سوريا بين ثلاث عملات

في الوقت الذي يبدو فيه أن لكل من تنظيم "الدولة الإسلامية"، ونظام الأسد، رؤية واضحة ومشاريع جليّة على الصعيد الاقتصادي والمالي، وحتى النقدي، يسود التفرد، وتعم البلبلة والتشتت والخلافات، أوساط فصائل المعارضة باختلاف مكوناتها، في معظم المجالات، ومنها المجالات الاقتصادية والمالية والنقدية.

من جانب تنظيم "الدولة"، وخلافاً للمستهزئين بمشروعه لإصدار دنانير ذهبية، يعتقد مراقبون إلى أن التنظيم قادر على صك كميات كافية من النقد الذهبي وفرض التعامل به في مناطق سيطرته، الأمر الذي قد يقي سكان تلك المناطق مخاطر تقلبات أسعار العملات الرائجة، وفي مقدمتها الليرة السورية. ويحقق هذا المشروع للتنظيم غايةً كبرى، وهي تقديم نفسه على أنه "دولة" ذات رؤية اقتصادية محددة، وليس مجرد تنظيم مسلح، مهما كانت قراءتنا لمشروع هذا التنظيم، سلبية.

بدوره، أثبت نظام الأسد امتلاكه لرؤية واضحة حيال كيفية التعامل مع اهتزازات القوة الشرائية لليرة السورية، وإن كان بمعزل عن مصالح السوريين. ويعتقد مراقبون أن نظام الأسد يؤسس إدارته للجانب النقدي على أساس مصلحته المالية أولاً، ومصالح المحسوبين عليه، وإن على حساب مصالح العامة من السوريين، لكنه في الوقت نفسه، تمكن، حتى الآن، من الحفاظ على الليرة السورية كأداة رئيسية للتبادل التجاري في معظم المناطق السورية، حتى منها تلك الخارجة عن سيطرته.

وفي الأسابيع الأخيرة، عادت للحياة مشاريع ومبادرات لاستبدال الليرة السورية بالتركية في مناطق سيطرة فصائل المعارضة المسلحة شمال البلاد. ويختلف المراقبون حيال المصلحة الاقتصادية للسوريين في هكذا تحول، لكن ما يظهر حتى الآن أن الجانب الأكبر من الأسس التي تقوم عليها مبادرات استبدال الليرة السورية، هي أسس سياسية، أكثر منها اقتصادية، دون أن يُلغي ذلك، البعد الاقتصادي لهذه الطروحات.

نحن في "اقتصاد"، كموقع اقتصادي سوري يُعنى بحياة العامة من السوريين، نعتقد أن من مصلحة السوريين عموماً، أن تكون هناك رؤية واضحة تتجلى في مشروع نقدي تشترك فيه كل فصائل المعارضة في المناطق التي لا تخضع لسيطرة كل من تنظيم "الدولة" ونظام الأسد. ونعتقد أن هذا المشروع يجب أن يتأسس، بالدرجة الأولى، على ما يخدم مصالح العامة من السوريين، بعيداً عن أي اعتبارات سياسية أو دينية، أو فصائلية ضيقة.

وإن كان بعض الاقتصاديين يطرح استبدال الليرة السورية بالتركية، لإنقاذ السوريين من تقلبات قيمة الليرة السورية، وتدهور قوتها الشرائية، المستمر، فإن ذلك الطرح يجب أن يُستكمل بصورة علمية، بالاعتماد على اقتصاديين ونقديين، يقدمون رؤية متكاملة بهذا الخصوص، تُراعي عاملين: الأول مصلحة العامة من السوريين، والثاني، تجنب الأبعاد السياسية والمصلحية الضيقة، على أسس فصائلية.

كي تتمكن المعارضة، على اختلاف فصائلها، من مواجهة مشروعي تنظيم "الدولة"، ونظام الأسد، بكل تجلياتهما، بما فيها التجليات الاقتصادية والنقدية، عليها أن تكون موحدة في طروحاتها، بما فيها تلك المتعلقة بالنقد والاقتصاد. وأن تكون كلها في "غرفة عمليات واحدة"، ليست عسكرية فقط، بل اقتصادية ونقدية أيضاً. وإلا، فإن الانتكاسات العسكرية الناتجة عن فرقة فصائل المعارضة، ستتجلى أيضاً، على الصعد الاقتصادية والنقدية.

وفي نهاية المطاف، على معدّي المشروع النقدي الخاص بمناطق المعارضة أن يُراعوا، قدر الاستطاعة، مصالح السوريين في مناطق سيطرة النظام، وألا ينسوا أن هؤلاء، سوريون، وفي معظمهم، مغلوبون على أمرهم، ولم يختاروا، بكامل إرادتهم، أن يكونوا تحت سيطرة النظام، لذلك يجب مراعاة مصالحهم أيضاً في أي مبادرة نقدية ومالية تُطرح للتنفيذ في مناطق سيطرة المعارضة.

والأهم من كل ما سبق، أن يكون لدى فصائل المعارضة، باختلاف خلفياتها الآيدلوجية، الوعي الكافي لضرورة أن يكون أي مشروع نقدي في مناطق سيطرتها، مشترك، وليس فصائلي، حتى يكون لهذا المشروع آثاره الإيجابية المأمولة.

ترك تعليق

التعليق