قدري جميل من الوزارة إلى الإقالة...حيثيات وآراء
- بواسطة خاص - اقتصاد --
- 03 تشرين الثاني 2013 --
- 1 تعليقات
أعلن هدفاً استراتيجياً بأن يُرجع راتب الموظف إلى العهد الذي كان فيه قادراً على شراء 35 كغ من اللحم.
خرج من الحكومة بعد أكثر من 15 شهراً بفشل اقتصادي ذريع، فراتب الموظف اليوم ربما لا يشتري له أكثر من 10 كغ لحمة
سعر ليتر المازوت ارتفع في عهد قدري جميل 300%
وصف سياسات حاكم مصرف سوريا المركزي بـ "غير وطنية بالمطلق"
فراس طلاس: "رامي وإخوته يقومون بمشاورة بعض رجال الأمن حول تمرير القرارات. فلا تلوموا قدري "
دخل قدري جميل حكومة الأسد، التي اعتبرها الأول ائتلافية، مقدماً نفسه على أنه أحد ممثلي المعارضة الداخلية بالشراكة مع زميله في "الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير" علي حيدر من "الحزب السوري القومي الاجتماعي".
وتم تشكيل الحكومة في 23 حزيران / يونيو 2012، ليترأسها رياض حجاب، وزير الزراعة السابق، الذي سرعان ما انشق عن نظام الأسد بعد أقل من شهرين من ترفيعه لمنصب رئاسة الوزراء، فخلفه وائل الحلقي، وزير الصحة، في موقعه.
احتل قدري جميل موقعين في حكومة الأسد، الأول: نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، والذي من المفترض أن يتولى رسم الاستراتيجية الاقتصادية للحكومة، والثاني: وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك، وهي وزارة وريثة لوزارة التموين المُلغاة منذ أكثر من عقد، وتتولى بصورة رئيسية مهمة إدارة تسعير السلع، والعلاقة بين السوق والمستهلك في الداخل السوري.
وعود جميل الوزارية
حالما استلم قدري جميل موقعه الوزاري وعد السوريين بتحسين الأجور، وأعلن هدفاً استراتيجياً له، وهو أن يُرجع راتب الموظف إلى العهد الذي كان فيه قادراً على شراء 35 كغ من اللحم.
وأضح جميل حينها أنه في الخمسينيات كان راتب الموظف في سوريا يكفيه لشراء 35 كغ من اللحمة أما "إذا قارنا ذلك بالأجور الحالية فكم كغ من اللحم يمكن للراتب أن يشتري للموظف اليوم؟!، وهذا مؤشر على الخلل القائم بين الأجور والأسعار".
كما وعد جميل أن يرفع نسبة النمو إلى 10% في سوريا.
خلاصات عمل جميل "الكارثية"
ما سبق كانت وعود جميل مطلع صيف العام الفائت، لكن الرجل خرج من الحكومة بعد أكثر من 15 شهراً بفشل اقتصادي ذريع، فراتب الموظف اليوم ربما لا يشتري له أكثر من 10 كيلو لحمة، ومعدل النمو الاقتصادي في سوريا هذا العام ربما كان سالباً، أو لا يصل إلى 2% في أقصى التوقعات تفاؤلاً.
والغريب أن الرجل الذي وعد بتحسبن أجور السوريين، ورفع مستوى معيشتهم، وتسلم الوزارة التي تُعنى بأسعار السلع وعلاقتها بقدرة المستهلك الشرائية، هو ذاته، أو على الأقل، وزارته، أصدرت القرارات التي تولت تهشيم ما بقي من قدرة شرائية لدى السوريين، ونقصد هنا قرارات تخفيض الدعم التدريجي للمواد الأساسية، وفي مقدمتها المحروقات.
فتولت وزارة التجارة الداخلية في عهد قدري جميل مسؤولية رفع سعر ليتر المازوت عدة مرات، من 20 ليرة لليتر، إلى 23 ثم 25، ثم 35، وأخيراً 60 ليرة لليتر الواحد.
