شكل الدولة القادمة في سوريا

بقلم: عصام خوري*


علماء الاجتماع لا يستطيون تحديد هوية أي مجتمع إلا أن توغلوا في طبيعة وأهواء قاطنيه، من هنا كان مفهوم حق تقرير المصير مفهوما ركيزيا في ميثاق حقوق الإنسان، وعبره تحددت مطالب الكثير من الجماعات البشرية الراغبة في الانفصال عن أوطان فرضت عليها تحت ظروف سياسية أو إقليمية.

سوريا واحدة من تلك البلدان التي فرضت التسويات السياسية على أرضها جملة تقسيمات بدون وعي ناضج لميول قاطنيها، فكونت مزيجا طائفيا وعرقيا وقوميا شديد التنوع والتعقيد، ولم تفلح الحكومات الديكتاتورية المتوالية "خلال حكم آل الاسد" التي حكمت سوريا بعد عصر الانقلابات في بناء دولة مواطنة حقيقية تجمع عموم الشعب في سلة العدالة الدستورية والمساواة الاجتماعية، لا بل على العكس خلقت هذه الحكومات عصر ضابط الأمن الذي يقمع الشعب ويميز بينهم وفق العرق والطائفة وحتى في اللهجة المحكية.

طبعا سنين القمع هذه ولدت حالة نقمة اجتماعية وتكتلات باطنية ضمن الجماعات البشرية المتجاورة في سوريا، وعندما انهار دور الضابط العسكري والأمني، ظهرت كل العصبيات القومية والطائفية لتتسيد المشهد السوري.

الهوية الديموغرافية السورية وميولها السياسية وفق القومية:

قبل البدء بطرح أبعاد الدولة القادمة علينا أن ننظر للطبيعة الديموغرافية السورية، وأهوائها في حال حصلت في سوريا انتخابات حرة ونزيهة:

الأقليات التي ترغب بالعلمانية كخيار يحميها: (العلويين قرابة 11%-13%، مسيحيين 8%-11%، الدروز 2%، الاسماعيليين 1%) أي المجموع يتراوح بين 22%-27%

القوميات الراغبة بالعلمانية: (الأكراد بمجملهم مسيسين حتى المتدينين منهم 11%-15%، السريان والآشوريين والكلدان والارمن في حال اشركناهم عبر السفارات بالانتخابات فرقمهم كبير ويتجاوز 15% أما في حال اكتفينا بالمتواجدين في سوريا فهم جزء من نسبة المسيحيين سالفة الذكر، العرب السنة: ولا توجد إحصائية تؤكد رقم المؤمنين بالفكر العلماني منهم، ولكن حكما أن نسبتهم تزيد على نسبة 15%) أي أن نسبة هذه الفئة 26%-30%.

العشائر العربية: غالبية شبان هذه العشائر ستفضل بالمطلق مفهوم الشريعة الإسلامية، وإن كانت الطبيعة الاجتماعية لهذه المجتعات تبتعد عن السياسة والكثير منهم لا ينتخب، كما أن نسبة الانتخاب للإناث منخفضة، مما يعني قرابة نصف هذا المجتمع سيكون مغيبا عن الحالة الانتخابية بأفضل الحالات.

التركمان: ونسبتهم لا تتجاوز 1%-1.5% وهي حكما ستتأثر بالراعي التركي الذي يهمين عليه حاليا حزب العدالة والتنمية، فإنه حكما سيدعم مشروع الإخوان المسلمين، وسيكون اندفاعهم للانتخابات والتصويت كبيرا وعاليا.

السنّة: دائما الأكثريات لا تندفع للانتخابات لأنها متجاوزة عقدة الخوف الذي تعيشه الأقليات، ولكن ضمن التجربة السورية فإن الانتخابات الأولى ستكون بنسبة مشاركة عالية وعالية جدا وقد تتجاوز نسبة 70% من المؤهلين للانتخاب، وطبعا هذه النسبة ستتضاءل مع كل انتخاب، خاصة إن انهار الأسد وفريقه.

