"اقتصاد" يشرح كيف أثّر "كورونا" في الليرة السورية؟


وردت إلى "اقتصاد"، في الأيام القليلة الفائتة، الكثير من التساؤلات، حول أسباب تدهور الليرة المتسارع، مع تزايد المخاوف من تفشي وباء "كورونا" في الداخل السوري.

 ووردت هذه التساؤلات إما على شكل تعليقات، تسألنا: "لماذا تتدهور الليرة ما دام لا يوجد عمل، وما دام أثر كورونا على الاقتصاد، عالمي؟". وورد تعليق آخر قال فيه أحدهم: "ما دام لا يوجد بيع وشراء، وحركة السوق راكدة، لماذا تتراجع الليرة؟". وآخرون، سألونا بشكل مباشر: "اشرحولنا، كيف يؤثر كورونا على الليرة؟". فيما ذهب آخرون إلى اتهامنا مباشرةً بـ "التلاعب في الأرزاق"، لأننا أشرنا أكثر من مرة، في زاوية "أسواق وعملات" الخاصة بنا، إلى التدهور اليومي لليرة، منذ يوم الأحد الفائت، حينما بدأ أثر تفشي "كورونا" يتوضح على سوق العملة.

كذلك، وردتنا تساؤلات، من قبيل: لماذا كان ارتفاع الدولار في مناطق سيطرة النظام، أعلى منه في المناطق المحررة في شمال غرب البلاد؟

وسنحاول الإجابة على هذه التساؤلات، فيما سيأتي، لكننا نبدأ بالتوضيح، أننا نحاول نقل تطورات سعر الصرف في السوق الموازي، بأكبر قدر ممكن من الأمانة والدقة، ونسجل أدنى وسطي سعر ممكن، مما يردنا من أسعار مختلفة للعملات، من مصادرنا المتعددة في دمشق ودرعا وحمص وحماة وإدلب وريف حلب الشمالي والمنطقة الشرقية. ونتجنب قدر المستطاع، الدفع باتجاه حالة هلع في السوق، إن لم يكن هناك مبررات لذلك. لكن، إن كان السوق يفرض تلك المبررات، حينها، لا يكون لدينا خيار إلا نقل ما يصلنا من مصادرنا، بعد أكبر قدر ممكن من تحرّي الدقة، ومقاطعة المعلومات من أكثر من مصدر.

وللإجابة على التساؤلات أعلاه، نوضح بدايةً، أن الدول تُغطي إصداراتها من العملات، الصادرة عن بنوكها المركزية، بثلاث ركائز رئيسية: احتياطي الذهب والعملات الأجنبية وسندات الديون الموجودة في خزائن المركزي، وأصول الثروات المحلية من احتياطيات طبيعية كنفط وغاز وسواه، وأخيراً، هيبة الدولة خارجياً، والثقة بها داخلياً.

في الحالة السورية الراهنة، الركائز الثلاث آنفة الذكر، مُعتلة. فاحتياطي الذهب والعملات الأجنبية، تدور شكوك حول ما بقي منه في خزائن المصرف المركزي، وسط عدم شفافية سلطات النظام، مما يضعف الثقة بتلك الاحتياطيات في تغطية العملة. ونشير هنا إلى نقطة هامة، بأن التغطية تلك، تغطية "نفسية"، وليست حقيقية. إذ أن الزمن الذي كانت فيه البنوك المركزية تعطيك فيه بدل عملتها، ذهباً، ولّى. فاليوم، لا تستطيع أن تحصل على ذهبٍ من المركزي السوري، لقاء قدرٍ من الليرات السورية. هذه القاعدة في تغطية العملة، نظريّة. من الناحية العملية، الأمر يرتبط بمقدار الثقة بما تملكه "الدولة" من احتياطيات نقدية وذهبية. و"الثقة" هنا، عامل نفسي. ويستطيع أي سوريّ مهما كان موقفه السياسي، أو انتماؤه، أن يتساءل أمام نفسه، ما مقدار ثقته بنظام الأسد، في قضايا بهذا الحجم من الحساسية، ويلفها هذا القدر من الغموض، من قبيل، كم بقي من ذهب وعملة أجنبية، لدى المركزي بعد 9 سنوات من الصراع في البلاد.

