بالصور.. كيف يدفع النظام لتقسيم سوريا؟


كانت "سانا"، وكالة الأنباء التابعة للنظام، حريصة بشكل استثنائي، هذا الشهر، على بث صور، ونشر تقارير، عن الاحتفالات بعيد الميلاد المجيد، وعن إضاءة الأشجار والزينة المرافقة لهذه الاحتفالات، بالتزامن مع تصعيد القصف والاستهداف لبلدات وقرى في جنوب وشرقي إدلب، حيث ترد من هناك صور مؤلمة للنزوح والخسائر البشرية، وهدم المنازل، وانتشال العالقين تحت الركام، ولأطفالٍ يتخذون وضعية الاستعداد للحظة القصف.

تعميق الشرخ بين السوريين، عبر بث ما يوحي بـ "لامبالاة" سكان دمشق، بما يحدث لسكان إدلب، يبدو جلياً في تكثيف بروباغندا إعلامية تشير إلى البهجة والاحتفالات في العاصمة. لكن الواقع، وفق مصادر تحدث إليها "اقتصاد"، من الأحياء والبلدات المتاخمة للعاصمة، وتلك القابعة في ريفها المهدم في معظمه، تشي بتفاصيل أخرى، لا يتحدث عنها إعلام النظام، الرسمي. فالتمييز بين السوريين، لا يقتصر على ثنائية "دمشق – إدلب"، بل يمتد ليشكل ثنائيات من قبيل "دمشق – ريف دمشق"، و"دمشق الغنية – ودمشق الفقيرة". الثنائية الأخيرة تعيشها مدينة حلب أيضاً.

لكن حتى في "دمشق الغنية"، يبدو أن سوريين يعانون صعوبات كبيرة في تحصيل أساسيات الحياة، من قبيل الغاز والكهرباء، في فصل السقيع الذي يزداد برودة مع الأيام.

وحتى شجرة عيد الميلاد الضخمة، التي طبّل لها الإعلام الموالي كثيراً، والتي أضيئت في ساحة العباسين بالعاصمة، قبل أيام، قُطعت عنها الكهرباء، وفق صور تناقلها نشطاء. لكن تلك الصور تغيب تماماً عن الإعلام الرسمي، الزاخر بصور الاحتفالات، والأطفال الذين يمرحون فرحين حول الأضواء والزينة الخاصة بعيد الميلاد.

في إدلب، شمال غربي سوريا، يعيش الأطفال "ميلاداً مختلفاً"، وكأنهم ليسوا أبناء نفس البلد، حيث ينزحون، أو يضطرون لتعلم كيفية التعامل مع لحظات القصف الجهنمية لطائرات الروس والأسد.

في هذه الأثناء نفسها، فإن نشطاء موالين، إلى جانب شريحة من النشطاء المعارضين، القابعين في بلدان اغترابهم، التي عززت انفصالهم عن الواقع بالداخل، يستنكرون تلك الدعوات المتزايدة للانفصال عن الليرة السورية، في "الشمال المحرر". ذلك الشمال ذاته، الذي انفصل سكانه وجدانياً، عن أقرانهم في مناطق سيطرة النظام، ليس بسبب اختلاف الوقائع في حيواتهم، بقدر ما هو نتيجة بروباغندا النظام الإعلامية، التي أرسلت لهم، على مدار السنوات الماضية، مئات الرسائل التي تقول لهم فيها: "إنهم لا يشعرون بكم أبداً؟".

وإن كنا ننوه إلى أن فحوى تلك الرسائل، ليس حقيقياً، وفق منطق التعميم، مع التذكير بأن سكان المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، شرائح وأصناف مختلفة، يميّز النظام بينها، في تعامله.. إلا أنه في الوقت نفسه، فإن النتيجة المتحصلة من رسالة إعلام النظام، هي فصل السوريين عن بعضهم، في الوقت الذي يحذّر فيه نشطاء من تقسيم سوريا جغرافياً، دون أن يعيروا انتباهاً، لتقسيم السوريين نفسياً، الذي أنجزه النظام، منذ أمدٍ، وبنجاحٍ.

وعلى الأرجح، لن تُقسّم سوريا جغرافياً، إذ لا توجد إرادة إقليمية أو دولية جليّة، بهذا الاتجاه، لكن التقسيم النفسي لسوريا، حصل للأسف. ونستطيع أن نقول، بكل أريحية، إن هناك "عدة سوريات" في هذا الحيز الذي كان في وقت من الأوقات، اسمه "سوريا". ويبقى التساؤل، هل يمكن إعادة ترميم هذا الشرخ، الذي يكاد أن يتقيّح، أم أن الأوان قد فات؟


(مجموعة من الصور التي تظهر إصرار النظام على الترويج للاحتفالات بدمشق)







(مجموعة ثانية من الصور تظهر حجم المأساة في إدلب)





ترك تعليق

التعليق