أي أن سعر ليتر المازوت ارتفع في عهد قدري جميل 300%.
الأمر ينطبق أيضاً على سعر ليتر البنزين الذي رفعته وزارة قدري تدريجياً من 55 ليرة لليتر ليصل إلى 80 ليرة في عهده، قبل أن يصل إلى 100 ليرة لليتر في عهد خلفه.
كذلك رفع قدري جميل سعر اسطوانة الغاز الفارغة أكثر من 100%، وكانت وزارة التجارة الداخلية، في عهد قدري جميل، هي التي اقترحت على الحكومة قرار الرفع الأخير هذا.
جميل موضع جدل إعلامي
ولطالما انشغلت وسائل الإعلام المقرّبة من النظام، خلال عهد قدري جميل في الحكومة، بالجدل حول دور الرجل في رفع أسعار المواد الأساسية، بين من يدّعي منها أنه يتعرض للضغط كي ينفذ تلك التوجهات، وبين من يحمّله كامل المسؤولية، وأن الرجل يقول للإعلام وللجمهور خلاف ما يقرر في دوائر القرار الحكومي المغلقة.
كما انشغل الإعلام المقرّب من النظام عدة مرات بالجدل حول تصريحات قدري جميل المنتقدة للحكومة، وهو في داخلها، فقد وجّه الرجل سهام نقده لأداء أديب ميالة، حاكم مصرف سوريا المركزي، في مساعيه لفرملة تدهور قيمة الليرة السورية في مواجهة الدولار. واتهم قدري جميل علناً المصرف المركزي ومجلس النقد والتسليف بـ "سوء إدارة وضع الليرة السورية".
وكان قدري جميل قد أطلق عدة "أسعار حقيقية" للدولار، في مقابل صعوده السريع، فحينما بلغ قرابة 150 ليرة، أكد جميل أن سعره الحقيقي 100 ليرة، وحينما تجاوز 200 ليرة، أكد جميل أن سعره الحقيقي 120 ليرة، الأمر الذي أثار الكثير من الجدل الإعلامي، دون أن يترك أدنى أثر على تدهور الليرة السريع خلال العام الجاري.
ومن إحدى قضايا الجدل التي انشغل بها الإعلام خلال وجود جميل في الحكومة تلك المتعلقة بالصراع اللفظي والعملي بينه وبين فريق من الوزراء والتنفيذيين، على ضفتي آيدلوجيتين اقتصاديتين، الأولى يدعمها جميل ويدعو من خلالها إلى الارتداد إلى نموذج الدولة الراعية للاقتصاد، وضبط الاستيراد وإعادته إلى قبضة الدولة، وإعادة إحياء الاستراتيجيات الاقتصادية لثمانينات القرن الماضي، في مقابل الآيدلوجية الأخرى التي يعتقد بها وزراء ومسؤولون اقتصاديون آخرون يؤمنون بأن العصر الراهن لا تناسبه آليات الثمانينات الاقتصادية، وأن فكرة إغلاق البلاد اقتصادياً غير صائبة، ناهيك عن أنها غير قابلة للتطبيق.
جميل يوجّه انتقادات لاذعة لزملائه في الحكومة
وفي سياق انتقاداته لأداء زملائه في الحكومة، دعا قدري جميل في تموز الماضي إلى اتخاذ قرار حاسم بوقف الإتجار بالدولار نهائياً، و"ما يستلزمه ذلك من إغلاق محال الصرافة ومحاسبة الصيارفة والإدارة المالية للمصرف المركزي وتعديل سياساته جذرياً، وإيقاف دعم مستوردات القطاع الخاص نهائياً، واحتكار استيراد السلع الأساسية بيد الدولة، وإجبار البنوك الخاصة على إيداع احتياطياتها من العملات الصعبة لدى المصرف المركزي، وتأمين سلة غذائية شهرية مجانية كاملة أو شبه كاملة لكل عائلة سورية وفقاً لعدد أفرادها، ومنع تصدير المواد الغذائية وتجريمه، وتأمين إغراق الأسواق بالسلع الأساسية بالاستفادة من الخطوط الائتمانية التي يجري العمل عليها".
