التحليل الاقتصادي لسيناريو البازار السعودي –الروسي على رأس الأسد..هل يمكن شراء موسكو بالمال والغاز؟

تفاصيل العرض السعودي كفيلة بإسقاط  أبرز جوانب المصلحة الروسية مع الأسد
الصفقة السعودية –الروسية الخاصة بالسلاح تعادل كامل مبيعات السلاح الروسي للعام الماضي.
السعودية  عرضت على روسيا عشرة أضعاف ما ستدفعه سوريا خلال أربعة أعوام
في سياق مقالٍ حول الدور الروسي في الأزمة السورية، كتب مراقبٌ للشأن السوري أن أحد الحلول المحتملة التي يمكن لها أن تضع حداً للمأساة السورية، هي أن "يظهر بين الناس تاجر ماهر، يقدّم التنازلات المناسبة، التي تجعل خسارة نظام الأسد بالنسبة لروسيا -مدفوعة التكاليف- ولا تهز وضع الدب الروسي في خارطة الصراع على الطاقة والنفوذ والغاز".
فهل كان بندر بن سلطان هو ذلك التاجر، فيما أُشيع عن عرض سعودي قُدّم للروس مطلع الشهر الجاري؟

في التسريبات التي نقلتها "رويترز" منذ أسبوعين أن الأمير بندر، رئيس المخابرات السعودية، عرض على الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، صفقة أسلحة بـ 15 مليار دولار، وضمان بألا يهدد الغاز المستخرج من الخليج وضع روسيا كمزود رئيسي بالغاز لأوروبا.
والمقابل المطلوب من روسيا، تقليص دعمها للرئيس السوري بشار الأسد.

موسكو بدورها نفت أنباء العرض السعودي، ولم يؤكد أي مصدر رسمي سعودي النبأ، لكن في المقابل يبدو أن التسريبات التي وصلت إلى "رويترز" نقلاً عن دبلوماسيين غربيين، ومصادر من المعارضة السورية مقربة من السعودية، ومصدر خليجي، وسياسي لبناني مقرّب أيضاً من السعودية....هذه التسريبات تُوحي بأن العرض السعودي قد تم بالفعل، أو أن مصدر التسريب، وهي السعودية بالطبع، تحاول جس نبض موسكو إعلامياً، بعد أن أشعرتها في زيارة الأمير بندر، بأنها تريد فتح كوّة في جدار التصلب الروسي حيال قضية دعم الأسد.
وبغض النظر إن كان العرض السعودي قد قُدّم للروس بالفعل، أم لا، يبدو أن تفاصيل العرض كفيلة بإسقاط جانبين هامين من جوانب المصلحة الروسية مع الأسد، مبيعات السلاح، وقضية تمرير الغاز العربي إلى أوروبا.

لنبدأ بالجانب الأول، مبيعات السلاح الروسي:

فقد وصلت مبيعات السلاح الروسي خلال العام الماضي إلى أعلى مستوياتها، لتكسر حاجز 15 مليار دولار، في حين وصلت قيمة مبيعات السلاح الروسي خلال النصف الأول من العام الجاري إلى أكثر من 7 مليارات دولار، مما يُوحي بأنها تقترب من تكرار رقم العام الماضي مجدداً.

نستطيع هنا أن نلحظ أنه لو تمت الصفقة السعودية –الروسية الخاصة بالسلاح، حسب ما سُرّب، فهي ستعادل كامل مبيعات السلاح الروسي للعام الماضي، 15 مليار دولار، وترفع مبيعات الروس من السلاح لهذا العام إلى مستوى قياسي يجعلها تُقارب 22 مليار دولار، مما يضع روسيا في مرتبة قريبة جداً من مبيعات أول مصدّر للسلاح في العالم، الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تقدّر بحوالي 25 مليار دولار، إن لم تتجاوزها في حال نفّذت موسكو صفقات سلاح جديدة خلال النصف الثاني من العام الجاري، كما هو متوقّع بالفعل.

أي أن العرض السعودي قد ينقل روسيا من المرتبة الثانية في قائمة مصدري السلاح في العالم، لتحتل المرتبة الأولى مكان الولايات المتحدة، أو على الأقل أن تقترب منها، وتقلّص فارق الـ 10 مليارات دولار بينهما.

ربما أننا بالغنا في تحليلنا الأخير، ولو نظرياً، ذلك أننا يجب ألا نتوقع أن تساعد السعودية، روسيا، على أن تحتل، مكان الولايات المتحدة، رأس قائمة مصدري السلاح في العالم، لكنها دون شك، ستساعد روسيا في الاقتراب من مبيعات السلاح الأمريكي بصورة كبيرة.

لكن المفاجأة تأتي حينما نعلم أن سوريا قد تحتل، خلال الأعوام الأربعة المقبلة، المرتبة الخامسة في قائمة مستوردي السلاح الروسي في العالم، بمبلغ 1.6 مليار دولار فقط، في حال لم يسقط النظام، وفي حال نفذ الطرفان الروسي والسوري الصفقات التي تم التعاقد عليها بين الطرفين.
أي أن السعودية، لو صحّت الصفقة، عرضت على روسيا عشرة أضعاف ما ستدفعه سوريا خلال أربعة أعوام.

وستحتل السعودية، لو تمت الصفقة، المرتبة الأولى في قائمة مستوردي السلاح الروسي في العالم، متجاوزة الهند، التي تحتل اليوم صدارة مستوردي السلاح الروسي في العالم، بنسبة 25% من مبيعات السلاح الروسي سنوياً، أي حوالي 3.75 مليار دولار خلال العام المنصرم تقريباً.

