل الحرب والدمار يمكن الاعتماد على ذلك، خاصةً إذا ما علمنا أن السيولة السورية الموجودة خارج البلاد تفوق الـ 100 مليار دولار وتتحكم ببعض مفاصل اقتصاديات العديد من الدول، حيث يمكن إعادة توطينها في البلاد، بعد أن خرجت نتيجة الاحتكارات وهشاشة الاقتصاد التي أسس لها نظام الحكم طيلة العقود الفائتة.
 
ويعتبر المصبح أن هذا الكلام يعبر عن أمنية عزيزة، لكنها غير عملية، إذا لم نقل أنها مستحيلة، مشيراً أنه يمكن الاستفادة من الأموال الخارجية عبر فرض ضريبة تعاونية خاصة بالإعمار على كل المغتربين، ورغم وجع التأميم الذي تعرضت له رؤوس الأموال السورية في ستينات القرن الماضي إلا أن هناك بعض الأموال ترغب في العودة، ويمكن الاعتماد عليها بشكلٍ جزئي، عبر إعادة أملاكهم المؤممة.
 
وجميع السيناريوهات التي يتحدث عنها المعنيون اليوم، ستبقى رهناً لحجم الخسائر وتقديراتها أولاً، وشكل النظام القادم ثانياً، إلى جانب رغبة الدول في مساعدة سوريا للنهوض، وهنا يعتبر خبير اقتصادي أن وعود المنح والقروض ليس بالضرورة أن تخرج عن إطار الكلام، وهذا الأمر اعتدنا عليه، وعلينا عدم الوثوق بكل ما يقال.

ترك تعليق

التعليق