ودعا جميل إلى اعتماد استراتيجية "اقتصاد الحرب"، و"أن اقتصاد الحرب لا يُدار إلا بحكومة حرب تؤمن اصطفاف الجيش والشعب في وجه أصحاب رؤوس الأموال وحملة السلاح غير الشرعي من كل الأطراف، أي أنه بحاجة إلى حكومة تختلف عن الحالية جدياً في الذهنية وفي البنية وفي الصلاحيات وفي البرنامج".
جميل يفقد حقيبته الوزارية
لكن جميل، بعيد تلك الانتقادات اللاذعة التي وصلت حد وصف سياسات حاكم مصرف سوريا المركزي بـ "غير وطنية بالمطلق"، فقد الرجل حقيبته الوزارية في التعديل الوزاري الأخير الذي أجري نهاية آب المنصرم على حكومة وائل الحلقي، وبقي فقط نائباً لرئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية.
وقد فُسّر سحب وزارة التجارة الداخلية من قبضة جميل حينها بأنه سعيٌ من جانب القيادة السياسية لتحقيق انسجام بين وزراء الحكومة التنفيذين من حيث رؤاهم الاقتصادية، كي ينجح عمل الحكومة عموماً.
بعيد ذلك أطلق قدري جميل جملة تصريحات اعتبرها البعض مهينة لنظام الأسد تحديداً، منها قوله بأن الأسد والمعارضة عاجزين على حد سواء عن الحسم، ومن ثم دعوته إلى محاسبة الأجهزة الأمنية، وقد ترددت على خلفية ذلك شائعات تحدثت عن تعرض جميل للضرب والإهانة من جانب اللواء جميل حسن مسؤول المخابرات الجوية، التي يُعتبر قدري جميل أحد المقرّبين منها.
من الوزارة إلى الإقالة
بعيد مغادرة قدري جميل لسوريا هو وعائلته قاصداً موسكو، فيما وصفها زميله علي حيدر بأنها "إجازة عائلية"، تلقى جميل قرار إقالته بصورة مفاجئة بسبب "تغيبه عن العمل والقيام بنشاطات دبلوماسية دون التنسيق مع الحكومة"، في إشارة إلى لقاءاته مع مسؤولين أمريكيين، منهم روبرت فورد، المسؤول الأمريكي عن الملف السوري.
وقد نقلت مصادر في المعارضة السورية، حسب الزميلة "زمان الوصل"، أنباءً عن أن فورد طلب من جميل الانضمام إلى الائتلاف الوطني المعارض كشرط لحضوره مؤتمر جنيف 2 بوصفه أحد ممثلي المعارضة.
ورفض جميل بدوره وصف ما قام به بـ "الانشقاق" مؤكداً أنه لم يكن يوماً ينتمي إلى النظام، بل كان جزءاً من حكومة ائتلافية ممثلاً لجزء من المعارضة الداخلية.
فما مدى مسؤولية قدري جميل عن قرارات وزارة التجارة الداخلية في عهده؟، وهل فشل الرجل في إدارة مسؤولياته الحكومية؟
جميل أحد منفذي تعليمات "ابن الخال"
بطبيعة الحال، يتهم الكثيرون قدري جميل بالقدرة على التنظير دون العمل، وبأن الرجل مجرد أداة للنواة الصلبة لنظام الأسد وخاصة لأجهزته الأمنية، ومنفّذ أمين لتعليماتها واستراتيجياتها.
