القامشلي ليست كردية"...جدل بالأرقام والخرائط حول التوزع الديمغرافي في الحسكة (2-2)

أكراد يستشهدون بوثيقة صادرة عن مكتب الأمن السياسي في عهد حكم البعث الأول مطلع الستينات، في الجزيرة السورية، حيث يطلب أحد الضباط بصورة واضحة تعريب المنطقة.
كاتب كردي يؤكد عدم وجود أي عنصر عربي  من منطقة "دير حماكو" إلى "القامشلي" حتى بداية الحرب العالمية الأولى.
دراسة في الجغرافيا السياسية تؤكد: عدد العرب في الحسكة يقاربون النصف، مقابل 40% للأكراد.
كاتب سوري "سرياني" يؤكد أن 60 % من سكان محافظة الحسكة هم من العرب والسريان والآشوريين والكلدان والشاشان والأرمن.
الكثير من الأراضي التي يمتلكها الأكراد اليوم في منطقة الحسكة حصل عليها الآغاوات الأكراد كهبات في نهاية القرن التاسع عشر، وبعضها الآخر حصلوا عليه من الفرنسيين في العشرينات.

استعرضنا في الجزء الأول من هذا التقرير دراسة التوزع الديمغرافي في الحسكة، لـ "التجمع الوطني للشباب العربي".
بطبيعة الحال، تعرضت هذه الدراسة للكثير من النقد، خاصة من بعض الناشطين الأكراد، نستعرض في هذا الجزء نموذجاً من هذه الانتقادات في مقال للكاتب "حسين شيخموس"، يرد فيه على تفاصيل الدراسة، ويستدل الكاتب بـ "الوثائق العثمانية والفرنسية" التي تنوه في متنها إلى الهوية والطابع الكردي لمناطق الجزيرة السورية بصورة عامة، لكن شيخموس لم يوضح أية وثائق يقصد، ومن أي مصدر حصل عليها، كما أنه لم يوضح أي مناطق الجزيرة يقصد، وهل يقصد أن كامل منطقة الجزيرة، والتي تضم ثلاث محافظات، الحسكة والرقة ودير الزور، هي مناطق "كردية"؟

تموذج من ردود كتاب أكراد على دراسة التوزع الديمغرافي في الحسكة
ومن ثم يستعرض شيخموس مراحل "تعريب" مناطق الكرد، والتي بدأت عبر العرب الرحّل بدايةً الذين استوطنوا الكثير من مناطق الأكراد طمعاً بالمراعي الخصبة، ليعتبروا أنفسهم اليوم من السكان الأصليين، لكن شيخموس هنا يتجاهل حوادث انتقال تاريخية معروفة للأكراد من تركيا إلى الجزيرة السورية في نهايات الحقبة العثمانية وخلال سنوات الانتداب الفرنسي، وحتى بعد الاستقلال، وهم ممن حصل تجاههم إشكال "التجنيس" في إحصاء عام 1962، حينما رفضت الحكومة السورية، في عهد الانفصال، منح الجنسية السورية لعشرات آلاف الأكراد، لأنهم مهاجرون غير شرعيين من الأراضي التركية، وهؤلاء اليوم يعتبرون أنفسهم من السكان الأصليين، وحصلوا على الجنسية السورية، بموجب مرسوم أصدره بشار الأسد بعيد اندلاع الانتفاضة السورية عام 2011.

يتابع شيخموس ليستعرض مراحل "تعريب" مناطق الأكراد بعيد الاستقلال، والتي مرت بمرحلتين رئيستين، حسب الكاتب، الأولى خلال الوحدة السورية – المصرية، حيث تم "الاستيلاء على أراضي الكرد بحجة الإصلاح الزراعي"، والثانية في السبعينات من القرن الماضي حينما تم "ترحيل العرب الذين سموا بعرب الغمر إلى المنطقة وتم توزيع الأراضي التي صودرت من العوائل الكوردية على المهجّرين منهم,....".

ويستطرد الكاتب شيخموس مستدلاً بوثيقة صادرة عن مكتب الأمن السياسي، في عهد حكم البعث الأول مطلع الستينات، في الجزيرة السورية، حيث يطلب أحد الضباط بصورة واضحة تعريب المنطقة، متهماً الأكراد بأنهم يسعون لتأسيس "دولة إسرائيلية ثانية" تحت اسم الدولة "الكوردية"، معتبراً أن الوثيقة المذكورة هي دليل يثبت أن المنطقة –دون أن يحدد مرة أخرى أيقصد كامل الجزيرة السورية أم فقط الحسكة- هي منطقة "كورد".

