نساء بمفردهن ... صراع اللاجئات السوريات من أجل البقاء

سلطت دراسة ميدانية للمفوضية العليا للاجئين الضوء على واقع اللاجئات السوريات اللواتي بدلت ظروف الحرب حياتهن من كافة النواحي، واعتمدت الدراسة التي أخذت عنوان (نساء بمفردهن: صراع اللاجئات السوريات من أجل البقاء) على مقابلات أجرتها المفوضية مع 135 امرأة في الأردن ولبنان ومصر لإلقاء نظرة إنسانية على تجربتهن. كيف يدفعن مصاريفهنّ؟ كيف يتكيّفن مع العزلة والقلق والعوامل التي تهدد سلامتهن؟ كيف يتصرف أطفالهن حيال الصدمات النفسية؟

ورأى معدو الدراسة التي زوّدت بإحصائيات دقيقة وشهادات حية أن النساء السوريات في ظل هذه الظروف اضطررن لاستلام زمام الأمور بعد أن فقدن الكثير من الرجال، ولاتخاذ جميع القرارات، وجني المال، وتأمين كامل الرعاية. وتدير اليوم أكثر من 145,000 لاجئة سورية البيوت بمفردهن، أي أكثر من الربع من بين العدد الإجمالي البالغ نصف مليون امرأة، وكانت هذه التجربة مدمرة لمعظم النساء بمختلف المعايير.

وألمحت الدراسة المذكورة إلى حالة التحدي الأولى التي تواجه أولئك النسوة عند الوصول إلى بلدان اللجوء المتمثلة في إيجاد منزل جديد يؤوي أطفالهن ويوفر لهم السلامة في بيئة جديدة وغير مألوفة. لكن الظروف غالباً ما تحوْل دون ذلك، فنقص المساكن، والموارد المحدودة يعني أنهن يواجهن انخفاضاً كبيراً في مستوى ظروف المعيشة. فحياة اللجوء صعبة للغاية، وهي مليئة بالمحن القاسية في المخيمات، والملاجئ الجماعية أو الشقق المكتظة المتداعية في البلدات والمدن.

وخلص مسح للملاجئ أجرته المفوضية في لبنان في شهر مارس/آذار 2014 إلى أنّ 40% من اللاجئين يعيشون في ملاجئ دون المستوى المطلوب، ويتقاسم ما نسبته 42% منهم المسكن. وفي هذا السياق يقول "فينسنت دوبين" كبير المسؤولين عن شؤون الملاجئ في المفوضية في لبنان: "في مثل هذه الظروف الحياتية القاسية، حيث تنخفض درجة الخصوصية والحماية من عوامل الطبيعة تتعرّض النساء وعائلاتهن لمخاطر صحية وجسدية، وتزيد طبعاً من عبئهم العاطفي تغطية التكاليف الأساسية".

  • قلة المال هي المشكلة!

تشير الدراسة إلى أن تكلفة حياة اللاجئين باهظة، وفي وقت المحن، يضطر كثيرون إلى تدبرّ أمورهم من دون حتى المواد الأساسية. وغالباً ما يضطرون للاختيار بين الأمور التي يجب شراؤها، أي بين الدواء والغذاء ومسحوق الغسيل. ويبقى تسديد الإيجار مصدر القلق الرئيسي، وهو من العوامل الأساسية التي تدفع بالنساء إلى تبديل أماكن السكن باستمرار بالإضافة إلى الغذاء الذي يشكّل أيضاً تحدياً آخر. ويضطر اللاجئون للعيش في بيئات مكتظة غير آمنة من دون المرافق الأساسية أو الحماية بسبب قلة المال. وقد عبرت النساء اللواتي يرأسن الأسر لمعدي الدراسة عن شعورهن بأنهن معرضات بشكل خاص للخطر، لا سيما عندما تفتقر منازلهن إلى الكهرباء، أو باب يمكن إقفاله، أو حمام خاص. وحاولت عدد من النساء المستجوبات أن يخفين عمن يحيط بهن حقيقة عيشهن من دون ذكر بالغ.

كانت غادة البالغة من العمر 24 عاماً، تعيش في تجمّع خيم خارج طرابلس، لبنان. زوجها مفقود في سوريا، وفي إحدى الليالي دخل رجل إلى خيمتها، وحاول إقناعها بأن تكون معه، وقال “آمل ألا يعود زوجك”. لكنها قاومته ثم غادر. بعد ذلك، انتقلت إلى خيمة أخرى بالقرب من طرابلس، تحت أحد الجسور. لكن المنطقة كانت تشهد اشتباكات، وذعر أطفالها من إطلاق النار. ساعدها مجلس اللاجئين الدانماركي الذي تموله المفوضية، على الانتقال إلى منزل أكثر أمنا وسدد بدل الإيجار لثلاثة أشهر.

 وزادت الضوائق المالية من مشقة الحياة إلى حد كبير بالنسبة للأطفال الذين يعيشون ضمن الأسر التي ترأسها النساء. ويمكن أن تؤدي قلة المال إلى قرارات أليمة، وأورد معدو الدراسة في هذا الخصوص قصة نور 42 عاماً التي أتت من حمص لتعيش في لبنان، واستطاعت تحمّل تكاليف إرسال واحد من ولديها الاثنين فقط إلى المدرسة. لديها صبي وفتاة، وقد اختارت ابنتها. تقول نور "الفتاة بحاجة إلى التعليم. لو تلقيت التعليم لكنت قادرة على إعالة أسرتي في هذا الوضع. أما الصبي فيمكنه إيجاد عمل في أماكن لا تستطيع الفتاة العمل فيها".