أما بالنسبة للركيزة الثانية لتغطية العملة، وهي الأصول من ثروات البلاد، فجميعنا يعلم أن معظم ثرواتنا من الغاز والنفط، إما في قبضة الأمريكيين في شرق الفرات، أو في قبضة الروس والإيرانيين، وبموجب عقود رسمية، في مناطق سيطرة النظام. أما ما بقي، فلا يغطي الحاجة المحلية، الأمر الذي يُكلّف خزينة الدولة عبئاً ثقيلاً لتغطيته، سنوياً، وذلك بإقرار من النظام ذاته.

وبخصوص الركيزة الثالثة، لتغطية العملة، والمتعلقة بهيبة الدولة خارجياً، والثقة بها داخلياً، فهي أمر لا يتطلب الكثير من الحديث عنه.

حينما نضع ما سبق من ركائز مُعتلة لتغطية العملة السورية، في سلّة واحدة، وننظر لها، نستطيع أن نفهم ببساطة، لماذا تبدو الليرة، وكأنها قشة، تهزها نسمة ريح. فإذا اهتز القطاع المصرفي اللبناني، تنهار.. وإن انتشر الـ "كورونا"، ترتفع حرارتها.. وإن اضطر النظام لفتح باب استيراد الوقود أمام القطاع الخاص، فازداد الطلب على الدولار في السوق المحلية، تهاوت الليرة.. إلخ. الجواب ببساطة، أن ركائز تغطية الليرة، ضعيفة للغاية، مما يجعل سعر صرفها عُرضة لعدم الاستقرار، والتهاوي، كلما طرأ تطور جديد، حتى لو لم يكن له أية تداعيات اقتصادية جليّة للعيان.

أما بالنسبة للأزمة الراهنة، المرتبطة بالمخاوف المتزايدة من تفشي فيروس "كورونا"، فإننا نستطيع أن نقول أن سعر الليرة، هو المقياس الأفضل لتفاعل الناس مع هذه الأزمة. فالسوق لا تكذب، والأسعار لا تحتمل المزايدة أو التزلف. فحينما يرتفع الدولار حوالي 95 ليرة، في 5 أيام فقط، في دمشق، فهذا يعني أن سكان العاصمة لا يصدقون النظام في مقولة "لا كورونا في البلاد". وحينما نجد أن الدولار ارتفع بوسطي 55 ليرة، في شمال غرب البلاد، "المحرر"، فهذا يعني أن سكان تلك المناطق يشعرون بأنهم مطلعون بشكل أفضل على التحديات التي تهدد مصيرهم، ويجدون أنهم قادرون على التفاعل معها بشكل أفضل، مقارنة بما يشعر به سكان دمشق، أو باقي المناطق الخاضعة لسيطرة النظام. ونقصد بـ "القدرة على التفاعل"، هامش حرية أكبر، للتعبير بالقول أو بالفعل عن الرأي. وهو هامش تظهر إيجابياته بشكل كبير في حالات الأزمات، إذ يتحمل حينها المجتمع جانباً أكبر من المسؤولية، مقارنة بالمجتمعات الخاضعة لأنظمة شمولية، والتي تجد مصيرها معلقاً بين يدي نظام لا تثق به، ولا تستطيع في الوقت نفسه، أن تضغط عليه كي يعدّل من سياساته حتى في أحلك الأزمات.

إضافةً إلى ما سبق، فإنه في أوقات الأزمات، وضبابية المستقبل خلالها، تزداد حركة اللجوء نحو الملاذات الآمنة، والتي هي في الحالة السورية، الذهب، والعملات الأجنبية، مما يضعف العملة المحلية، بطبيعة الحال.

ما سبق، كانت محاولة لشرح لماذا تبدو الليرة، هشة، إلى هذه الدرجة. أما من المسؤول عن ذلك، فنتركه لتقييم من يقرأ كلماتنا هذه.

ترك تعليق

التعليق