هل خسرت العائلة الحاكمة في سوريا أموالها المودعة في بنوك قبرص؟


 بعد سحب الجنسية القبرصية عن مخلوف ...اين ذهبت أمواله المو دعة هناك !
 
لم تكن قبرص يوماً خزاناً للودائع المصرفية بامتيازات ضريبية مشجّعة فقط، بل كانت مكاناً مثالياً لغسيل الأموال المهربة من بعض دول العالم الثالث وروسيا، خاصة بعد دخول الأخيرة في نطاق الاتحاد الأوروبي عام 2004، مما جعل كبار المودعين في العالم ينظرون إلى قبرص، بنظامها المصرفي المشجّع، وبوابتها المفتوحة على الفضاء المصرفي الأوروبي، مكاناً مثالياً للاطمئنان على ثرواتهم فيها.
 
لم ينحصر الأمر بذلك، فالامتيازات التفضيلية التي قدمتها تلك الجزيرة المتوسطية الصغيرة للمودعين فيها وصلت إلى حد منح الجنسية القبرصية لبعض كبار المودعين والمستثمرين، ومن ذلك عشرات رجال الأعمال الروس، وبعض رجال الأعمال من بلدان العالم الثالث، كان أبرزهم رامي مخلوف، ابن خال الأسد الابن، والواجهة المالية للعائلة الحاكمة في البلاد، والذي قررت قبرص إسقاط جنسيتها عنه مطلع الثورة السورية عام 2011 تجنباً للإحراج أمام الرأي العام العالمي.
 
لكن أحداً من القبارصة لم يقل لنا، أين ذهبت أموال مخلوف المودعة في بنوكهم؟، وهل بقيت هناك أم انسحبت منها بعد سحب الجنسية؟
 
يرتبط النظام المصرفي القبرصي بصلات وثيقة بنظيره اللبناني، ويعتقد الكثير من المختصين في هذا المجال، أن لبنان كانت وما تزال ممراً آمناً لمليارات من الدولارات عبر بنوكها، من سوريا إلى قبرص.
 
لا توجد أرقام دقيقة، ولا معطيات حاسمة، فجميع الأطراف تنكر، المسؤولون المصرفيون في لبنان ينكرون أي دور لهم في غسيل أو تمرير أموال لمسؤولين سوريين عبر بنوكهم إلى فضاء مصرفيّ آخر.
 
لكن المنطق يقول، أن الرجل، رامي مخلوف، الذي أُسقطت عنه الجنسية القبرصية في مطلع أحداث الثورة، لا بد أنه نهج، هو وكثيرٌ من رجالات الدائرة المقرّبة منه ومن عائلة الأسد، نَهج نظرائهم من الروس، الذين هرّبوا إلى قبرص ما يفوق 20 مليار دولار.
 
يجزم خبراء أن مصارف لبنان كانت مرراً آمناً لأموال السوريين المهرّبة من البلاد خلال أحداث الثورة، خاصة مع انفتاح المصارف اللبنانية على الفضاء القبرصي، واتصال الأخير بالفضاء الأوروبي، ومع عدم وجود مواطن استثمارية مشجعة في لبنان، من الطبيعي أن يستغل هؤلاء هذا التواصل المفتوح بين الفضاءات المصرفية، اللبنانية والقبرصية ومن ثم الأوروبية، وهناك في الأخيرة توجد مكامن مميزة للاستثمار، وغسيل الأموال، بكل أريحية.
 
اليوم، ومع العجز المالي الذي أصاب حكومة قبرص، قررت الأخيرة اللجوء إلى العون الأوروبي، ويبدو أن ألمانيا، ودول أوروربية أخرى، وجدت تلك فرصة سانحة لضبط الفضاء المصرفي القبرصي، وتقليص مجالات غسيل الأموال فيه، لغايات عديدة، أحدها دون شك الإضرار بالسيولات المالية للروس، والكثير من حلفائهم من النخب الحاكمة في دول موالية لهم، ومنها دون شك سوريا، وإيران، ودول أخرى، وربما أيضاً تجنباً لأية عمليات تلاعب جماعي من جانب تلك النخب في الفضاء المصرفي الأوروبي.
 
