‎‏ "اقتصاد" تفتح ملف "الفيدرالية" في سوريا...آراء مؤيدي خيار "الفيدرالية" (3)

"الفيدرالية" تشكّل حلاً لبعض المشكلات المرتبطة بوجود أعراق وقوميات وطوائف متباينة الأهداف 

بخلاف الحكم الذاتي فإن الأقاليم في ظل الفيدرالية تشارك بقسطها في الحكومة المركزية.

المطلوب للحفاظ على وحدة البلاد سلطة تكتسب شرعيتها بقدر ما تحقق من توافق وطني.

باحثون يذهبون إلى نتيجة مفادها استحالة إعادة إنتاج نظام الدولة المركزية الشمولي.

بعد أن استعرضنا في الحلقة السابقة، وبتفصيلٍ واسعٍ، أبرز آراء ومبررات معارضي خيار الفيدرالية في سوريا وفي بعض الدول العربية كالعراق واليمن وليبيا، نستعرض في هذه الحلقة آراء مؤيدي خيار الفيدرالية في هذه الدول، ومنها سوريا.

*التعدّد العِرقي والديني والمذهبي...من مُوجبات "الفيدرالية"

ونبدأ برأي أحد معارضي الفيدرالية في اليمن، الكاتب عبدالإله الطاهش، الذي استشهدنا بآرائه في معارضة الفيدرالية في معظم الدول العربية بصورة عامة، وفي اليمن بصورة خاصة. لكن في حال دققنا في كتابات الطاهش سنلحظ أن الرجل يُقرّ بأن الفيدرالية تكون مناسبة حينما يكون هناك "...تعدّد عرقي ولغوي أو ديني وسلالي في الدولة مثل: كندا أو الهند أو ماليزيا..الخ، والذي يعني اختلاف في المعتقدات والعادات فتأخذ هذه الدول بالفدرالية؛ وذلك لصعوبة إصدار قوانين وتشريعات واحدة لجميع مواطنيها وخاصة قوانين الأحوال الشخصية مثل: الزواج ،الإجازات ،الأعياد الدينية..وغيرها".

وهنا نسأل: ألا ينطبق ما سبق، أي وجود تعدّد عرقي ولغوي وديني وسلالي، وأيضاً مذهبي، في سوريا؟، ألا يعني ما سبق أن أحد الأسباب المُتداولة لتطبيق خيار "الفيدرالية" قائمٌ في الحالة السورية؟
بطبيعة الحال، تشكّل الإجابة بالإيجاب على السؤالين الأخيرين أحد أبرز مقومات الرأي لدى مؤيدي "الفيدرالية" في الحالة السورية.

ويعتقد خبراء أن "الفيدرالية" تشكّل حلاً لبعض المشكلات المرتبطة "....بوجود أعراق وقوميات وطوائف متباينة الأهداف والمصالح داخل الدولة الواحدة. حين تختار مجموعات متنوعة من الناس -ذات لغات أو معتقدات دينية أو عادات ثقافية مختلفة- العيش ضمن إطار دستوري متفق عليه، فإنهم يتوقعون درجة من الاستقلال المحلي والفرص الاقتصادية والاجتماعية المتساوية. ومن شأن النظام الفيدرالي للحكومة أي السلطة المشتركة على المستويات المحلية والإقليمية والوطني العام، أن يمكّن المسؤولين المنتخبين من وضع وتنفيذ سياسات مهيأة للحاجات المحلية والإقليمية".

*"الفيدرالية" تحفظ وحدة الدولة وتقطع الطريق على الاستبداد

وعلى خلاف آراء معارضي "الفيدرالية" الذين يحذّرون من احتمالات الانحدار باتجاه سيناريو "التقسيم"، يعتقد مؤيدو "الفيدرالية" أنها نظام لتقاسم السلطة واتخاذ القرارات المشتركة بين حكومتين أو أكثر، منتخبة بحريّة وتتمتع بالسلطة على الشعب ذاته والمنطقة الجغرافية ذاتها، وهي تمنح وتحمي القدرة على صنع القرار، حيث تظهر النتائج أسرع ما تظهر في المجتمعات المحلية وفي المستويات الأعلى للحكومة. فهي تحفظ من جهة وحدة الدولة، وكيانها السياسي، ومن جهة أخرى تمنح المقاطعات أو الأقاليم نصيبها من السلطة والثروة والتمثيل السياسي. وبخلاف الحكم الذاتي، فإن الأقاليم في ظل الفيدرالية تشارك بقسطها في الحكومة المركزية. كما تضمن الفيدرالية الاحترام التام للتعددية القومية والدينية والمذهبية والسياسية، وبالتالي تقطع الطريق على قيام حكومات استبدادية.

