هل وجود السوريين بتركيا في خطر؟ (2-3)

ينقسم السوريون في تركيا، والمراقبون لوضعهم خارجها، إلى قسمين، الأول يعتقد أن وجود السوريين في تركيا بات في خطر حقيقي، وأن سيناريو انقلاب أوضاع السوريين في مصر يتمتع بقابلية عالية للتكرار في تركيا اليوم.

أما القسم الثاني فيعتقد أن هناك درجة عالية من التهويل لما يحدث من احتكاكات سلبية محدودة بين الأتراك والسوريين في تركيا، مع الإشارة إلى أن ما يحدث اليوم من خضات للوضع السوري هي حالة مؤقتة سرعان ما ستنتهي حال انتهاء الصراع الانتخابي الرئاسي خلال الشهر القادم، لتعود الأوضاع إلى سابق عهدها.

القائلين بالرأي الثاني، يرون أن أحزاب المعارضة التركية التي تستخدم اليوم الوجود السوري كورقة انتخابية هي المسؤول الرئيس عن التوتر الحاصل في الشارع التركي حيال السوريين حالياً، وأن هذا التوتر سينتهي حالما تنتهي المعركة الانتخابية، لأن أحزاب المعارضة التركية ذاتها لن تبالغ في اللعب بملف "وجود السوريين"، ذلك أنها مستفيدة نسبياً منه.

وكانت الحكومة التركية قد رفضت في خطابها الإعلامي اللعب على وتر "وجود السوريين" في المعركة الانتخابية الجارية، مدافعةً على لسان رئيس وزرائها وعدد من مسؤوليها عن موقف تركيا المُعتمد حيال دعم السوريين ومساعدتهم.

لكن على أرض الواقع، اتخذت سلطات هذه الحكومة، بالتعاون مع السلطات المحلية، سلسلة من الإجراءات التي أضرت نسبياً بالسوريين في بعض المناطق، وذلك توخياً لتخفيف التوتر حيالهم في الشارع التركي.

من ذلك ما أعلنته رئاسة بلدية غازي عينتاب، من أن السلطات التركية تعمل على إنشاء مخيم للسوريين يتسع لعشرين ألف شخص، وهو مجهز بكل المستلزمات المعيشية والطبية.

وبلغ تعداد السوريين المتواجدين في غازي عينتاب (جنوب تركيا) أكثر من 220 ألفاً. ناهيك عن وجود الحكومة السورية المؤقتة التابعة للمعارضة هناك.

وتميّز السلطات التركية في إجراءاتها المُعتمدة أخيراً حيال ملف "السوريين" في تركيا، بين المقتدرين منهم مادياً، وبين أولئك المعوزين، الذين يعتمدون على مساعدات الجمعيات الخيرية، أو الذين يعملون في ظل ظروف مهنية سيئة طلباً للكفاف. وتنظر السلطات التركية اليوم للفئة الأخيرة على أنها مصدر رئيس للتوتر حيال السوريين في الشارع التركي. فالمتسولون السوريون في اسطنبول، والطبقة الفقيرة التي تتعيّش على المساعدات والإغاثة ومنها التي تعمل بأجور تقل عن أجور نظرائها من الأتراك، باتت تسبب الضيق بين الأتراك حيال السوريين. لذلك تفكر السلطات التركية جدياً في نقلهم إلى المخيمات، وبصورة قسرية، لعدم قدرتهم على التأقلم مع حياة المدن التركية، وتأثيرهم السلبي على الوضع المعيشي للمواطنين الأتراك، عبر منافستهم لهم في فرص العمل، وقبولهم بأجور متدنية للغاية.

في هذا السياق، يحمّل البعض الحكومة السورية المؤقتة مسؤولية التقصير حيال هذا الملف، رغم أن بعض مسؤولي الأخيرة التقوا مع مسؤولين أتراك معنيين، وصدر عن الاجتماع مجموعة من التعليمات طُلب تعميمها على السوريين بغية الالتزام بها توخياً لتعايش أفضل مع سكان البلد من الأتراك.

ويشير الكثير من المراقبين بأصابع الاتهام لبعض الأقليات التركية المُتعاطفة مع نظام الأسد، من العلويين الأتراك والعرب، والذين ساهموا بصورة علنية في إثارة الكثير من حالات الشغب والتوتر ضد السوريين في جنوب تركيا.

لكن رغم ما سبق، ما يزال البعض يعتقد أن ما يحدث للسوريين في تركيا اليوم مجرد سحابة صيف عابرة، ذلك أن أحزاب المعارضة التركية ذاتها ليست في وارد الذهاب بعيداً في دعوات "طرد السوريين" لأسباب مصلحية بالدرجة الأولى.