طبعا من عرضنا هذا نرى أن نسبة القادرين على التصويت والمندفعين له من الكتل الداعمة لعلمانية الدول السورية تتراوح بين 48%-57% من المجتمع السوري وهذه النسبة ستندفع بشكل كبير للانتخاب، خاصة إن كان الأمر متعقلقا باستفتاء حول "علمانية الدولة" أو "الدولة القائمة على الشريعة الإسلامية"، في حين النسبة الباقية المتراوحة بين 43%-52% هي نسبة بأغلب تكوينها فتية وقسم كبير منها غير مخول الانتخاب كعمر، وبكل الأحوال نسبة المنتخبين منها بأبعد تقدير لن تتجاوز 37% من مجمل الشعب السوري، بينما نسبة الطرف الداعم للعلمانية سيكون بأدنى نسبة مشاركة له سيقارب 40%.

وفق هذا العرض السريع أرى أن علمانية الدولة هي أمر ممكن جدا في الدولة السورية، وإذا قدر للدولة أن تفتح مجال التصويت للسوريين في المهجر عبر السفارات فإن نسبة الأصوات الداعمة للعلمانية ستتزايد لسبببين رئيسيين:

1- نسبة السوريين المسيحيين الكبيرة في المهجر.
2- ظاهرة مكافحة الإرهاب التي دفعت الكثير من المسلمين في دول المهجر وخاصة الأوروبية أن يبتعدوا عن واجهة الحدث، وأكبر تأكيد على هذا الأمر غياب المظاهرات الداعمة للثورة السورية من قبل سنة المهجر.
3- نسبة الكورد السوريين الكبيرة في المهجر وجميعهم منفعلون بهاجس المشاركة الانتخابية وخطهم العام داعم للدولة العلمانية.

شكل الدولة السورية القادمة

النزاع المسلح يلغي مفهوم الدولة ويحولها إلى دولة عسكر وأتباع العكسر، ولكن التاريخ البشري يفيد بأن هذه المرحلة ليست بدائمة، ودائما الحروب تنتهي، خاصة إن كانت الدولة التي تشهد هذا النزاع متاخمة لدول هامة، وفعليا غياب الاستقرار في سوريا، إن استمر فإنه حكما سيولد اضطرابات على عموم المنطقة، وهذا الأمر مرفوض بظل وجود دولتين محوريتين في المنطقة هما (اسرائيل: محمية أميركا الأولى في المنطقة، تركيا: جدار العازل لأوروبا أمام تهديدات إرهابية) من هنا يتوقع أن ينتهي الملف السوري تحت واحد من السيناريوهات التالية:

1-    دولة تحت الشريعة الإسلامية:

داعمو هذا المشروع من السوريين هم حركات الإسلام السياسي، ويدعمهم إقليميا دول ترغب بالإسلام السياسي كخيار شعبي من أجل تبرير وجودها، ومن أبرز هذه الدول هي (قطر، ايران، تركيا "عبر حزب العدالة والتنمية")

وفعليا تصور هذه الدول مشروع دولتي "داعش والنصرة الإرهابيين" على أنها مشاريع تهدد دول الجوار السوري، وتفرض عليهم التدخل العسكري بريا لتفعيل هذا القرار، وهنا نحن أمام مطلبين رئيسيين:

- نفوذ تركي في الشمال السوري: والحجة ضرورة تصفية الجماعات الإرهابية والمليشيات غير المنضبطة، لهدف خلق حالة استقرار يعود بعدها النازحون من تركيا نحو الشمال السوري الذي ستهيمن عليه تركيا اقتصاديا وإداريا عبر شريكها الإخوان المسلمين "فرع سوريا".