ومن ثم يستعرض الكاتب القرى الكردية التي تعرضت أراضٍ فيها للاستيلاء من جانب السلطات لصالح العرب، والأبرز أنه يؤكد عدم وجود أي عنصر عربي في منطقة الحدود السورية – التركية من منطقة "دير حماكو" إلى "القامشلي"، حتى بداية الحرب العالمية الأولى، وأن تلك المنطقة كانت كردية بحتة، ربما باستثناء وجود ملحوظ للآشوريين – الكلدانيين والسريان، مع غياب لأي عنصر عربي. ويختم الكاتب بأن رفض أي دعوات للانفصال أو الحكم الذاتي تكرار لأخطاء نظام البعث، وأن الحل لأزمة سوريا بالحوار بين أبنائها حول مستقبل البلاد وصيغة الحكم والدولة فيها.

دراسة في الجغرافيا السياسية تؤيّد دراسة التوزع الديمغرافي في الحسكة
لكن رداً على تقديرات الكاتب حسين شيخموس، نورد مقتطفات من تقرير نشرته "اقتصاد" في آذار المنصرم، بعنوان "دولة الأكراد المتخيّلة...هل هي قابلة للحياة اقتصادياً؟"، استندت فيها "اقتصاد" بصورة رئيسية على دراسة بحثية بعنوان "تقسيم سوريا: بين مؤامراتهم وواقعنا...دراسة في الجغرافیة السیاسیة"، تألیف: مصعب الرشید الحراكي، معید في قسم الجغرافیة – كلیة الآداب والعلوم الإنسانیة الثانیة – جامعة دمشق.

توضح الدراسة أنه رغم صعوبة عملية التقدير للتوازنات الديمغرافية في الحسكة بسبب حساسية القضية وادعاء كل طرف امتلاكه للأغلبية السكانية هناك، إلا أنه يرجح أن "عدد العرب في هذه المحافظة يقاربون النصف، مقابل 40% للأكراد، خاصة مع وجود تجمعات كبيرة للأكراد في حلب وريفها، وفي دمشق، يملكون فيها ملكيات وفرص عمل إلى جانب هجرة مئات آلاف الأكراد من الحسكة باتجاه الداخل السوري من أجل اقتناص فرص عمل أفضل، مما يرجّح أن نسبة الأكراد في الحسكة ليست غالبة.

وحتى في حال افتراض رجوع أكراد الحسكة إليها، فإن التجمعات العربية المنتشرة بصورة كبيرة في وسط وجنوب المحافظة تحصر الأكراد في شريط حدودي في أقصى شمال المحافظة على الحدود مع تركيا".

كاتب سوري "سرياني" يؤيد دراسة التوزع الديمغرافي في الحسكة
إلى جانب الدراسة المذكورة آنفاً، نستعرض مقتطفات من مقال لكاتب سوري "سرياني"، هو جورج سمعان، يتعرض فيه أيضاً لحقيقة "الوجود الكردي" في الجزيرة السورية.

ويستعرض الكاتب تاريخ المنطقة منذ ما قبل الميلاد، حتى اليوم، ليخلص إلى أن الأكراد دخلوا هذه المنطقة بشكل واضح في العهد العثماني قادمين من بلاد القوقاز، ربما باستثناء "...سلطة إمارة البوطان الكردية المجاورة لجبال طوعبدين والجزيرة السورية الحالية بشكل عام خارج نطاق الجزيرة السورية باتجاه الشمال (ضمن الأراضي التركية حالياً). وهناك بقايا أكراد القائد صلاح الدين الأيوبي حيث ذاب الكثير منهم في البوتقة العربية ومن تبقى منهم مقيم حالياً في دمشق بحي ركن الدين وحي الأكراد ونسي معظمهم لغتهم الكردية أو بالكاد يعرف بعض الكلمات".

قبل دخول الأكراد، يوضح الكاتب، أن غالبية سكان الجزيرة كانوا من السريان والآشوريين والعرب، ويضيف "إن نظرة سريعة يلقيها المرء على بعض الخرائط التي رسمها في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين بعض الكتاب الأوروبيين سيجد بأن جميع المدن والبلدات كالقامشلي والحسكة والمالكية والقحطانية وعامودا والدرباسية، عدا مدينة رأس العين التي كانت تدعى (ريش عينا) حيث شيدت قبل الميلاد، أما باقي المدن المذكورة أعلاه فمعظمها قد بني في القرن العشرين....".

ويختم الكاتب مقاله قائلاً: "منذ الاستقلال وحتى اليوم والجزيرة هي ضمن حدود الجمهورية العربية السورية تحت اسم محافظة الحسكة. تقدر مساحتها بحوالي 23000 ألف كيلومترمربع، وعدد سكانها حوالي مليون ومائة ألف نسمة، يشكل فيها الأكراد حوالي 40 %، والباقون (60 % من سكانها) هم من العرب والسريان والآشوريين والكلدان والشاشان والأرمن، وبذلك يكون مجموع تعداد الأكراد في الجزيرة حالياً، وذلك بحسب القيود الرسمية حوالي 440 ألف نسمة".

