آمال عائلة سورية بحياة أفضل تتبدد في المدينة التي شهدت هجمات النازيين الجدد

ما بين الأضواء الساطعة لبرلين إلى الثكنات العسكرية النازية المروعة القريبة من الحدود التشيكية، تتبدل حياة عائلة سورية لاجئة ما بين الأمل واليأس.

كان القدر يخفي لعائلة "حبشية" (كنية العائلة السورية صاحبة القصة) الأسبوع الماضي مفاجأة مقيتة، عندما نقلوا من الثكنات العسكرية المزرية إلى مركز للاجئين أكثر كآبة - في مدينة استقطبت اهتماما عالميا الشهر الماضي بسبب أعمال الشغب التي يعتزم النازيون الجدد شنها ضد استضافة اللاجئين في المدينة.

وصلت العائلة إلى المدينة عقب الاحتجاجات مباشرة، وسرعان ما أخبرهم السكان بمدى حظهم العاثر، فهايدناو واحدة من أكثر المدن الألمانية فقرا وعنصرية. في أغسطس / آب الماضي ألقى أكثر من مائة شخص من مثيري الشغب الثملين الحجارة داخل مأوى للاجئين وأغلقوا الطريق حتى لا تتمكن الحافلات التي تقل طالبي اللجوء من دخول المجمع. كما تسببت أعمال الشغب في إصابة أكثر من 20 شرطيا بسبب المفرقعات النارية والزجاجات المكسورة التي ألقاها النازيون.

تقول ريم حبشية: "ظلوا يطمئنون والدتي أننا سنتأقلم هنا سريعا وسنعاود حياتنا مجددا، لكن الأمر لا يطاق هنا."

وتحاول ريم ووالدتها خولة كريم وشقيقها محمد، 17 عاما، ويامن 15 عاما، وشقيقتها الصغرى رغد 11 عاما، جاهدين الاستفادة بشكل أفضل من هذا الموقف السيء. لكن الحفاظ على رباطة الجأش تصبح أمر بالغ الصعوبة عندما لا تنفك السلطات عن نقلك من مكان إلى آخر لعدم وجود أماكن شاغرة في مراكز اللاجئين.

كانت الأوضاع بالغ الصعوبة قبل أسبوعين عندما تلقت العائلة أوامر باستقلال القطار من برلين والتوجه إلى مدينة كيمنتس شرق ألمانيا. ففي هذه المدينة تبددت آمالهم في العثور على مسكن جديد وتحولوا للإقامة في مجمع سكني مقيت تحيط به أسوار عالية تعلوها الأسلاك الشائكة.

لم يكن ذلك هو نوع الحياة التي ظلوا يحلمون بها ليل نهار في رحلة المعاناة التي كابدوها على مدى ستة عشر يوما بدأت بمدينة دمشق ثم عبور البحر الأبيض المتوسط في قارب مطاطي متهالك، ثم عبر البلقان وانتهاء بالوصول إلى ألمانيا. لكن معاناة الأسرة لم تنته هنا. قال لها أفراد الأمن إن مركز الإيواء مكتظ باللاجئين، ومن ثم أمروهن بالانتظار طيلة الليل للحافلة التي ستقلهم في النهاية إلى هايدناو.

تبدو الحياة هنا أكثر قسوة بالنسبة للوالدة خولة كريم التي لا تنقطع عن التفكير فيما إذا كانت قد اتخذت قرارا خاطئا بالخروج بأبنائها خارج سوريا.

قبل اندلاع الحرب في سوريا كانت خولة تبدأ صباحها كل يوم على شدو فيروز، تعد لنفسها قدحا من القهوة السوداء ثم توقظ أطفالها للذهاب إلى المدرسة. لكن هنا في ألمانيا تستيقظ في طقس شديد البرودة على سرير عسكري ضيق أسود، بين 700 لاجئ آخرين يكتظون في هذا المأوى المتهالك - لتعاني صداعا قاتلا بدون كأس من القهوة في الأفق لمساعدتها في بدء يوم آخر من الكسل القاتل.

أبدى الألمان ترحيبا كبيرا بطوفان الوافدين الجدد الذين يتوقع أن يصلوا إلى مليون لاجئ هذا العام. لكن الأمر لم يخلو من بعض الهجمات ضد الأجانب والمظاهرات التي يقوم بها اليمين المتطرف - وتحولت هايدناو إلى مركز رئيسي لهذه الكراهية. بلغت تلك الاعتداءات والكراهية حدا دفع المستشارة أنغيلا ميركل لزيارة المأوى الشهر الماضي لإظهار دعمها للاجئين.