- هيمنة إيرانية مطلقة على العراق وجزء من سوريا: مسارعة فيلق القدس لدعم الجيش العراقي والبشمركة وحزب الله ضد تنظيم داعش والنصرة والمعارضة الإسلامية السورية. يبين الرغبة الإيرانية بضرورة حصر هذه التنظيمات في المواقع السنية العربية فقط وضمان عدم امتداده للحدود الفارسية ومناطق وجود الأقليات المقربة من الشيعة "العلويين، الدروز"، ووفق هذه الخطة تصبح المناطق السنية في العراق وسوريا مناطق فاشلة، وتسبب لقوات التحالف الدولي حالة فشل متكررة تضاف لسجلهم في أفغانستان والعراق، وبهذا الشكل يؤمن المجتمع الدولي بضرورة اعتماد إيران كقوة إقليمية رئيسية في المنطقة إلى جوار إسرائيل، على أن تتعهد إيران بعدم المساس بدولة إسرائيل شريطة أن تتناسى الأخيرة المشروع النووي الإيراني.

طبعا الجانب التركي والإيراني رغم ادعائهما الاختلاف بما يخص مصير ودور الأسد، إلا أنهما أكثر الدول استفادة جيو-استراتيجيا مما يحدث في سوريا، وفعليا "حركة الإخوان المسلمين العالمية"، هي حركة مدعومة من الدولة الإيرانية لأنها حركة دينية تبرر وجود المشروع الديني لولاية الفقيه، وهذه الحركة هي المنافس الأوفر حظا لتقليص الدور السعودي في منطقة الشرق الأوسط، لذا نرى علاقة إيران وقطر "الداعم المالي الأهم لحركة الإخوان المسلمين" علاقة مميزة، وسببت هذه العلاقة سلسلة من الإشكالات ضمن مجلس التعاون الخليجي، كما أن قطر وإيران دعمتا وصول الإخوان في مصر، بينما السعودية والإمارات فعلت العكس ودعمت الحكومة العسكرية بقيادة السيسي ليطيح بحركة الإخوان المسلمين "الجناح المصري".

طبعا إيران مستفيدة من النظام السوري أكثر من الإخوان المسلمين "فرع سوريا" لأن هذا النظام يسعى بكل ممارساته لزيادة العصبيات الدينية والتي تفرز مستقبلا قناعات للجماعات البشرية المختلفة بضرورة إقامة موطن سني سوري وموطن آخر للأقليات المدعومة من إيران. واللافت في هذا الأمر أن كلا من الأتراك والإخوان وإيران يرفضون هذا المشروع إعلاميا، ولكنهما يعملان قدما نحو تنفيذه ميدانيا. في مسعى منهما لتقسيم سوريا لثلاثة أقسام:
1- قسم محتكم بالشريعة الإسلامية في الشمال السوري.
2-    قسم محتكم بشريعة باطنية "علوية-شيعية"، وظاهريا يدعي الإسلام ويكون تمركزه الساحل السوري وحمص.
3-    قسم قومي كوردي عربي آشوري دائم الاضطراب، ويدعم اضطرابه كل من تركيا وإيران.

2- دولة طائف:

داعمو هذا المشروع من السوريين هو النظام السوري وبعض الأقليات، ويدعمهم إقليما في هذا المنحى (إسرائيل، السعودية).

فدولة طائف في سوريا ستعني تنامي الانقسامات السياسية وتفكك مركزية القرار الأمني والعسكري، كما يحدث في لبنان، وهذا الأمر سيولد خروقات أمنية ومحسوبيات عديدة تجعل سوريا دولة رخوة وبحاجة دائما لوصاية، مما يعني أنها دولة لا تشكل تهديدا مستقبليا لإسرائيل.

أيضا هذا الأمر يناسب الدولة السعودية القادرة ضمن مالها السياسي على شراء الكتلة النيابية الأكبر وخلق فريق سياسي منطوٍ تحت رغباتها وبشكل مطلق، وميزة هذا الفريق أنه ببقعة جغرافية استراتيجية مميزة "سوريا" ومعه حاضنة اجتماعية غالبة، مما يجعله فريق أفضل بكثير من تيار المستقبل النشط في لبنان.

