الضريبة المزدوجة واستغلال حاجة السوريين في "لبنان الشقيق"

لم تكن مشكلة العمالة السورية في لبنان وليدة اللحظة، ولا من إفرازات الأزمة الراهنة، بل هي قديمة كقدم القهر السوري وكقدم ذاك الظلم الواقع على السوريين منذ أن دخل النظام بقواته إلى لبنان وحتى بعد خروجه.
الجديد في هذا الملف اليوم: الاستغلال.. العنصرية ..والتشبيح التي تمارسه جهات عدة لا تخفى على أحد أهمها وزارة العمل التي تجمع معلومات وبيانات عن خلفيات العمال لصالح السفارة السورية وتحاول عرقلة عمل كثرين بحجة الأوراق الثبوتية.

شريط الاستغلال
أولى صور الاستغلال تبدأ بقصة الشاب "أحمد" إلى جمهورية لبنان قبل عشر سنوات، لم يتجاوز عمره حينذاك 15عاماً، ليعمل في ميناء بيروت بأجر لا يتعدى 20 دولارا في الأسبوع الواحد، بقي فيه سنتين دون أي عقد عمل أو ضمان صحي أو تأمين عائلي، ليطرد من العمل ويذهب في ظروف أكثر تعاسة وأكثر قهراً في واحد من معامل الحديد، يعمل بعدد ساعات يصل إلى 12ساعة يومياً بأجر 300 دولار شهرياً، والآن لا عمل بسبب طلب الجهة الموظفة أوراق إجازة عمل، فأحمد يسكن كباقي العمال السوريين في بيروت في غرفة يشاركه فيها سبعة (عمال) فقد اتصاله بأهله في منطقة حمص منذ أكثر من ستة أشهر.

حال أحمد ليس أفضل من حال "وائل" ابن دير الزور الذي يعمل كناطور في بناية يسكن وعائلته في منزل يشاركه فيه أخوه وعائلته أيضا، وتبرز الخلافات كل يوم ليبقى حبيس وضع اجتماعي شبه عقيم، ما يشكل انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان، حيث تغيب مجمل الحقوق المنصوص عليها في قوانين العمل الدولية التي تتبناه وزارة العمل اللبنانية، فلا إجازات عمل، ولا ضمان صحيا ولا مراعاة لظروف الحرب الدائرة في سوريا.

وترتفع اليوم أسعار البيوت في بيروت مع ارتفاع الطلب عليها، ناهيك عن التعامل "العنصري" مع السوريين بشكل خاص، والذي يبدأ من أجرة المنزل الذي يرتفع شهرا بعد آخر، وانتهاء باستغلال العمال بزيادة ساعات العمل مرورا بحالة الاحتقان التي تواجهها العمالة، فمؤخرا عزم أصحاب التاكسي والسيارات العمومية على تنظيم إضراب لعدم السماح للسوريين بالعمل على الخطوط العامة ومنافسة اللبناني وكذلك يفعل أصحاب ورش البناء، مع أن المهنة الأخيرة لم يغب السوريون عنها منذ عشرين عاما على الأقل.

"رائد" شاب يعمل في مطعم بالضاحية الجنوبية في بيروت، متزوج ولديه ولدان، يسكن مع عائلته في منزل مؤلف من غرفتين، تشاركه فيه عائلة أخرى، هكذا يعيش غالبية العمال السوريين في بيروت، حيث تضم الغرفة الواحدة عائلتين، وأحيانا أكثر، ما يعتبر أكبر انتهاك لحقوق الإنسان، لأنّ حالة ديمغوغرافية غاية السوء تعاني منها غالبية العائلات، ما دفع بسعاد من منطقة "دير حافر" بالسفر مرة أخرى إلى عمان وترك لبنان بحثا عن حياة أفضل مع أولادها الثلاث.

لا يعرف "رائد" أي معلومة عن أهله في إدلب، بسبب الأحداث الدائرة في منطقته سراقب، بالتالي يعاني من أزمة السكن وأزمة القلق النفسي من فقدانه التواصل مع أهله، يضاف إليهما مشكلة الأمان، الأمان معدوم في الضاحية على وقع الانفجار الحاصلة، وهو يترك عمله الآن بسبب إغلاق المطعم الذي تتعرض واجهته للانهيار.

*طائفية وفساد
عندما تدخل منطقة (بير حسن) تسجل مئات الحالات لمعاناة العمالة السورية التي تتعرض لأبشع استغلال، فليس هناك أبشع من ان تستغل شخصاً في زمن الحرب، وهذه البلاد ورثت تركة ضخمة من الفساد والطائفية والحقد على الآخر خلفه ضباط النظام السوري إبان حكمهم لبنان، وثمة شعب يدفع فاتورة الدم البريء الذي سال هنا، فهنا لبناني يملك مكتب عقارات يشتهر باستغلاله القذر في تأجير السوريين الذين تضيق بهم السبل.

توجد غرفة أمامنا "ملحق على سطح أحد الأبنية" يسكن فيها عمالة أثيوبية، مع انتهاء فصل الصيف عادوا إلى بلادهم فسكن في الغرفة أربعة سوريين يعملون في ورشة خياطة، فارتفع أجرة المنزل إلى 600 دولار، يسأل الشباب مالك الملحق فيكون الجواب: السوريون مجبرون على دفع أي مبلغ يطلب منهم، علما أن نفس الملحق أجرّ للأثيوبيين بـ400 دولار.

ينهض "قاسم" في السادسة صباحاً يستقل حافلة نقل يذهب للعمل في إحدى الورشات كأجير يتقاضى 300 دولار مع سكن مؤمّن في الورشة، قاسم خريج معهد صحي 22سنة، ترك أهله محاصرين في منطقة (الشيخ ياسين) في دير الزور، بعد البحث عن منزل استمر لأشهر، لكنه لم يوفق بسكن ملائم، لم يعرف شيئاً عن عائلته إلا من شهر واحد بعد إيصال عودة الاتصالات إلى المدينة، سافر خلال تواجده مرة إلى أفريقا وعاد دون أن يتواصل مع ذويه.

لا تزال بعض المناطق كـ"طرابلس والبقاع" تحافظ على تعاملها الإنساني مع العمالة، فلم تشهد أسعار البيوت فيها ارتفاعات هائلة، بقيت حاضناً شعبيا لسوريين كثر.

وهكذا يدفع السوريون الفاتورة في لبنان مرتين، الأولى على خلفية سلسلة الأفعال الإجرامية التي قام بها النظام في لبنان طيلة فترة وجوده، والفاتورة الثانية التي تدفع بسبب الاحتقان الطائفي والمناطقي تجاه شعب الثورة.

ترك تعليق

التعليق