  • اللاجئات السوريات ومشكلة العمل والمال:

تشكّل الرعاية الصحية -بحسب الدراسة المذكورة- مصدر قلق كبير للاجئين السوريين. فالكثير من اللاجئات قُلنَ إنّهن غير قادرات على تحمّل تكاليف العلاج والدواء، أو حتى تكاليف النقل إلى المراكز الطبية. واتضح من بيانات التسجيل في المفوضية أنّ 16,000 شخص من الذين يعيشون في أسر لاجئة ترأسها نساء في الأردن ولبنان والعراق ومصر هم في وضع صحي خطير و 1,800 شخص هم من المعوقين كـ "سهى" - 33 عاماً- التي تعيش في مدينة السلط الأردنية وتعاني ابنتها التي تبلغ من العمر سبع سنوات شللاً دماغياً، وهي بحاجة إلى علاج فيزيائي مرتين في الأسبوع. تقول: "إنّ التحدي الأكبر الذي تواجهه هو المسافة التي تفصلها عن مركز العلاج وكلفة وسائل النقل. ومن دون أي دعم، ستتمكن بالكاد من تغطية كلفة الرحلة التي تستغرق ساعة ونصف إلى المستشفى في عمان".

وتتلقّى سهى بعض المساعدة من ملجأ يؤوي أرامل سوريات. تعيش هناك من دون دفع أي بدل وتتلقى إعانة شهرية تساعدها على تغطية تكاليف علاج ابنتها ووسائل النقل. ويكشف "فرانك تايلر" كبير منسقي الصحة العامة في المفوضية: "إن ارتفاع عدد اللاجئين إلى أكثر من مليون لاجئ، وترشح هذا العدد للازدياد يومياً، دفع المفوضية وشركاءها إلى اتخاذ عدة قرارات صعبة حول من يمكن مساعدته "وبما أنّ الموارد المتاحة محدودة، أعطى القطاع الصحي الأولوية للحالات الطارئة المهددة للحياة لدى المرضى أصحاب التوقع الجيد لسير المرض، للحرص على أن تكون التدخلات الصحية قادرة على الوصول إلى أكبر عدد ممكن من المرضى ومساعدتهم".

وتتناول الدراسة مشكلة العمل وجمع المال في حياة اللاجئات السوريات فمن بين النساء الـ135 اللواتي أجريت معهن مقابلات، هناك 4 من بين 5 تقريباً لا يعملن. تعمل خِمس النساء المستجوبات بدوام جزئي أو بشكل متقطع، معتمدات غالباً على مدى توافر الوظائف. فالعاملات المنزليات مثلاً يعملن متى أمكنهن إيجاد عمل ويعتمد عمل العمال الزراعيين بشكل كبير على المواسم. مع ذلك، وجد عدد قليل من النساء الوظائف وهن سعيدات بدورهن الجديد واضطرت النساء اللواتي لا يملكن وسيلة للدعم المالي للاعتماد على مدخراتهن، أو بيع مقتنياتهن لسد الاحتياجات. وتحدث كثير من النساء عن اضطرارهن لبيع مجوهراتهن.

ومن التحديات التي تعيشها اللاجئات انعدام الأمن في بعض الأحيان حيث يتعرض عدد كبير من النساء بشكل دوري إلى تحرشات لفظية منتظمة صادرة عن سائقي سيارات الأجرة والباصات، وملّاك العقارات، ومقدمي الخدمات، بالإضافة إلى الرجال في المتاجر والأسواق والمواصلات العامة وحتى في نقاط توزيع المساعدات. وعبّر 60% من النساء الـ 135 اللواتي تم إجراء مقابلة معهن عن شعورهن بعدم الأمان. وتكشف دراسة المفوضية العليا لشؤون اللاجئين عن تحرش من نوع آخر تتعرض له اللاجئات وفي هذا السياق تقول زينة التي تعيش في لبنان إن بعض المنظمات لا تقدم المساعدة للنساء إلا إذا وفرنّ لها “شيئا بالمقابل.” وتضيف: “في غياب الرجل، يكون الناس مثل الحيوانات.”

وعموماً يعاني اللاجئون من الوحدة القاتلة. وفي هذا الإطار صرحت امرأة واحدة من أصل ثلاث نساء من تلك اللواتي تم أجريت معهن مقابلات أنها لم تغادر المنزل على الإطلاق، أو نادراً ما قامت بذلك، أو أنها قامت بذلك عند الضرورة فقط وذلك بسبب انعدام الأمن والمسؤوليات الزائدة والافتقار إلى المال.

وتخلص الدراسة إلى القول إن اللاجئات السوريات اللواتي يرأسن عائلاتهن يجدن صعوبات هائلة في التكيف مع حياة اللجوء إلا أنهن يظهرن قدرة عالية على الاستجابة لهذا الوضع. وعلى الرغم من أنهن خائفات، ومفلسات، ومقهورات بسبب الخسارة إلا أنهن تمكنّ من التغلب على مشاكلهن بطريقة لم يتخيلن هن بأنفسهن أنهن قادرات على فعل ذلك.

ترك تعليق

التعليق