بشار وتجاره.. حلف فساد معلن أطاح بالصناعة السورية

اعتاد النظام منذ توريث "بشّار الأسد" الحُكم إطلاق أياديه السوداء دوماً بين شعبه، فيُغلِق عيونهم عن سرقاته، ويَصِمُّ آذانهم عن أي تغييرٍ، ويَسُدّ أفواههم عن الشكوى، بل ويتمادى إلى جيوبهم، فلا يزداد دَخْل الفرد عن الوَسَط، وإن ارتفع فمع ارتفاعٍ أكبرَ للأسعار، جاعِلاً هَمَّ المواطن السوريّ تحصيل قُوْتِه اليوميّ وضروريّاته، خاصّةً وأنّ الغَلاء لطالما ارتبط ببضائع الأسواق الخارجيّة المستورَدة، لضعف الصناعة الوطنيّة.

يقول الباحث الاقتصادي ( رِفْعَت عامر): "منذ استلام (بشار) للسُلْطة، غَلَب دور التُجّار على الصناعيّين، وأصبح إسهام التجارة في الناتج المحلّي الإجماليّ أكبر ممّا كانت عليه في السنوات الماضية من حُكْم (الأسد الأب)؛ وحسب رأيه فإنّ " كِبار تُجّار العاصمتَين الاقتصاديّتَين السوريّتَين (دمشق، حلب) منذ القرن الماضي سيطروا على السوق الوطنيّة، واعتمدوا في تجارتهم على المنتجاتِ المحلّية من محاصيلَ زراعيّةٍ وخاماتٍ صناعيّةٍ للتسويق في السوق الداخلية، أكثر من اعتمادهم على المنتجات المستوردَة من الخارج كما هو الحال في عهد (الأسد الابن)".

ويضيف: "بشّار الأسد" زاد دعمه لهؤلاء التُجّار من خلال سياساتٍ اقتصاديّةٍ وماليّةٍ ونقديّةٍ مقصودةٍ لصالحهم، وأحد هذه الأدوات هي تثبيت سعر صرف اللّيرة السوريّة، ففي سنوات حُكمه العشر الأخيرة أصدر قراراتٍ متتابعةً، شكّلت ضرراً كبيراً بالصناعة المحلّية والصناعيّين، لحساب دعم التجارة والتُجّار، فيما ربط الأسواق المحلّية بالمستورَدات الأجنبيّة باستخدامه سياسة "الانفتاح الاقتصاديّ غير المدروس"، فدخلت للأسواق المحلية المُنتَجاتٍ المستورَدةً من الصّين، وشكّلَتْ منافسةً قويّةً للمنتَجات الصناعيّة المحلّية، التي بِيْعَت في الأسواق السوريّة بأسعارٍ رخيصةٍ لا تنافسها الصناعات المحلّية، التي خضعت لتوجّهات وسياسات (الأسد الأب) الاقتصادية، عندما طبّق في الأربعين سنةً الماضية "سياسة إحلال الواردات"، التي حرمت الصناعات المحليّة من امتلاك مقوّماتٍ تنافسيّةٍ هامّةٍ".

ويتابع عامر: ثمّ حفّز النظام الاستثمار الماليّ والخَدَمي في قطّاعَي العقارات والسياحة على حساب الصناعة منذ تولّي (بشّار) الحكم.

