"اقتصاد "تفتح الملف الساخن .."غرب كردستان"الاقتصاد والديمغرافيا وسيناريوهات الصراع (1-4)

مخطط بناء دولة كردستان الكبرى يمكن أن يشعل المنطقة فى حروب طويلة

ينبع من جبال "كردستان الكبرى" أربعة أنهار كبيرة منها الفرات ودجلة

تعد تركيا غنية بالنحاس لأن مناطق الأكراد هناك غنية بهذا المعدن

المقومات الطبيعية سابقة التفصيل تفتقد إلى قدرة التواصل مع البحور المفتوحة.


لا يمكن اعتبار قرار بعض الفصائل الكردية، وفي مقدمتها، الاتحاد الديمقراطي الكردي، بقيادة صالح مسلم، تشكيل "الإدارة المدنية الانتقالية لمناطق غرب كردستان- سوريا"، إلا بأنه وصفة لصراع طويل الأمد في منطقة متفجّرة بعوامل ودوافع النزاعات والصراعات.

وفي سياق الجدل حول نيّات وغايات المعلنين، إن كانت تمهيداً لفرض أمرٍ واقعٍ، أم إجراء إداري في المناطق التي شملها الإعلان، أو ورقة لعبٍ يرميها أحد اللاعبين المحليين والإقليميين– من الأكراد- على طاولة المساومات ومساعي التسويات السياسية الجارية...فإنّ الصيغة اللغوية للإعلان بحد ذاتها، كافية لتعزيز الشُبهات حول النوايا، فتعبير "غرب كردستان" الذي يسعى لاعبون محليون أكراد لترسيخ استخدامه كمصطلح جيوسياسي، يرتبط، كما يعلم الجميع، بنزعة شوفينية – قومية كردية تتعلق بتأسيس كيان جيوسياسي جامع لكل المنتمين للقومية الكردية على حساب أربع دول إقليمية راسخة منذ عقود، تركيا وإيران وسوريا والعراق.

التعبير المستخدم "غرب كردستان" يعبّر عن طموح ونزعات المُعلنين، ولا يُوحي بأنهم يسعون حقاً لأن يكونوا شركاء تحت سقف سوريا موحدة، وإلا، لكانوا قادرين على استخدام تعبير "جيوسياسي" آخر، يُرسل تطمينات على الأقل لشركائهم المحليين في الوطن، من قبيل "الإدارة المدنية الانتقالية لمناطق شمال شرق سوريا" مثلاً....

ملف "غرب كردستان"

بكل الأحوال، يتطلب التطور السياسي الأخير المتعلق بإعلان الإدارة الانتقالية المذكورة، تفصيل ملف "غرب كردستان" كمصطلح وغاية "جيوسياسية" من كل الجوانب والأبعاد.

وتحقيقاً لهذا الهدف قررت "اقتصاد" إعداد ملف على أربعة أجزاء، تحاول من خلاله تشريح المسألة الكردية السورية من كل جوانبها، بدءاً بـ "كردستان الكبرى" في خيالات بعض الفصائل السياسية الكردية، مروراً بـ "غرب كردستان" والبعد المحلي السوري بزواياه الديمغرافية والاقتصادية والسياسية، وروافده الإقليمية والدولية، انتهاء بمحاولة أوليّة لترسيم أبرز سيناريوهات الصراع المرتقب، وتحديد السيناريو الأمثل لجميع السوريين على اختلاف ألوان طيفهم العرقية والدينية والطائفية، وتفصيل سبل تحقيقه.

"كردستان الكبرى"...الوليد الميت مُسبقاً

تنبأ خبير العلاقات التركية الآسيوية، المصري عماد الدين أحمد، الأستاذ في جامعة الزقازيق قرب القاهرة، أن "الدعم المستمر الذى يقدمه مسعود بارازاني وأكراد العراق من جهة وأكراد تركيا من جهة أخرى لأقرانهم فى سوريا....يتم وفق مخطط بناء دولة كردستان الكبرى التى يمكن أن تشعل المنطقة فى حروب ستمتد لعشرات السنين".

بطبيعة الحال، يُدرك المتابعون للشأن الكردي في العراق وسوريا وتركيا أن كلام الخبير المصري آنف الذكر يتضمن شيئاً من التعميم، وذلك وفق ظاهر التطورات المحلية في الدول الثلاث المذكورة، لكن ما سبق لا يُلغي احتمال أن فصائل كردية كبرى بعينها، وربما بصورة منفصلة عن بعضها، تعمل وفق مخطط تدريجي لتحقيق هذا الحلم "الكردي" القديم.

تعريف بـ "كردستان الكبرى –المُتخيّلة"

"كردستان الكبرى"، هي مصطلح "جيوسياسي" يستخدمه أنصار النزعة القومية الكردية للدلالة على منطقة جغرافية كبيرة تشمل أربعة أجزاء كبرى رئيسية: كردستان تركيا (شمال كردستان)، وكردستان إيران (شرق كردستان)، وكردستان العراق (جنوب كردستان- إقليم يتمتع حالياً بحكم ذاتي موسّع الصلاحيات)، وكردستان سوريا (غرب كردستان)، بالإضافة إلى أطراف صغيرة على الحدود الجنوبية لأرمينيا.

