هل يُغلق النظام رئة لبنان؟

ليست المرة الأولى التي يطرح فيها اتحاد غرف الصناعة السورية، برئاسة الصناعي "الحلبي" المُقرب من النظام، فارس الشهابي، رؤية معينة، ويتجاهلها النظام تماماً. لكن هذه المرة، لم يكن الشهابي أول من طرح فكرة معاملة لبنان بالمثل، رداً على فرض سلطاته تأشيرة دخول على السوريين، من قبيل، إيقاف الترانزيت اللبناني العابر للأراضي السورية.

تشكل سوريا رئة التجارة البرية الللبنانية مع الدول العربية، وتحديداً، على صعيد تصدير المنتجات الزراعية اللبنانية، التي تشكل أكثر من نصف الإنتاج الزراعي اللبناني.

وتذهب تقديرات، تعود للعام 2012، إلى أن لبنان يُصدر 1500 طن من إنتاجه الزراعي البالغ 2500 طن، بصورة يومية، عبر الأراضي السورية. وقد تبلغ خسائر المزارعين اللبنانيين، في حال توقف حركة الشاحنات اللبنانية عبر سوريا، أكثر من 1.5 مليون دولار أمريكي يومياً.

أمس السبت، وجه اتحاد غرف الصناعة السورية كتاباً لرئيس حكومة النظام، وائل الحلقي، يطالبه فيه بإيقاف الترانزيت اللبناني العابر للأراضي السورية، كردٍ على سوء معاملة الأجهزة الأمنية اللبنانية للسوريين على الحدود.

ووصف كتاب الاتحاد معاملة الأمن اللبناني للسوريين بـ "الإذلال المتعمد".

ذلك الإذلال لم ينحصر بفقراء السوريين، بل طال أثريائهم أيضاً، حسب كتاب الاتحاد، الذي تحدث عن شكاوى عديدة من صناعيين وتجار سوريين تحدثوا عن سوء معاملة الأجهزة الأمنية اللبنانية لهم في مختلف المراكز الحدودية اللبنانية، وخاصة في منطقة المصنع الحدودية.

ويُعتبر لبنان رئة صناعيي وتجار سوريا على صعيدي، السفر عبر مطار بيروت، والتحويلات المالية بعيداً عن التعقيدات التي تعيشها المصارف السورية الخاضعة لعقوبات عربية وغربية.

اللافت أن صحيفتي "السفير" و"الأخبار" اللبنانيتين، المقربتين من حزب الله، ألمحتا في اليومين السابقين إلى أن حكومة الأسد تدرس فكرة المعاملة بالمثل، والردّ على فرض تأشيرة على السوريين، عبر تعقيد حركة شاحنات التصدير اللبنانية التي تعبر من لبنان إلى سوريا، في طريقها للأردن، ومن ثم دول الخليج.

ويعتقد مراقبون أن السوريين المحسوبين على النظام، أو القاطنين في مناطق سيطرته، قد يكونون الطرف الأكثر تضرراً من الفريق الآخر، القاطن في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام. فسكان المناطق الخاضعة لسيطرة النظام يعتمدون على الساحة اللبنانية في تلقي حوالات مالية، أو السفر عبر مطار بيروت، أو لقاء أقارب لهم عاجزين عن دخول الأراضي السورية.

أما أولئك القاطنين في مناطق خارجة عن سيطرة النظام، باستثناء منطقة القلمون، يُعتبرون أقرب جغرافياً إلى تركيا والأردن، لذلك فحركة نزوحهم ستكون إلى هذين البلدين.

وفي حالة سكان القلمون، أو الجزء المحاذي للبنان من محافظة القنيطرة، فعادةً ما يعتمدون على المعابر غير الشرعية للعبور إلى لبنان في حالات النزوح القسري.

وقد أقرّ مراقبون لبنانيون، عبر تقارير في صحيفتي "السفير" و"الأخبار"، بصعوبة ضبط الحدود تماماً مع سوريا، الأمر الذي يعني أن غاية قرار فرض التأشيرة لن يتحقق على صعيد منع حالات نزوح جديدة للسوريين إلى لبنان، وسيتضرر منه فقط السوريون القاطنون في مناطق سيطرة النظام، والذين لهم مصالح في لبنان، والذين عادةً ما يدخلون لبنان عبر المعابر الرسمية.

سفير النظام في بيروت، علي عبد الكريم علي، في حديث مع صحيفة "الأخبار" اللبنانية، نُشر منذ بضعة أيام، لم يُلغي بصورة حاسمة، احتمال إغلاق الحدود السورية أمام الشاحنات اللبنانية.

الاحتمال المذكور، إن حصل، سيمثل كارثة لقطاع الزراعة اللبناني، لأن إيجاد بديل بحري لتصدير فائض الإنتاج الزراعي اللبناني، سيتطلب وقتاً، وكُلفةً أكبر، سيكون ضحيتها مزارعو لبنان.

بكل الأحوال، قد يكون أكثر ما يزعج النظام أن تتعرض الطبقة الثرية الموالية له، من تجار وصناعيين، لمشكلات على صعيد دخول لبنان، مما يعني أنه لو تم حل مشكلات هؤلاء، قد يصبح من المُستبعد أن يقوم نظام الأسد بأي تصعيدٍ حيال السلطات الرسمية اللبنانية، التي يشكل حزب الله شريكاً فاعلاً فيها.

لكن ذلك لا ينفي احتمال أن يقوم النظام بحركة من قبيل إغلاق الحدود أمام الشاحنات اللبنانية، بصورة مؤقتة، كأداة للضغط بغية دفع السلطات اللبنانية لتسهيل إجراءات دخول السوريين، خاصة الصناعيين والتجار منهم، للأراضي اللبنانية، واتخاذ إجراءات تحدّ من حالات الإساءة الموجهة للسوريين، على اختلاف طبقاتهم، من جانب قوات الأمن اللبناني في المعابر الحدودية.

وفي حال قام النظام بتلك الحركة، واستجابت السلطات اللبنانية لبعض طلباته، فإنه سيقدم الأمر كإنجاز أمام مناصريه، يدعي فيه الحفاظ على كرامة السوريين المهدورة على أبواب الجار الصغير، لبنان.

وكانت حكومة النظام أغلقت الحدود أمام الشاحنات اللبنانية في تموز من العام 2005 بعيد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، رفيق الحريري. وأدى ذلك حينها إلى أزمة كبيرة في قطاع الزراعة اللبنانية، قبل أن يتم تسوية الأمر إثر زيارة رئيس وزراء لبنان، في ذلك الوقت، فؤاد السنيورة، لدمشق، وترتيب اتفاق جمركي جديد بين البلدين.

ترك تعليق

التعليق