الأوروبيون اشترطوا لتقديم المساعدة المالية إلى قبرص، تطبيق نظام غير مسبوق للاقتطاع من الودائع المصرفية في قبرص لصالح حكومتها، التي لم تقرّر بعد حجم تلك الاقتطاعات.
 
حكومة قبرص نجحت في إنقاذ البلاد من انهيار مصرفي حينما وضعت قيوداً غير مسبوقة على سحب الودائع المصرفية فيها، خشية أن يسارع كبار المودعين إلى سحب ثرواتهم منها بكميات كبيرة، في أجواء من الحديث عن الاقتطاعات المرتقبة، مما يعني أن سيولات مالية ضخمة يقدّرها البعض بحوالي 100 مليار دولار باتت شبه مجمّدة في المصارف القبرصية، ونستطيع أن نقول أن أصحابها ربما يفقدون الحق بالتحكم فيها.
 
إذاً، ضبطت قبرص الودائع المالية في مصارفها، وبعيداً عن أن ذلك في اعتبار بعض من كبار الاقتصاديين في الغرب نفسه، شكل من أشكال "البلطجة" المصرفية، غير المسبوقة في دول العالم، إلا أن القبارصة جمدوا تلك الأموال، إلى حين اتخاذ قرار يحدد حجم الاقتطاعات المرتقبة.
 
ويعتقد مصرفيون أن نسبة الاقتطاع من الودائع المصرفية التي تزيد على 100 ألف يورو، قد حُددت حتى الآن بـ 37.5 في المئة، وربما تصل إلى 60 في المئة، رغم أن قراراً حاسماً بذلك لم يعلن بعد في قبرص.
 
أما الآن، فكل المبالغ التي تزيد على 100 ألف يورو والمودعة في "بنك قبرص" مجمدة، وستبقى كذلك لأسابيع، حسب مصرفيين قبارصة تحدثوا لوكالات أنباء عالمية. هذه الاقتطاعات –حسب فرانس برس- "ستُعوّض بأسهم في المصرف، فيما ستُجمّد نسبة إضافية بـ 22.5 في المئة لمدة 90 يوماً". و"نسبة الـ 40 في المئة المتبقية، ستوضع في حساب مجمد لستة أشهر لمنع الأشخاص من سحب كل أموالهم، وستعود في النهاية إلى أصحابها". وتوقع خبير ومسؤول في "بنك قبرص" أن "يبلغ الاقتطاع نسبة 40 في المئة أو أكثر".
 
من بين عشرات قرارات التجميد التي صدرت خلال السنتين الماضيتين للودائع المصرفية السورية التي تعود لمسؤولين سوريين ومقربين من الأسد وعائلته في دول غربية، منها سويسرا، لم يصدر أيّ قرار مماثل في قبرص، مما يرجّح أن أولئك استمروا في الاطئنان إلى أن مصارف قبرص ملجأ آمن لأموالهم المنهوبة من البلاد، حتى الساعة الأخيرة، تلك التي جُمّدت فيها كل الودائع المصرفية.
 
الله وحده يعلم كمَّ الأموال السورية المجمدة اليوم في قبرص، فالنظام المصرفي القبرصي لا يقدّم معطيات واضحة عن مصادر الأموال المودعة في بنوكها وكمياتها، لكن منطق الأمور يرجّح أن عائلة الأسد والمقربين منها الآن يعضّون على أصابعهم ندماً على حالة الطمأنينة التي تمتعوا بها خلال الأشهر الماضية بخصوص سلامة الأموال المنهوبة التي أودعوها في المصارف القبرصيّة. والله أعلم.

ترك تعليق

التعليق