3- دولة علمانية:
داعمو هذا المشروع كثيرون في سوريا ويتجاوزون نسبة 40% إن كانت الانتخابات حرة ونزيهة، ولكنهم لن يتجرؤوا على التصويت إلا إن ضمنوا أمانهم الذاتي، وهذا الأمر لن يتم إلا بضمانات دولية كما حدث في العراق بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003.

ووفق تصريحات اوباما هذا الأمر لن يتم في سوريا لأنه يرفض إغراق جنوده في الأرض السورية. ولكن من الممكن أن يتحقق في ظل دولة عسكرية موالية للأميركي وتكون خالية من الأسد كما حدث في التجربة المصرية.

طبعا دول هامة كفرنسا وبريطانيا تؤيد هكذا مشروع، ولكن بريطانيا قد تنظر بعين الدارس للواقع السوري ديموغرافيا وتتخوف من ردات فعل يبتدعها بعض الإسلاميين المتطرفين، فتسعى لأن تغير أسلوب طرح هذا الخيار عبر التعاون مع واشنطن في طرح مشروع دولة عسكرية مؤمنة بفرض الفكر المدني التعددي على المجتمع بشكل تدريجي كما يفعل حاليا الجنرال السيسي في مصر.

4-    دولة عسكرية:

ينقسم داعمو هذا المشروع لقسمين رئيسيين وهما:

-روسيا والصين: وهما يريدان دولة يسود فيها نظام الأسد ولا يهم إن كان الأسد بشخصه فيها أو لا، وتأتي رغبتهم هذه في مسعى لقطف ثمار ثمن الفيتو المزدوج الذي استخدماه أكثر من مرة في مجلس الأمن لصالح نظام الأسد. طبعا مع استمرار الضغوط على نظام الأسد، بدأ الروس بالبحث عن بدائل موالية لهم أو على الاقل ليست عدوة لهم، ويرى الروس أن نظاما عسكريا في الفترة الانتقالية الأولى هو أمر ضروري لتصفية الجماعات الجهادية الراديكالية المتطرفة، التي إن لم تقتل في سوريا والعراق، فإنها حكما ستسبب اضطرابات في المعسكر الأوراسي الذي يتزعمه حاليا الكرملين.

- التحالف الدولي: مع إخفاقات التحالف بتحقيق حالة كسح للتنظيمات الإرهابية في العراق وسوريا، ورغبة واشنطن بأن يدير هذه المعارك جنود ومواطنون محليون، مقللة بذلك من خسائر جنودها. بات التحالف مضطرا لدعم تنظيمات عسكرية يصفها بأنها معتدلة، وفعليا لا مانع بأن تتحالف جماعات المعارضة المعتدلة مع الجيش السوري النظامي لهدف تصفيه هذه الجماعات، وفعليا لا يمكن تحقيق هذا الاندماج بظل وجود شخص الرئيس الأسد وأخيه في أعلى الهرم العسكري والرئاسي لسوريا، لذا نرى عبارة "الأسد فقد شرعيته ولا يمكنه حكم سوريا بأي شكل" من بديهيات لغة الدبلوماسية الخارجية للبيت الأبيض، حتى وإن كان الأخير غير مستعجل على تصفيه الأسد.

طبعا في هذا الخيار نرى توجها دوليا لضرورة الحفاظ على الوطن السوري غير مجزأ، وأيضا نرى أفقا لأن يكون البديل الحاكم عسكريا تحت وصاية دولية، أي سيسمح الحاكم العسكري بنشاط للمجتمع المدني وحرية الصحافة ولكنه سيكون صارما في قمع مدارس الإسلام السياسي.

