من الخفاء إلى العلن ...هل أباحت القوانين سرقة الأعضاء البشرية في سوريا!
- بواسطة فارس الرفاعي – خاص - اقتصاد --
- 26 نيسان 2014 --
- 0 تعليقات
أصبح الحديث عما يسمى زراعة أو نقل الأعضاء في سوريا ترفاً لا لزوم له أو حديثاً بلا معنى بعد شيوع حالات موثقة لسرقة الأعضاء في المشافي العامة والعسكرية والخاصة على حد سواء، فمع بدء الثورة في سوريا تكررت ملاحظة الشقوق الطولية في جسد الشهيد، التي تمتد من الصدر إلى الصرة، مخاطة عشوائياً بخيوط غليظة، مع ثقوب أو فتحات عند الكِلى) -كما تقول الباحثة "نادية حسن عبد الله"- وفي هذا انتهاك لكل الأعراف الإنسانية والأخلاقية، ولكن هل يمكن القول إن قضية نقل الأعضاء هي الوجه "المشرعن"، لحالات السرقة التي تطالها في سوريا مع توالي القوانين التي تبيح نقل هذه الأعضاء أو زرعها.
أُثيرت قضية نقل الأعضاء أو زراعتها لأول مرة منذ أكثر من نصف قرن وذلك عندما شهد مشفى الدكتور جبة جيان بمدينة حلب في الخامس عشر من شهر كانون الأول 1947 أول عملية تطعيم قرنية في الوطن العربي، وقد أُجريت هذه العملية بالتخدير الموضعي لمريض فقد بصره قبل سنوات من ذلك بسبب كثافات قرنية شديدة، وعلى إثر ذلك أُنشئت الجمعية السورية للوقاية من العمى، وبفضل جهود هذه الجمعية تم التوصل إلى سن قانون نُشر في 10 أيار 1952 يسمح بموجبه استئصال عيون الموتى من أجل ترقيع القرنية وكان ذلك أول خطوة قانونية شرعية من نوعها في العالم العربي وقد صدر هذا القانون الذي وقعه رئيس الجمهورية أديب الشيشكلي بناءً على الأمر العسكري رقم /2/ المؤرخ في 3/12/1952 على ما يلي:
المادة الأولى: جواز تصنيع قرنيات الأحياء لمكافحة العمى فيها بأخذ عيون الموتى أو جزء منها إذا توفرت إحدى الحالات التالية: 1- إذا كان الموت نتيجة الإعدام. 2- حالة فتح الجثة. 3- عدم وجود من يطالب بجثة المتوفى. 4- سماح عائلة المتوفى بأخذ عينة أو جزء منها. 5- وصية المتوفى بإجراء ذلك.
المادة الثانية: في الحالات 3 و4 و5 المبينة في المادة السابقة لا يجوز نقل عين المتوفى إلا بعد قيام طبيبين على الأقل بجميع الإجراءات المعتادة للتأكد من صحة الوفاة وتنظيمهما ضبطاً يثبتان فيه قيامهما بهذه الإجراءات ويؤكدان حصول الوفاة مع ذكر الأسباب الداعية لهذا التأكيد.
وفي السنوات التي تلت إصدار هذا القانون لاقت عملية ترقيع القرنية نوعاً من الانطلاق في سوريا، وخطت خطوات هامة في الوقت الذي كانت هذه العملية تلاقي صعوبات جمة وغير قابلة للحل في بلاد أخرى من الشرق الأوسط ولكن هذه الخطوات ما لبثت أن تعثرت مرة أخرى بعد أن أُقيمت دعوى ضد الطبيب (روبير جبه جيان) الذي قام بأول عملية زرع قرنية على أساس أن نزع العين من الجثة "عمل غير شرعي بل إجرامي" وبذلك أصبح القانون السابق موضع بحث وتفسير وبعد أخذ ورد في محاكم التمييز والاستئناف انتهت الدعاوى لمصلحة الطبيب والمرضى الذين يحتاجون إلى إجراء مثل هذه العملية.
وفيما بعد تحايل النظام السوري على قضية نقل وغرس الأعضاء البشرية منذ بداية السبعينات بما ينسجم مع سياساته التي تتنافى مع أدنى حقوق الإنسان فأصدر قانوناً حمل الرقم /31/ بتاريخ 23/8/1972 ثم عُدّل بالقانون رقم /43/ تاريخ 20/12/1986 ويتيح هذا القانون في بعض فقراته بجواز نقل أي عضو ما أو أحشاء أو جزء منها كالعين والكلية وغرسه أو تصنيعه لمريض آخر يحتاج إليه لرؤساء الأقسام في المشافي والمؤسسات الطبية التي تحددها وزارة الصحة –وفي فقرة أخرى يتيح القانون لرؤساء الأقسام في المشافي والمؤسسات الطبية المحددة من وزارة الصحة حرية فتح جثة شخص ما جاز لهم ذلك إذا رأى الأطباء حق المنفعة العامة إذا لم يقع اعتراض صريح وخطي من الشخص قبل وفاته أو من أقربائه الذين لا تتجاوز قرابتهم الدرجة الثالثة.