لكن رغم ما سبق، لا بد من الوقوف عند البعد الإيراني في ملف مبيعات السلاح الروسي، فالإيرانيون ألمحوا نهاية العام الماضي إلى أنهم قد يوقعون عقود سلاح مع روسيا بقيمة تتراوح بين 11 إلى 13 مليار دولار، وإن كان الحديث عن هذه الصفقات قد غاب عن وسائل الإعلام لاحقاً، إلا أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، سيناقش، دون شك، مبيعات السلاح الروسي وصفقاته المحتملة مع الرئيس الإيراني الجديد، في زيارته المرتقبة قريباً لإيران.

يصعب الجزم فيما إذا كان الروس سيختارون التضحية بالأسد مقابل 15 مليار دولار، ويهددون في الوقت نفسه علاقاتهم المميزة مع إيران.
لكن في المقابل، وعلى صعيد مبيعات السلاح الروسي، لا يبدو أن لدى الإيرانيين خيارات كثيرة، فالسلاح الروسي الذي يحتل المرتبة الثانية بعد السلاح الأمريكي عالمياً من حيث الجودة والنوعية، هو زادُ الإيرانيين العسكري، لذا يصعُب أن نتصور أن طهران ستنقلب على السلاح الروسي، حتى لو قامت موسكو بعقد صفقة مع السعودية على حساب الأسد بدمشق، خاصة في ظل التهديدات العسكرية الإسرائيلية المستمرة لإيران، وحرص الأخيرة المستمر على تطوير عتادها العسكري بما يعينها على ردع تل أبيب عن أي مغامرة عسكرية تجاهها.
لذا يبدو كخلاصة: أن عرض صفقة السلاح المسرّب، بين الرياض وموسكو، رابح اقتصادياً في المقاييس الروسيّة.

ضمان السعودية 
لننتقل إلى الجانب الثاني، قضية ضمان السعودية بأن لا يهدد الغاز الخليجي احتكار الغاز الروسي للسوق الأوروبية:
إذا علمنا بأن روسيا تزوّد الدّول الأوروبيّة بأكثَر مِن 80 من المائة من حاجة هذه الدول من الغاز الطبيعي ونصف حاجتها من النفط، يتضح لنا حيوية هذا الملف بالنسبة للاقتصاد والسياسة في موسكو، فالأخيرة تطبق على أنفاس الأوروبيين، وتبتزهم في أهم شرايين حياتهم الصناعية، الطاقة، فتحتل بذلك موقعاً مؤثّراً في الكثير من سياسات وتوجهات القارة الأوروبية على الصعيد الاستراتيجي.

الضمان السعودي لموسكو يُزيل واحداً من أبرز أسباب تمسك الأخيرة بالأسد، كي يبقى عائقاً أمام أي مشروع لتمرير الغاز الخليجي عبر الأراضي السورية إلى تركيا أو عبر المتوسط، ومن ثم إلى أوروبا، فتخسر روسيا هامشاً ضخماً من ميزانيتها، خاصة إذا علمنا أن النفط والغاز يمدّان الميزانية الروسية بأكثر من 50% من إيراداتها، حسب أرقام العام 2012.

هل من ضمانات للضمان السعودي؟
يبدو أن العبارات الدقيقة المستخدمة في التسريبات التي نقلتها "رويترز" تحمل دلالات ذات معنى، فالحديث عن "تقليص الدعم الروسي للأسد"، وعدم الوقوف ضد مشروع قرار يمرر ضده في مجلس الأمن، ذلك يُشير إلى أن المطلوب من موسكو، ليس القبول بسقوط النظام السوري، بل فقط، التخلي عن شخص بشار الأسد.

بمعنى آخر، يبدو أن العرض السعودي يتوافق مع التناغم الأمريكي –الروسي بضرورة استمرار مؤسسات الدولة السورية، خشية من الفوضى في البلاد، وأن واشنطن تريد بقاء هرم النظام، مع زوال رأسه فقط، أي شخص بشار الأسد والمقربين منه، مع بقاء المؤسسات العسكرية والأمنية صامدة.
بقاء المؤسستين العسكرية والأمنية، يعني بقاء ضباط لهم باع طويل بالعلاقة مع موسكو، وهو ضمان لروسيا، في حال حصلت إعادة هيكلةٍ، ضمت ضباطاً منشقين عن النظام، والذين سيمثلون بدورهم الخط الموالي للغرب والسعودية.
خلاصة الجانب الثاني، أن السعودية عرضت على موسكو تخليصها من أبرز هواجسها في الشأن السوري: وهي خسارة احتكارها لسوق الغاز في أوروبا، وخسارتها لنفوذها السياسي والعسكري في سوريا.

فهل تم شراء موسكو بالفعل؟
لا أحد يستطيع أن يجزم بما حدث وراء الكواليس بين بندر وبوتين، لكن ما يمكن الجزم به بأن الروس حصلوا على عرضٍ كفيلٍ بضمان معظم مصالحهم في الملف السوري، مقابل المساعدة في التخلص من شخص بشار الأسد.

يبقى السؤال: هل روسيا قادرة حقاً على التخلص من الأسد؟....وأين يأتي موقع إيران في خارطة القوة الخارجية المؤثرة على النظام؟...هل يمكن لموسكو أن تتجاوز النفوذ الإيراني في الساحة السورية، وداخل أروقة النظام؟
يبدو أن طهران تحديداً ستكون العائق الأبرز أمام أي تسوية إقليمية –دولية تتم على حساب بشار الأسد، لكن ذلك لا ينفي أهمية البازار السعودي –الروسي الذي تم، أو سيتم، على رأس الأسد، والذي قد يُفضي إلى انقلاب الدور الروسي حيال الملف السوري برمته.

ترك تعليق

التعليق