5-    مجموعة دول متنازعة:

غياب حلول سياسية ناجعة سيؤدي لاستمرار النزاع العسكري، وتحول هذا النزاع من طرفين إلى نزاع بين جماعات مختلفة لهدف تحقيق مكاسب آنية هنا وهناك "سرقة، تهريب، الهيمنة على منتج معين أو تجارة معينة"، طبعا هذا الحال سيفضي لتكوين مليشيات منظمة على شكل عصابات، وعملية القضاء على هذه العصابات هو أمر معقد جدا، وسيفرض أن تتكتل الجماعات البشرية المتجانسة فيما بينها لتحقيق مستوى أمان ذاتي خاص بكل منها، أي تكرار لتجربة "الإدارة الذاتية" التي تحصل برعاية حزب الاتحاد الديموقراطي في مناطق الجزيرة السورية. طبعا العمر الافتراضي لتحقيق هكذا مشروع قد يستغرق عقدا من الزمن وفعليا قد مضى منه 4 أعوام حتى الآن. وخلقت هذه السنوات نوعا من التكتلات في بعض المناطق بالإضافة لخلقها فئة مقهورة ضخمة نازحة، وهذه الفئة ستكون راضية بأية تسوية تعيدها لمنازلها دون عقاب خاصة بعد تجربة الشتات المريرة. ولكن لا يجب الظن بأن الأمور ستنتهي عند هذا الحد، بل إن كل تكتل سيكون مسؤولا عن حماية حدوده، ما يعني نوع من عسكرة المجتمع، وهذا سيعني مرابح ممتازة لتجار السلاح وللدول المصنعة للسلاح، فطالما النزاع الشيعي-السني مزدهر فإن خيرات البترول "الفارسي-العربي"، ستكون مستمرة في دعم خزينة الدول المصنعة للسلاح.

أيضا دولة إسرائيل قد ترى في هذا الخيار عامل إنهاك للسوريين، وقد تستثمره بخلق جدار عازل أو منطقة آمنة على حدودها الشمالية تحميها من الجهاديين، ولكن هذا الخيار لن يكون مثمرا للإسرائيليين، فهم يفضلون دولة سورية موحدة على حدودهم الشمالية شريطة أن تكون دولة غير عدائية للدولة الإسرائيلية.

6-    دولة ديموقراطية مدنية تعددية:

يدعي الائتلاف الوطني أنه حامل لهذا المشروع، ولكن الواقع يبين أن الائتلاف ضعيف أمام هيمنة الإخوان المسلمين عليه، وفعليا الإخوان المسلمين هم الجناح السياسي الإسلامي الوحيد المناور، والذي يفترض أنه سيحصل على موافقة الجماعة السنية العامة في سوريا، ولكونة غير مصنف على أنه تنظيم إرهابي، بل على العكس يمتاز هذا التنظيم بوجود فريق دعوي وسياسي ضمن أركانه وممكن التحاور معه، بالإضافة إلى أنه يمتلك شريكين إقليميين هامين هما تركيا وقطر. وفعليا سعى تنظيم الإخوان لخلق جسم سياسي حزبي خاص به واسماه "حزب وعد" في رغبة منه لتكرير تجربة وصول الرئيس مرسي للحكم في مصر.

إلا أن تطورات المشهد المصري وموازنات الملف الكوردي إقليميا تجعل فرص هذا الخيار ضعيفة، خاصة وأن تنظيم الإخوان المسلمين "فرع سوريا" يعاني خلافات ضمنية (الكتلة الحموية، الكتلة الحلبية)، كما أن جسم الائتلاف الوطني يبدي في كل يوم ضعفا متناميا والانتقادات الشعبية تجاه شخوصه تتنامى يوما بعد يوم.

7-    الدولة الإسلامية المتطرفة:

دعاة هذا المشروع من السوريين هم قلة وأغلبهم انساق بجهل نحو نظرية الولاء والبراء للشيخ أسامة بن لادن، ودعا بلحظة الضعف أن يأتي الغريب المسلم على أرضه ليدعمه ضد نظام الأسد، ولكنه تفاجأ أن هذا الغريب طرد السوري من بيته وسكن مكانه، طبعا الداعم الإقليمي الوحيد لهذا التوجه هو مدارس الفكر المتطرف الإسلامية التي تنامت بظل الأنظمة العسكرية الديكتاتورية، وهذا الفكر مع الزمن سيضمحل لأن العالم لا يمكنه التعامل مع هوية دولة متطرفة، وأكبر تأكيد على هذا الأمر نشوء تحالف دولي ضخم بعتاده الحربي للقضاء على تنظيمي داعش والنصرة "فرعي القاعدة الذين نشأ في العراق وسوريا".