تختلف التقديرات بشأن عدد الأكراد بين 30 إلى 35 مليون، يتوزعون بنسبة 20% في تركيا (15 مليون)، 15% في إيران (10 مليون)، 20% في العراق (6 مليون). وفي سوريا تختلف التقديرات لتضعهم بين نسبة 5% ونسبة 15% من سكان سوريا، مما يجعلهم يتراوحون بين (2- 3.5) مليون نسمة، إلى جانب أقلية صغيرة في أرمينيا.
يتركز الأكراد في 21 محافظة تركية البالغ عددها 90، تقع في شرقي تركيا وجنوبيها الشرقي. كما ويتركزون في غرب إيران، وفي شمال العراق، وشماله الشرقي، في محافظات: السليمانية وأربيل وكركوك ودهوك، ومناطق سنجار وعقرة من محافظة نينوى. وكذلك في منطقتَي (خانقين ومندلي) من محافظة ديالى حيث يجاورون أكراد إيران إلى الغرب من جبال زاجروس، وكذلك في منطقتي (بدرة وجصان) من محافظة واسط (لورستان الصغرى)، كذلك ينتشر اللوريون في مدينتي العمارة والكوت.

في سوريا:

يقطن الأكراد في الشمال والشمال الشرقي، حيث يجاورون الأكراد في تركيا في إقليم الجزيرة الفراتية (محافظة الحسكة) حيث ينتشرون في مناطق (القامشلي والمالكية ورأس العين وعامودا والدرباسية) وفي منطقتَي عين العرب (كوباني) وعفرين (جبل الأكراد) في (محافظة حلب)، والشريط المحاذي للحدود التركية من محافظات إدلب واللاذقية، كما ينتشرون في تجمعات صغيرة في مناطق من محافظات حماه وفي دمشق وحولها وفي هضبة الجولان، وفي بعض قرى وادي النصارى حول قلعة الحصن.

كما وتوجد أقليات كردية في أرمينيا وأذربيجان وروسيا الاتحادية وطاجيكستان وجورجيا وباكستان وأفغانستان وبلوشستان ولبنان ودول أخرى متعددة.

يغلب على الأكراد في كل أنحاء العالم، الدين الإسلامي من أهل السنّة، ويتبعون المذهب الشافعي، مع أقلية شيعية محدودة منهم، وأقليات أخرى تتبع للمسيحية واليهودية واليزيدية، ولمذاهب أخرى كالعلويين والكاكائيين ومذاهب أخرى.

وتنتشر بينهم الطرق الصوفية، وأكثر الطرق شيوعاً لديهم الطريقة القادرية والطريقة النقشبندية.

يستخدم لقب "مُلا" بين الأكراد للدلالة على علماء الدين الإسلامي، ومن ثم تحوّل إلى لقب عائلي متوارث في بعض الحالات.

جغرافياً: تبلغ مساحة "كردستان الكبرى – المُتخيّلة" (500) ألف كم مربع تقريباً، موزّعةً على الشكل التالي:
1- كردستان الشمالية (في تركية): مساحتها 285 ألف كم مربع.
2- كردستان الشرقية (في إيران): مساحتها 125 ألف كم مربع.
3- كردستان الجنوبية (في العراق): مساحتها 72 ألف كم مربع.
4- كردستان الغربية (في سورية): مساحتها 18 ألف كم مربع.

ثروات "كردستان الكبرى"...المائية والنفطية والمعدنية

بنبع من جبال "كردستان الكبرى" أربعة أنهار كبيرة:
نهر آراس: يجري في إقليم بينجول في تركيا ويصب في بحر قزوين. ويبلغ طوله 920 كم.

نهر دجلة: ينبع من بحيرة جولجوك (Golcuk) في أواسط طوروس الجنوبية الشرقية شمال مدينة ديار بكر في تركيا ويصب في الخليج العربي.

نهر الفرات: وينبع فرعه المسمى قرا صو، من دوملو تبه شمال أرضروم. وينبع فرعه المسمى نهر مراد من آلا داغ الواقعة بين بحيرة وان وجبال آغري في تركيا. ويلتقي الفرعان في شمالي غربي مدينة ألازيغ ليكوِّنا نهر الفرات الذي يخترق الأراضي السورية والعراقية ليصب في الخليج العربي.

نهر قيزيل أوزان: ينبع من جنوب غرب مدينة ديوان دَرَه في إيران. ويجري في إقليمَي زنجان وميانه ثم في جنوب مدينة رَشت حيث يسمى سفيد رود، ليصب في بحر قزوين.

ومن أنهار "كردستان الكبرى" كذلك الزاب الكبير الذي يجري في تركيا والعراق، والزاب الصغير، وكلاهما يصب في نهر دجلة. وعموماً فإن المناطق الكردية تمتلك مصادر وفيرة للمياه.

