"لن يكون صالح مسلم أسداً آخر"

 يبدو أن الرهان سيكون كبيراً، في الأيام القادمة، على مدى حكمة زعيم حزب "الاتحاد الديمقراطي الكردي"، صالح مسلم، ومقدار تمتعه بحسّ المسؤولية حيال مستقبل العيش المشترك بين السوريين والعرب في شمال شرق سوريا.

الرجل أدلى بتصريحات، في جُلّها، يبدو أنها مُشجعة، وتُراعي بعدين، البعد الإقليمي المتمثل في مخاوف تركيا، والبعد الداخلي المتمثل بديمغرافيا المنطقة المعنية، تل أبيض، التي يشكل العرب والتركمان جُل سُكانها. حيث وعد صالح مسلم بالانسحاب من المدينة وتركها لأبنائها، ليتولوا إدارتها، حسب ما فُهم من تصريحاته.

لكن يبقى في عالم السياسة، بونٌ شاسع بين التصريحات والوقائع. بونٌ قد توسعه أجندات ومخططات، إن صحت، حسب تسريبات استخباراتية، فستكون المدماك الأول في صرحٍ سيتعالى بسرعة، ليؤسس لشقاق أليم، وعدم استقرار مديد، سيُلم بشركاء الأرض، من العرب والكرد، وباقي مكونات منطقة شمال شرق سوريا.

بكل الأحوال، وبعيداً عن لغة السياسة، فإن لغة الاقتصاد تحسم الكلام، وتجزم بأن حياة "غرب كردستان" المُتخيلة، لن تستقيم إلا باستقرار سياسي مبنيٍّ على توافق محلي مع الشركاء العرب في سوريا، وآخر إقليمي مع الجار التركي بالدرجة الأولى.

سوى ذلك، تشير المعطيات الاقتصادية واللوجستية المعروفة لكل خبير بخبايا جغرافيا "غرب كردستان" المُتخيلة، إلى أن الحُلم الرائج في بعض الأدبيات الكردية، وُلد ميتاً، لا لاعتبارات السياسة، بل لاعتبارات الاقتصاد بالدرحة الأولى.

وبهذا الصدد، كان لـ"اقتصاد" مُساهمة عبر سلسلة من التقارير البحثية، أُعدت في خريف 2013، خلصت بالاعتماد على مصادر، بعضها كُردي، إلى أن العمقين العربي –السوري، والتركي، هما الأكثر أماناً واستمرارية لأي نشاط تجاري لـ"غرب كردستان"، الأمر الذي يعني أن أي مساعٍ لتحقيق تنمية اقتصادية حقيقية ستكون عبثية ما لم تُغلّف باستقرار وتوافق مع العرب بسوريا، ومع تركيا.

وبالعودة إلى حديث صالح مسلم، فإن طابقت تصريحات الرجل، أفعاله، من حيث مراعاة مخاوف تركيا، والشركاء العرب في تلك المنطقة، يمكن أن يشق السوريون، عرباً وكرداً وسواهم، طريقاً معبداً نحو غدٍ أفضل للجميع. أما إن خالفت التصريحات الأفعال، فسيكون السبيل داميا، للأكراد، وللعرب أيضاً.

فلا الجار الإقليمي، تركيا، سيترك أمنه القومي مهدداً، ولا الشريك العربي في الوطن، سيقبل تغيير الديمغرافيا بالقوة، من جانب الكرد في الشرق، كما لم يقبل بتغييرها من جانب العلويين في الغرب، وكانت الحصيلة دامية للغاية على الجميع، وما تزال.

في نهاية المطاف، أمام صالح مسلم ونخبته طريقان، إما أن يكون "بشار أسد" آخر، يجر وراءه حاضنته العِرقية إلى محرقة دامية بغية تحقيق أحلام تفوق حجمهم الديمغرافي. أو أن يكون زعيماً سورياً له أفقه المستقبلي، عبر التأسيس لعقد اجتماعي جديد يراعي مصالح كل السوريين، وبالتوافق بينهم.

في "اقتصاد"، لا يسعنا إلا أن نقول، "نسأل الله أن يُجنبنا أسداً آخر في شمال شرق سوريا"، وأن نضيف "نسأل الله أن يكون صالح مسلم ونخبته عنواناً لشراكة عربية –كردية تؤسس لغدٍ سوريّ أفضل، وتكون أساساً لعقدٍ يجمع كل السوريين على اختلاف ألوان طيفهم".

وفي الختام، نقول من باب التفاؤل: "لن يكون صالح مسلم أسداً آخر".

ترك تعليق

التعليق