8-    دولة مناطق آمنة:

دعاة هذا المشروع هم من النشطاء المدنيين الذين لم تتلوث أيديهم بالدماء، وكونهم لا يمتلكون أدوات ضغط مؤثرة على طرفي النزاع العسكري، فهم يلجؤون لحركات ضغط حقوقية دولية لإقناع الممثل الأممي بضرورة إيجاد ثغرات أمل تحقق نوعا من الأمان الاجتماعي لمناطق سكن المدنيين، وتسمح للنشطاء المدنيين في توفير خدمات للمواطنين مع الإقرار بأن النزاع العسكري هو أمر مستمر، ولكن ضرورة أن يكون هذا النزاع في مناطق بعيدة عن أحياء المدنيين، خاصة وأن كلا طرفي النزاع العسكري باتوا يمتلكون الأسلحة الثقيلة.

طبعا هذا الخيار ليس خيارا مقنعا للمستقبل، ولكنه بنظر بعض النشطاء أفضل الممكن لحين إيجاد فرص مستقبيلة تطرح تسويات سياسية تنقل البلاد من مرحلة نزاع مسلح إلى مرحلة دولة تحتاج الإعمار "كمبادراة الشيخ الدمشقي معاذ الخطيب" مع الوسيط الروسي.

طبعا كلا طرفي الصراع كما يبدو غير معنيين بهذه المبادرة التي تلاقي نوعا من القبول عند دي مستورا الذي سعى لإقناع الفرقاء فيها في مدينة حلب كخطوة مبدئية.

فالنظام اعتقل عددا من النشطاء الحقوقيين السلميين "عمر الشعار، جديع نوفل"، وبعض سياسي الداخل السلميين "لؤي حسين" في تكريس منه لتبيان عدم تخليه عن دوره الرقابي الأمني القميء في المجتمع السوري. والمعارضة العسكرية طلبت سلسلة شروط للمبعوث الدولي وهذه الشروط من الاستحالة أن يرضى بها نظام عسكري أمني كالنظام السوري.

أيضا التنظيمات المتطرفة لم تتطرق لهذه المبادرة بل على العكس كثفت هجماتها على رقع جغرافية جديدة في ريف حلب، ومن المؤكد أن هذه التنظيمات لن تتوانى عن إفشال أي مشروع يقدم عليه المبعوث الدولي، فهذا المبعوث بنظرهم عميل للغرب مثله مثل كل النشطاء السلميين، وللأسف النظام السوري يصنف النشطاء السوريين السلميين بنفس التصنيف، فالناشط المدني الحقوقي هو كافر بحق الحذاء العسكري السوري الذي بات اليوم شعارا تشجعه الدوائر الإعلامية المقربة من النظام بكل الوسائل الممكنة وتصنفه "كخيار ملزم". وتفرض عبره حملات تعبئة وتجنيد ونفير عام محولة كل الشباب السوري إلى مجندين في خدمة هذا الحذاء الذي دمر الحياة المدنية في سوريا.

طبعا مجمل السيناريوهات السابقة هي نتيجة النزاع العسكري في سوريا المدعوم ضمن صراعات إقليمية ودولية، والواضح أن المواطن والسياسي السوري هما الطرف الأضعف فيهما، وأحيانا يظهران على شكل المتابع أو المراقب، بينما تحول الحقوقي السوري لمهمة رصد القتلى والشهداء ضمن عمل وظيفي يخدم مراكز الدراسات العالمية التي ترسم بدورها الاستراتيجيات سالفة الذكر، وتصنع قيادات سوريا القادمة عبر انتهاج آليات تضمن تبعية تلك القيادات للدول التي صنعتها.


*عصام خوري
منسق مركز التنمية البيئية والاجتماعية

ترك تعليق

التعليق