قصّة القرار الذي قد يؤدي إلى اختفاء طبقة من التجار السوريين


فيما تعاني الليرة السورية من حالة أشبه ما تكون بـ "السقوط الحرّ"، تبدو الفرصة ملائمة لتبرير أي قرار يخدم، في ظاهره، لجم هذا التدهور للعملة المحلية، فيما يكون في باطنه، توزيعاً للمنافع والمكاسب في "دولة الأسد"، على الحيتان الكبار المتنفذين.

هكذا يمكن توصيف القرار الأخير الصادر عن وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية في حكومة النظام، والذي أخضع كافة إجازات الاستيراد، لما أسماه بـ "إيداع وحجز مؤونة بالليرات السورية"، بنسبة تصل إلى 40% من قيمة المواد التي يعتزم التاجر استيرادها.

 ويبدو أن مصطلح "مؤونة" من الليرات، سيدخل قاموس الاقتصاد المحلي السوري، كأداة تبرير قانونية، تتيح حجب فرصة الاستيراد عن التجار من ذوي الحجوم الصغيرة والمتوسطة، لصالح التجار الكبار.

فالتاجر بعد هذا القرار، بات مطالباً بأن يوفر 140% من رأسمال البضاعة التي يريد استيرادها، كي يودع 40% من قيمتها، كمقدمة للحصول على إجازة استيراد. وتبرير مسؤولي النظام هنا، له وجهان، الأول أن هذه المبالغ يتم إعادتها للتاجر، بعد إنهاء عملية الاستيراد، التي عادةً ما تستغرق أشهراً، والثاني، أنه يعزز الطلب على الليرة السورية. فالتاجر ملزم بتوفير ليرات سورية تعادل 40% من حجم رأس المال الذي سيستخدمه لاستيراد البضاعة التي يريد.

لكن، ما بين سطور هذا القرار يتضح أنه مُفصّل على قياس حيتان التجار، الذين يملكون ملاءة مالية كبيرة، تمكنهم من تحمّل متطلبات هذا القرار، مقارنة بتجار من الحجم الصغير أو المتوسط. والفئة الأخيرة تشكل الأغلبية، وتنشط في حقل الاستيراد باستخدام علاقاتها الراسخة مع موردين في أسواق مختلفة حول العالم، يتعاملون معهم، في معظم الأحيان، بالدين.

تلك الحقيقة لم يتحمل التجار إخفائها، حتى أن صحيفة "الوطن" المقرّبة من النظام، أقرّت بها، عبر نشر تصريحات لتاجر، لم تُسمه، هو عضو في غرفة تجارة دمشق، قال لها إن هذا القرار يخدم كبار التجار، وله آثار سلبية. وألمح التاجر إلى أن القرار سيؤدي إلى انخفاض كميات السلع المستوردة، وبالتالي سيقلل من عرض المواد وانسيابها في الأسواق.

ويبدو أن التاجر، الذي تحدث لصحيفة "أسدية"، لم يجرؤ على الإفصاح أكثر عن نتائج هذا القرار، حيث سينخفض منسوب المنافسة بين التجار، وتزداد مستويات الاحتكار، لصالح "حيتان" قد يكونون أقل من عدد أصابع اليدين، يستولون على كامل السوق لصالحهم. وهؤلاء، كما بات معلوماً، واجهة لمسؤولي النظام الكبار، ومدراء تنفيذيون لنشاطاتهم الاستثمارية الخفية، وفي مقدمتهم، رأس النظام، ذاته.

تلك الحقيقة لم يُخفها وزير الاقتصاد بحكومة النظام، سامر الخليل، الذي أقرّ أن من أهداف هذا القرار، ضمان أن يكون لدى المستورد ملاءة مالية. لكنه لم يقل أن ذلك قد يعني إطاحة عدد كبير من التجار من ذوي الحجم المتوسط والصغير من السوق السورية.

وهكذا يواصل رأس النظام، بشار الأسد، والدائرة الرئيسية في أعلى الهرم، مساعيهم الحثيثة للبحث عن مصادر لتمويل أرصدتهم التي يبدو أنها نقصت كثيراً في السنوات القليلة الفائتة، وذلك بعد أن اضطروا للتخلي عن الموارد الحيوية الرئيسية للبلاد، مقابل خدمات الروس والإيرانيين، وربما الأمريكيين أيضاً، للبقاء على كراسي الحكم. وبعد خسارتهم تلك الموارد من نفط وغاز وفوسفات وموانئ وسواه.. لم يبق لدى رموز النظام إلا جيوب السوريين الخاضعين لسلطانهم، كي يُفرغوا ما فيها، في أرصدتهم، تحت عناوين عديدة، نظيفة وقانونية، أحدها هو "التجارة والاستيراد".

وإن نجحت هذه المساعي فإن وجود طبقة التجار من ذوي الحجوم الصغيرة والمتوسطة قد يكون مهدداً بصورة كبيرة في الفترة القادمة. وهو أمر سينعكس بصورة سيئة للغاية على المستهلك السوري، في نهاية المطاف، لأنه سيصبح تحت رحمة حيتانٍ، يأكلون السوق بأكمله، مؤيدين بالقانون وبالسلطة الحاكمة، التي تقف وراءهم.

ترك تعليق

التعليق