في هذا السياق حدثنا زياد السباعي، وهو خبير غرافيك سوري يقيم في أضنة التركية منذ سنة ونصف، لكنه لم يكن يوماً بعيداً عن الشأن السياسي السوري، ناهيك عن علاقاته الجيدة بعدد من الناشطين في صفوف المعارضة التركية.

وبناء على أحاديثه العديدة معهم تشكلت لديه قناعة بأن أحزاب المعارضة التركية تراهن على ملف "وجود السوريين" كورقة انتخابية مؤقتة، وليس كملف دائم للصراع مع أردوغان.

ويوضح زياد السباعي في حديثه لـ "اقتصاد" أن هناك علاقات تجارية وعائلية وطيدة بين السوريين في الشمال السوري، ونظرائهم من الأتراك في المدن التركية الجنوبية، مثل غازي عينتاب والريحانية وأنطاكية ومرسين وإسكندرون. وكثير من السوريين لهم أقارب في هذه المدن.

حتى في أكثر المقاطعات التركية توتراً حيال السوريين، "هاتاي" – "لواء إسكندرون"، المختلطة طائفياً، والتي تحوي نسبة كبيرة من العلويين العرب الميالين لنظام الأسد، يعتقد زياد السباعي أن التوتر حيال السوريين سيبقى في حدوده الحالية، والتي ستنكمش لاحقاً، ولن يصل الأمر إلى الحدود التي يُهدد فيها الوجود السوري بتركيا.

ويوضح السباعي بأن السوريين سببوا انتعاشاً اقتصادياً غير مسبوق في ولاية "هاتاي"، فمدن هذه الولاية كانت سابقاً مدناً صغيرة وحركتها الاقتصادية والعقارية محدودة، ويشمل ذلك الأثر الإيجابي للسوريين مدناً تركية أخرى في جنوب البلاد، إذ كان "أحسن بيت" بغازي عينتاب يُؤجر شهرياً بمبلغ يتراوح بين 350 -400 ليرة تركية، لكن مع دخول السوريين، ومن ثم دخول ناشطين من منظمات دولية عديدة لإغاثة السوريين هناك، أخذت هذه المنظمات، بما فيها من ناشطين، إلى جانب أعداد السوريين الضخمة، يدفعون بالدولار، فارتفع إيجار "أسوأ بيت" في تلك المناطق إلى 1000 ليرة تركية، مما سبب فائدة كبيرة لملاك البيوت هناك، وأنعش دورة الاقتصاد في تلك المنطقة.

إلى جانب ذلك، تسبب نشاط المنظمات الدولية في تلك المناطق بالكثير من فرص العمل للأتراك، ناهيك عن النشاط الذي ازدهر لتجار ورؤوس أموال ضخمة دخلت تلك المنطقة وفتحت الكثير من المشاريع.

ويعتقد زياد السباعي بأن حراك بعض "الطائفيين والفاشيين" هناك لن يؤثر على الرأي العام التركي.

ويذهب زياد السباعي إلى أنه حتى لو فقد حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان كرسي الحكم، "فرضاً"، فإن الأحزاب التركية الكبرى الأخرى، والتي تتغطى بستائر قومية وعلمانية، في حين أنها في حقيقة الأمر، تحظى بدعم وتمويل من رجال أعمال أتراك، وتحظى بعلاقات مميزة مع الغرب، لن تتعامل مع ملف "وجود السوريين" على الأراضي التركية، بغير الطريقة التي تعامل بها أردوغان.

ويفصّل السباعي أكثر موضحاً بأن اهتمام الأحزاب التركية الكبرى، المعارضة لأردوغان، بعلاقات مميزة مع الغرب، يجبر تلك الأحزاب على الحفاظ على رعاية السوريين لديها، والذي يتم حالياً بالتنسيق مع الغرب. حتى دعم المعارضة المسلحة اليوم يتم بإشراف غربي، حسب قراءة السباعي، مما يعني أن السياسة التركية حيال السوريين لن تتغير كثيراً بتغير الحكومة، مع الإشارة إلى أن معظم المراقبين يتوقعون فوزاً ساحقاً لرئيس وزراء تركيا، رجب طيب أردوغان، في الانتخابات القادمة.

بناء على ما سبق، يعتقد السباعي أن ملف "وجود السوريين" في تركيا هو ورقة انتخابية مؤقتة، سرعان ما سينتهي التأجيج السياسي والإعلامي حيالها، بعد انتهاء الانتخابات. وأن أوضاع السوريين ستعود إلى سابق عهدها، وبالتالي لا خطر يتهدد جود السوريين في تركيا فعلاً.

يتبع في الحلقة الثالثة...

رابط ذو صلة:

هل وجود السوريين بتركيا في خطر؟ (1-3)

 

 

ترك تعليق

التعليق