عامر وصف السياسة الحكوميّة فيهما بـ"تشبيكٍ معقّدٍ بين سماسرة واقتصاديّي هذَين القطّاعين وبين أجهزة الأمن والإدارات المعنيّة كذلك، وبنفس السياسة القديمة.. المؤيّد داخل اللعبة والمعارض أو المُشَكِّك خارجاً"، لكنّ (بشّار) لم يرَ في مستقبل هذا الاستثمار ضربةً قاصمةً لظهره الاقتصاديّ، بعدما كانت البلاد شهيرةً بأمنها وأمانها وضيافتها، قبل آثارها وبيئتها وعُمرانها، وجنى النظام على نفسه عندما اتّبع سياسة (الأرض المحروقة) في قمع الثورة السوريّة، فكانت السياحة والعقارات هي المتضرّر الرئيسيّ بعد الإنسان.. وذلك بسبب خوفٍ عالميٍ انتاب معظم المعتادين على السياحة السوريّة من السفر لساحة حربٍ حقيقيّةٍ، وقلّة اليد العاملة الشابّة والخبيرة المساهمة في تنمية القطّاع إن خبا، علاوةً على أبعاد حركة النزوح الداخليّة للسوريّين أنفسهم، التي أدّت إلى ارتفاع أسعار العقارات، لتصبح سوريا من بين الدول الأعلى ثمناً لحجز مساحةٍ سكنيّةٍ فيها، علاوةً على غزو العائلات النازحة لمعظم الفنادق المتوسّطة والمتواضعة، للعيش فيها مؤقّتاً بعد عجزهم عن الإيجارات الباهظة أو عن إيجاد عقاراتٍ أصلاً !!.. ناهيك عن دمار البُنى التحتيّة عموماً.

تحريك أحجار الرّحى الاقتصاديّة لم يسحق إلّا مَنْ تحتها من هُواة التُجّار وصِغار الباعة وعموم الشّعب..

فهُواةُ التُجّار هم محدودو الطاقة الماليّة، لا رأس مال لهم إلّا محالّ ضيّقةٌ، تتحكّم بأرباح عمليّات البيع والشراء فيها أسهم العملة الصعبة صعوداً وهبوطاً، وذلك كلّما فرش "الحيتان" كمّيةً من هذه العُملة في السوق؛ أمّا صِغار الباعة فربّما لم يعودوا باعةً حقيقيّين بل مستهلكي دَيْن، فالبضائع قديمة الطراز أو الّتي شارفت صلاحيّتها على الانتهاء متكدّسةٌ، فيما كِبار التُجّار يمنعون التوزيع عنهم، إلى حين الأزمات التي تُحرّك الطلب مهما كانت الأسعار، فإمّا أن يُضطّر البائع للتصفية لتراكم الدَّين، أو تحويل المال بضاعةً رُغم مخافة كسادها من جديد بسبب المنافسة..

لا تقتصر هذه المعاناة على أسواق المأكل والملبس فقط، بل تمتدّ إلى الأسواق الخدميّة والإلكترونيّة، إذ يُعاني سوق (البحصة) بدمشق من ارتفاع أسعاره بنسبة 40 - 60%، حسب ما رواه صاحب متجرٍ لقطع التبديل الإلكترونيّة هناك، فقال: "السبب ليس أزمة الحرب وارتفاع الدولار فحسب، بل إنّ الاحتكار من قِبَل كبار التُجّار هو المصيبة !! عندما يقومون بتكديس كميّاتٍ كبيرةٍ من قطع الأجهزة؛ فينتظرون نفاذها من السوق لبيعها بأسعارٍ خياليّةٍ.. ربّما نحن نمتلك رؤوس أموالٍ متواضعةً نشغّلها بين بيعٍ وشراءٍ، لكنّ أصحاب الحِرْفة اليدوية في السوق لن يستطيعوا مجاراة هذا الغلاء، لأنّ رأس مالهم في عمل يدهم، ممّا يدفعهم إلى رفع تكلفة الصيانة والتركيب".

ويبقى عموم الشّعب الأكثر انسحاقاً تحت أنقاض هذه التراكميّة الاقتصاديّة الجَشِعَة، فإمّا أن يُضطرّ مُكرَهاً لدفع الأسعار الباهظة، أو يقطع عن فمه وأولاده أي كماليّاتٍ فوق القُوت الضروريّ، ومع ذلك يبقى المواطن قاصراً عن شراء بعض الأغذية حتّى، فحسب منظّمة الأمم المتّحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، أسعار الأغذية لوحدها في السوق المحلّية السوريّة، اقتربت من مستويات أسعار الغذاء العالميّة، التي بلغتها خلال أزمة عام 2008.

ترك تعليق

التعليق