نقاط حول الجدل في مسألة "عرب الغمر" وتداعيات "الإصلاح الزراعي"
ونختم بمقتطفات من الجدل حول مسألة مصادرة أراضي للأكراد لصالح "عرب الغمر" الذين فقدوا أراضيهم بسبب سد الفرات في الرقة، ومُنحوا أراضٍ في الحسكة بدلاً عنها، ففي هذه المسألة يذكر مختصون وسكان عرب من المنطقة عدة نقاط أبرزها:

- أن هجرة كبيرة حصلت من جانب الأكراد في منتصف الستينات من الأرياف إلى المدن في الحسكة، ولا يرتبط ذلك بأية مصادرة من جانب الدولة لأراضيهم، بل يرتبط بالحراك الاجتماعي – الاقتصادي الذي شهدته سوريا وقتها، حيث هاجر جزء كبير من سكان الريف إلى المدن في مختلف البقاع السورية.

- أن الدولة السورية في عهد الوحدة ومطلع حكم البعث استولت على قسم من أراضي كبار الملاكين وبعض الفلاحين السريان والأكراد، تماشياً مع مساعي "الإصلاح الزراعي" التي طالت أراضي العرب أيضاً في مختلف بقاع سوريا، وفي مصر أيضاً، ولم ينحصر ضرر "الإصلاح الزراعي" بالأكراد، بل طال العرب أيضاً، كما هو معروف، حيث خسر أبرز إقطاعي سوريا أراضيهم في وسط البلاد في حمص وحماه.

- بالنسبة لـ "عرب الغمر" القادمين من الرقة، فقد أسكنتهم السلطات حينها في المنطقة الحدودية المحاذية لخط المطر – أو خط العشرة- المجاورة لتركيا، وأعطي للأكراد أراضٍ لم تكن بجودة أراضيهم التي تم الاستيلاء عليها، لكن من المهم أيضاً أن نذكر أن جميع سكان الأرياف، من عرب وكرد وسريان، استفادوا من قانون "الإصلاح الزراعي" الذي وزّع أراضي كبار الملاك عليهم، وذلك لا يبرر لبعض الأكراد وصف "عرب الغمر" الذين فقدوا أراضيهم بسبب سد الفرات بـ "المستوطنين"، فهم رُحّلوا إلى أراضٍ سورية بكل الأحوال.

- يذهب بعض العارفين بتاريخ منطقة الحسكة من كبار سكانها، إلى أن الكثير من الأراضي التي يمتلكها الأكراد اليوم في منطقة الحسكة حصل عليها الآغاوات الأكراد كهبات في نهاية القرن التاسع عشر، وبعضها الآخر حصلوا عليه من الفرنسيين في العشرينات، ويثبت ذلك عدم امتلاك الكثير من الأكراد، خاصة سلالات كبار الآغاوات بينهم، لأية سندات تمليك للأراضي التي يملكونها اليوم، مما يثبت أن جزءا كبيرا منهم فعلاً قدم إلى المنطقة منذ منتصف القرن التاسع عشر، حسب بعض الخرائط والشروحات الجغرافية والديمغرافية الأوروبية.

تنويه حول غايات "اقتصاد"
في ختام ما سبق، نوضح في "اقتصاد" أننا لا نسعى لإثارة المزيد من الحساسية حيال هذه القضية المثيرة للجدل، بقدر ما نريد الإضاءة على حقيقة أن كل طرف، "عرب –أكراد"، يمتلك من الذرائع المنطقية والتاريخية ما يكفي لإثبات صحة إدعائه، الأمر الذي يتطلب حواراً جاداً، في أجواء صحية، بعيداً عن الانطلاق من مقولات غير مثبتة وكأنها حقائق مطلقة، بغية عدم الغوص أكثر في مستنقع النعرات العرقية والطائفية الذي يبدو أن البلاد بأكملها تنجرّ إليه بقوة منذ بدء الحراك الثوري في العام 2011، وتأكيد أن أية مقولات تُقدّم على أنها حقائق لتبرير مساعٍ انفصالية أو لفرض أمرٍ واقعٍ متعلّقٍ بشكل نظام الحكم والدولة في مستقبل سوريا، ليس في صالح جميع السوريين، لأن هذه المقولات تخضع للكثير من الجدل والتفنيد، مما يجعلها موضع خلاف، الأمر الذي يوُجب إعادة دراستها بشكل علمي موضوعي، بعيداً عن التعصب الآيدلوجي أو العرقي.

"القامشلي ليست كردية"...جدل بالأرقام والخرائط حول التوزع الديمغرافي في الحسكة (1-2) 

80% من سكان الحسكة وريفها أكراد حسب أحزاب وناشطين كُرد 30% نسبة الأكراد في الحسكة وريفها حسب الدراسات المتخصصة 62% نسبة القرى العربية في منطقة القامشلي 26% .. المزيد

ترك تعليق

التعليق