*"الفيدرالية" تُعيق تفرّد فئات بعينها بالحكم والثروة

وفي حين يقرّ معظم المختصين بأن الدولة المركزية الموحدة تعزّز الوحدة الوطنية –في معظم الحالات وليس جميعها- وتوفّر في النفقات، إلا أنهم يتفقون أيضاً بأن من سلبياتها عدم التعرّف على حقيقة المشاكل في أقاليم الدولة المختلفة، والتركيز الشديد للسلطة، مما يفتح الباب واسعاً للاستبداد، كما سبق وذكرنا، ويعزّز احتمالات تفرّد جماعات محددة من مكونات الدولة بالحكم والثروة دون باقي مكونات مجتمع الدولة، على خلاف الحالة في الدولة الفيدرالية.
وفي سياق الردّ على القائلين بأن "الفيدرالية" تناسب الدول المركبة، وليس الدول البسيطة، يطرح أنصار "الفيدرالية" التساؤل التالي: هل المجتمع في سوريا مجتمع بسيط أم مركّب؟
بطبيعة الحال، فإنّ التنوع العِرقي والديني والطائفي وحتى اللغوي والسلالي في المجتمع السوري يجعله مجتمعاً مُركباً، وليس مجتمعاً بسيطاً، وبالتالي فإنه من غير الجائز إسقاط مقولات "الدولة البسيطة" على مجتمعٍ مركّبٍ.

*قراءة لـ عزمي بشارة في الحالة اليمنية، تناسب الحالة السورية

وفي هذا السياق يأتي رأي المفكر والخبير الاجتماعي العربي، د.عزمي بشارة، الذي أيّد خيار "الفيدرالية" في اليمن، بغية مراعاة خصوصية مجتمع اليمن الجنوبي، الأكثر مدنيّة وبُعداً عن القبلية، مُقارنة بمجتمع اليمن الشمالي، مُحذّراً من خطورة النتائج المترتبة على التعامل المركزي والإقصائي لأبناء "اليمن الجنوبي".

وإن كان حديث بشارة ذاك خُصّص للحالة اليمنية، فإن المبررات التي ذكرها لتأييد خيار "الفيدرالية" في اليمن، يمكن إسقاطها بكل أريحية على الحالة السورية، حيث الفروق واسعة في القيم والعادات والانتماءات بين مكونات المجتمع السوري، سواء على مستوى ثنائية "مدينة – ريف"، أو على مستوى التنوع العِرقي "أكراد– عرب– أرمن– شركس– تركمان..."، أو على مستوى التنوع المذهبي "سنّة –شيعة –علويين –دروز...".

*بحث لمختصين سوريين يُؤيد خيار "الفيدرالية"

وفي هذا السياق قد تكون أبرز الكتابات تناولاً للخصوصية السورية، وبلحظتها الراهنة، حيال خيار "الفيدرالية"، بحثٌ أعدّة فريق من الباحثين السوريين تحت عنوان "الجمهورية السورية الثالثة" منهم د.سمير التقي، مدير مركز الشرق للدراسات، وأحد المستشارين السابقين للمخابرات العامة السورية، والذي انشق عن النظام السوري بعيد اندلاع الثورة.
البحث المنشور في حزيران الماضي يتناول الحالة السورية الراهنة، ويُبيّن ضرورات "الفيدرالية" بعد الأذى المجتمعي الذي نال السلم والتعايش الأهلي بين السوريين بفعل الحرب والاقتتال الحاصل بين النظام والمعارضة.

ويوضّح معدّو البحث سبب المشكلة الراهنة في الحالة السورية، والذي يجعل خيار "الفيدرالية" ضرورة لاستمرار الكيان السياسي السوري، "يُثير ما نشهده بعد عقودٍ طويلةٍ من التشظّي والتذرّي وتدمير منظومات الولاء والقيم القديمة وانسداد أفق ولادة القوى والقيم المدينة الحديثة، تساؤلات مقلقة حول مستقبل عملية بناء الدولة. فالفردية والعشوائية الطائفية والمحلية والعصبية والتطرف الديني، كل هذه المعاني السلبية جسدت عودة البلاد لحالةٍ "هوبزيةٍ" من الفوضى المطلقة أشبه بما ساد في أوروبا ما بين القرنين الحادي عشر والرابع عشر".

ويضيفون أن المطلوب للحفاظ على وحدة البلاد، سلطة تكتسب شرعيتها بقدر ما تحقق من توافق وطني لمكونات الوحدة والإجماع الوطني، وبقدر ما تحقق على المدى المنظور من استجابةٍ لتطلعات المجتمع في التقدم والتنمية البشرية والاقتصادية المستدامة.
وباستعراض لأبرز ملامح الخراب الاقتصادي والمجتمعي والسياسي الراهن في الحالة السورية، يذهب معدّو البحث إلى نتيجة مفادها استحالة إعادة إنتاج نظام الدولة المركزية الشمولي.
لكن كيف يشرح معدّو هذا البحث مقومات خيار "الفيدرالية" في سوريا، وسُبل تأسيسه بما يتناسب مع الوقائع الميدانية الراهنة في سوريا؟

هذا ما سنفصّله في الحلقة الرابعة من سلسلتنا...

"اقتصاد" تفتح ملف "الفيدرالية" في سوريا...آراء معارضي خيار "الفيدرالية" (2) 

"الفيدرالية" إذا طُبقت في إطار دولة واحدة ومجتمع واحد كانت عامل تجزئة وتفكيك. "الفيدرالية" تناسب الدول المركبة لا الدول البسيطة... المزيد

ترك تعليق

التعليق