ما سبق بخصوص المصادر المائية يجعل "كردستان الكبرى- المُتخيّلة" قادرة على التحكم بمصادر مياه رئيسية لسوريا والعراق وتركيا، أي أن الدولة المُتخيّلة قادرة على تهديد الأمن المائي للدول الثلاثة المذكورة.

تتضمن "كردستان الكبرى – المُتخيّلة" عددا كبيرا جداً من أغنى حقول النفط في المنطقة، ومنها حقول كركوك –في العراق- الذي يُعتبر من أغزر حقول العالم إنتاجاً وأقلها نضوباً، وتساهم إلى جانب حقول "عين زالة" بأكثر من ثلث إنتاج النفط العراقي.

و في إيران يستثمر نفط منطقة شاه آباد، وفي تركيا يستخرج من حقول باطمان وسيرت.

أما في سوريا، فقد كانت حقول منطقة ديرك المالكية (قره تشوك ورميلان والسويدية) هي المزود الوحيد لإمداد سوريا بالنفط والغاز والكبريت منذ الستينيات وحتى نهاية القرن العشرين (سنفصّل الحديث عن الثروة النفطية لـ "غرب كردستان – سوريا" في حيزٍ آخر من هذا الملف).

وتحتوي "كردستان الكبرى – المُتخيّلة" على ثروة معدنية لا بأس بها، من مثل: الحديد والنحاس والكروم والفحم والفضة والذهب واليورانيوم والفوسفات.. وكمثال، تُعتبر منطقة (رجّو) في جبل الأكراد السوري، المركز الأول لاستخراج الحديد في سورية.. وكذلك تعد تركيا غنية بالنحاس؛ لأن مناطق الأكراد هناك غنية بهذا المعدن.

وتحتوي "كرستان الكبرى" على مناطق زراعيةٍ خصبةٍ واسعة، تنتج محاصيل هائلة من القمح والشعير والقطن والأرز، والخضروات والفواكه المختلفة.

لماذا "كردستان الكبرى" حلمٌ محكومٌ عليه بالموت مُسبقاً؟

يبقى كل ما سبق من توصيف تاريخي وسياسي وجغرافي واقتصادي وديمغرافي، مجرد توصيف لبعض مقومات كيان "مُتخيّل". لكن هذا الكيان يعترضه الكثير من التحديات التي تجعل تحويله إلى أمرٍ واقعٍ ضرباً من ضروب السيناريوهات شبه المستحيلة، في حال لقيت مقاومة شرسة، وهو المُتوقع، من جانب شركاء الأكراد الإقليميين في المنطقة، وهم ثلاثيّ: الأتراك والعرب والإيرانيين.

وتبقى "كردستان الكبرى – المُتخيّلة"، كياناً غير قابل للحياة، إلا إذا نال رضا شركائه الإقليميين، لأن المقومات الطبيعية سابقة التفصيل، على ميزاتها الكثيرة، تفتقد إلى قدرة التواصل مع البحور المفتوحة، وباستثناء بحر قزوين، الذي يتطلب الوصول إليه، حرباً دموية شرسة تنتهي بهزيمة الكيان القومي التركي، لا تُطل "كردستان الكبرى – المتخيّلة" على أية بحور، مما يجعل تواصلها البري معتمداً على محيطها الإقليمي، العربي – التركي – الإيراني، الذي سيكون، في حال قام هذا الكيان بالقوة، معادياً لها، وسبباً في جعلها جزيرة معزولة برياً عن العالم.

إذاً، فـ "كردستان الكبرى – المُتخيّلة"، حتى لو سايرنا أكثر السيناريوهات جُموحاً، ستُولد ميتة لوجستياً، أو أن عليها أن تحيا بدعم جوي يجعلها تعيش على أوكسيجين القوى الدولية الداعمة التي لا يرغب معظمها باستعداء ثلاث قوميات كبرى في الشرق الأوسط في آنٍ معاً (العرب – الأتراك- الإيرانيين).

وبدون واجهة بحرية، وبمحيط إقليمي معادٍ بالمجمل، يمكن أن نقول إن وصفة هذا الكيان تفتقد عوامل أساسية للصمود والبقاء.

بطبيعة الحال، نحنا جنحنا إلى أقصى السيناريوهات تخيّلاً، بمعنى، أن مجرد السعي إلى تحقيق مخاض لهذا الكيان "كردستان الكبرى"، لوحده، كفيل بإجهاض الوليد المُنتظر.

بناء على ما سبق، تظهر ملامح مسعى فصائل سياسية كردية كبرى لتأسيس كيانات كردية متعددة، تُراعي الخصوصية المحلية – الإقليمية، فكان "إقليم كردستان العراق"، الذي يقرّ حاكموه بحدود ما يمكن أن تقبله تركيا ولو نظرياً، و"إقليم غرب كردستان – سوريا"، الذي يبدو أن مخاضه هو الآخر سيكون عسيراً للغاية، مع احتمالٍ كبير لإجهاض الوليد المُنتظر منه، قبل الأوان.

يتبع في الحلقة الثانية...

ترك تعليق

التعليق