تجارة الأعضاء
كان هذا القانون كما يقول المحامي خالد شاتيلا لـ "اقتصاد" في طليعة القوانين الحديثة في العالم، إلا أنه لم يُطبق بشكل دقيق وبمراقبة جادة، فشاعت في أحيان كثيرة حالات من الإتجار بالأعضاء سواء من المتبرع بالذات أو من الأطباء الذين ينفذون عملية النقل والغرس.
ويضيف شاتيلا: لقد سمعنا في الغرب عن حالات كثيرة مؤسفة قام بها بعض الأطباء الذين لا وازع أخلاقيا أو دينيا لديهم باستئصال أعضاء بعض الأشخاص دون إذنهم أو عمدوا إلى قتل بعض المرضى للاستفادة من أعضائهم وهذه جرائم لا يمكن وصف بشاعتها وسوء استعمال مهنة الطب فيها، وهذا ما حصل في الخفاء في الماضي ولا يزال يحصل بشكل علني اليوم في الكثير من المشافي العامة والخاصة ومن الغريب كما يقول المحامي شاتيلا أن هذا القانون في التشريع السوري لم ينص على عقوبات تُفرض بحق الذين يخالفون نصوصه أو يسيئون استعمال هذه النصوص.
صور الانتفاع بالأعضاء
وحول مسألة انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر حياً كان أو ميتاً يقول الباحث الدكتور محمد العبيدي:
يُقصد بالانتفاع استفادة دعت إليها ضرورة المستفيد لاستبقاء أصل الحياة أو المحافظة على وظيفة أساسية من وظائف الجسم كالبصر ونحوه على أن يكون المستفيد يتمتع بحياة محترمة شرعاً.
وتنقسم صور الانتفاع هذه كما يقول د. العبيدي إلى ثلاث صور:
الصورة الأولى وهي نقل العضو من حي وتشمل الحالات التالية:
أ-نقل العضو من مكان من الجسد إلى مكان آخر من الجسد نفسه كنقل الجلد والغضاريف والعظام والأوردة والدم ونحوها. ب-نقل عضو حي من جسم إنسان حي إلى جسم إنسان آخر وينقسم العضو في هذه الحالة إلى ما تتوقف عليه الحياة وما لا تتوقف عليه. أما ما تتوقف عليه الحياة فقد يكون فردياً وقد يكون غير فردي، فالأول كالقلب والكبد والثاني كالكلية والرئتين.
وأما ما لا تتوقف عليه الحياة فمنه ما يقوم بوظيفة أساسية في الجسم ومنه ما لا يقوم به ومنه ما يتجدد تلقائياً كالدم ومنه ما لا يتجدد ومنه ما له تأثير على الأنساب والمورثات والشخصية العامة كالخصية والمبيض وخلايا الجهاز العصبي، ومنه مالا تأثير له على شيء من ذلك.
والصورة الثانية كما يقول د. محمد العبيدي هي نقل العضو من ميت والموت هنا يشمل حالتين: أ- موت الدماغ بتعطيل جميع وظائفه تعطلاً نهائياً لا رجعة فيه طبياً. ب- توقف القلب والتنفس معاً توقفاً تاماً لا رجعة فيه طبياً.
والصورة الثالثة وهي النقل من الأجنة وتتم الاستفادة منها في ثلاث حالات:
1-حالة الأجنة التي تسقط تلقائياً . 2- حالة الأجنة التي تسقط لعامل طبي أو جنائي. 3- حالة اللقائح المستنبتة خارج الرحم.
وبحسب الفتاوى التي صدرت عن المجامع الفقهية ودوائر الإفتاء والهيئات العلمية في الوطن العربي يجوز نقل العضو من مكان من جسم الإنسان إلى مكان آخر من جسمه مع مراعاة التأكد من أن النفع المتوقع من هذه العملية أرجح من الضرر المترتب عليها، وبشرط أن يكون ذلك إيجاد عضو مفقود أو لإعادة شكله أو وظيفته، أو لإصلاح عيب أو إزالة دمامة تسبب للشخص أذى نفسياً أو عضوياً. كما يجوز نقل العضو من جسم إنسان إلى جسم إنسان آخر –بحسب العبيدي- إن كان هذا العضو يتجدد تلقائياً كالدم والجلد ويراعى في ذلك كون الباذل كامل الأهلية وتحقق الشروط الشرعية المعتبرة، ويجوز الاستفادة من جزء من العضو الذي استُؤصل من الجسم لعلة مرضية لشخص آخر كأخذ قرنية العين لإنسان ما عند استئصال العين لعلة مرضية. كما يُحرّم نقل عضو تتوقف عليه الحياة كالقلب من إنسان حي إلى إنسان آخر أو نقل عضو من إنسان حي يعطل زواله وظيفة أساسية في حياته، وإن لم تتوقف سلامة أصل الحياة عليها كنقل قرنيتي العينين كلتيهما. أما إن كان النقل يعطل جزءاً من وظيفة أساسية فهو محل بحث ونظر ويجوز نقل عضو من ميت إلى حي تتوقف حياته على ذلك العضو أو تتوقف سلامة وظيفة أساسية فيه.
التعليق