لكنّ للبعض توصيفا آخر للأمر، من ذلك ما كتبه فراس طلاس، نجل وزير الدفاع الأسبق مصطفى طلاس، ورجل الأعمال الذي أخذ مسافة من النظام قبل أن يصوّب عليه مع بدء الحراك الثوري في سوريا، معلناً تأييده للثورة، فكتب طلاس على صفحته في "فيس بوك" قائلاً: "كثرت الأحاديث عن فشل السياسة الاقتصادية لقدري جميل ومن قبله لعبد الله الدردري. يا سادتي لاهم ولا غيرهم من الوزراء لهم علاقه إلا بالاقتراح فقط أو دراسة آلية تنفيذ القرارات. فلدى الخال أبو رامي (محمد مخلوف) مستشاران، أحدهم إيرلندي والآخر جنوب إفريقي، بالإضافة الى جيش صغير من المستشارين والمحاميين اللبنانيين لا يوجد بينهم سوري واحد (السوريون نسق ثاني). عملهم هو دراسة كل مقترح أو اقتراح قرارات على مستوى الدولة، كلها تصب في خدمة ثروة العائلة. سواء كان في النفط أم الري أم الاتصالات أم المصارف وحتى السلاح. وكان سابقاً أبو رامي والآن رامي وإخوته يقومون بمشاورة بعض رجال الأمن حول تمرير القرارات. فلا تلوموا قدري أو غيره".
وجهة نظر فراس طلاس تبرّئ قدري جميل من الخطأ الاقتصادي والإداري، لكن قرار إقالته من جانب الأسد فتح الباب على تأويلات ووجهات نظر عديدة حول خلفيات وأهداف الإقالة.
سيناريوهات الإقالة وغاياتها
يقدّم الخبير الاقتصادي سمير سعيفان في بوست على صفحته في "فيس بوك" توصيفاً لأبرز سيناريوهات إقالة جميل، يقول سعيفان: "ما هي خلفيات إعفاء قدري جميل من منصبه كنائب لرئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية؟، هل هو مسرحية بين النظام وجميل لتسويقه كي يحضر مؤتمر جنيف في حال انعقاده، حيث من الصعب تسويق حضورة كمعارض وهو نائب رئيس وزراء النظام؟، أم أنه تعبير عن خلاف في الرأي بين موسكو والنظام، حيث تريد موسكو عقد المؤتمر ونجاحه وتريد لجميل أن يلعب دورا في المرحلة الانتقالية، ففعل جميل ما فعل وذهب إلى جنيف بالتنسيق مع الروس على الضد من رغبة النظام، وتواصل مع الأمريكان وغير الأمريكان وصرح أنه يتواصل على نحو غير رسمي مع الائتلاف، وهو أمر لم يقبله النظام فأعفاه؟ أم ثمة سيناريو ثالث؟".
بطبيعة الحال لا يمكن الجزم أيهم السيناريو الأدق، هل قرر قدري جميل أن يقفز من سفينة بشار الأسد، أم أنها لا تعدو إحدى شبكات صيده لالتقاط أهداف جديدة من مخاض "جنيف2" المرتقب؟
خاتمة
دون شك ستكشف الأسابيع القليلة القادمة التي تسبق عقد مؤتمر جنيف2 جانباً من الحقيقة، لكن يبقى أن الكثير من الُشبهات تحوم حول قدري جميل، سواء من حيث الطريقة التي تشكلت بها ثروته الراهنة، أو من حيث شبكة علاقاته المُريبة مع النظام وأجهزته الأمنية من جهة، ومع روسيا وصناع القرار فيها من جهة أخرى.
لكن ما سبق لا ينفي إعجاب بعض المراقبين بحنكة الرجل السياسية، وتقديره لموازين القوى المحلية والدولية، وقدرته على اللعب على كل الحبال، ومع كل الجبهات...الأمر الذي يُنبئ بأن هناك احتمالاً كبيراً لأن يكون لقدري جميل دورٌ فاعلٌ في رسم الخارطة السياسية لمستقبل سوريا.
"اقتصاد" تُضيء على "سيرة" قدري جميل...ما بين السياسة والبزنس غير المشروع انتسب إلى عائلة تتنبى الشيوعية كآيدلوجية لكنها تنتهج السياسة و أحيا ناً البزنس كمنهج حياة حاز على شبكة علاقات متينة تصل إلى عمق المجمع المزيد |
التعليق
قدري جميل
2013-11-04