يقع منزل عائلة "حبشية" الجديد بين قضبان السكك الحديدية ومصنع للأثاث وطريق رئيسي مزدحم يؤدي إلى الحدود التشيكية. والمجمع يحيط به سياج معدني مغطى بقماش أبيض ويخضع لحراسة قوات الأمن على مدار الساعة.

وفي صباح يوم الثلاثاء اصطف نحو 80 شخصا أمام باب جانبي للحصول على مصروفهم الأسبوعي الذي يبلغ 30 يورو تقدمها الحكومة الألمانية. بالقرب من الصف سقطت سيدة حامل ونقلت إلى سيارة الإسعاف، فيما جلس أكثر من عشرة أطفال حول مائدة تحت شجرة جميز يلهون بفقاعات الصابون.

نفث محمد دخان سيجارته وزاغت عيناه في الأفق، فيما حاول شقيقه محمد شغل وقته بممارسة ألعاب الفيديو على هاتفه الجوال. بينما كانت رغد الصغيرة أكثرهم بهجة فقد انخرطت بالفعل في درس اللغة الألمانية الذي أقامه متطوعون أول أمس. ثم نزل زوجان ألمانيان طاعنين من سيارتهما لتقديم صناديق مليئة بالتفاح وأهدوا رغد حافظة صغيرة مليئة بالجوارب السوداء اللامعة.

تقضي ريم أغلب وقتها خارج البناية في منطقة صف السيارات تقرأ الكتب التي قامت بتحميلها على هاتفها الجوال. وتعكف حاليا على قراءة قصة الكاتب الكويتي سعود السنوسي "قصبة الخيزران" التي تتحدث عن حياة العمالة المهاجرة في العالم العربي والتحديات التي تواجهها.

تبدو الأم خولة كريم، 44 عاما، أكثر قلقا وحيرة من أبنائها. قلة النوم كانت سببا في ظهور الهالات السوداء تحت جفنيها. وزمت شفتيها بشدة وهي تحاول أن تحبس دموعها مجددا عندما تراودها ذكريات عيد الأضحى.

كانت خولة كريم لا تفوت، حتى في ضخم قسوة الحرب في سوريا، هذه المناسبة الدينية الهامة بشراء الملابس الجديدة لابنتها الصغيرة واصطحابها للتنزه وشراء السكاكر. بيد أن الوضع مختلف تماما هنا في هايدناو، فالعائلة لن تتمكن من القيام بشيء مميز في العيد، وكانت العائلة متشائمة بشأن قضائه داخل أسوار المتجر الذي جرى تحويله إلى منزل لتقيم فيه العائلة.

تسري الشائعات داخل المجمع حول انتشار الأمراض والقمل بين اللاجئين. وتقول ريم: "الوضع داخل المأوى غير صحي. المكان مغلق، لا نوافذ وغير صالح للسكنى. الحمامات المشتركة نتنة ومثيرة للاشمئزاز."

لمنح الأفراد قدرا من الخصوصية توضع ملاءات بيضاء كبيرة داخل الصالة الواسعة، في محاولة يائسة لفصل العائلات ومجموعات الشباب التي تنام على أسرة.

وعلى سلالم متحركة لم تعد تعمل، يصعد قاطنو المجمع إلى الدور الثاني حيث يجري توزيع الطعام خلال أوقات الوجبات. ويجري إضاءة المكان بمصابيح النيون الطويلة التي تغلق من الساعة العاشرة مساء وحتى السابعة صباحا.

كريستوفر نيدارت، مدير مركز اللاجئين، يقول إنه تلقى إخطار من حكومة ولاية ساكسونيا لتحويل المتجر إلى مركز لاستقبال اللاجئين قبل أقل من يومين من وصولهم. مثل هذه الوضع الفوضوي تكرر في غالبية المدن الألمانية حيث تسعى السلطات لاستقبال هذا التدفق الهائل للاجئين السوريين. قامت المدن بتجهيز صالات الألعاب الرياضية والمكاتب والمدارس الخاوية ونصبت خياما مؤقتة ضخمة لاستيعاب اللاجئين.

وأوضح نيدارت، الذي حافظ على هدوئه وسط هذه الفوضى، أن هايدناو كانت مركز الإيواء الموقت الأولي الوحيد الذي يتوجه إليه طالبي اللجوء قبل بدء عملية طلب اللجوء الحقيقية.

بالنسبة لعائلة "حبشيه" يعني ذلك نقلهم بالحافلات ثلاث مرات إلى وكالة اللاجئين المركزية في كيمنتس لإجراء الفحوصات الطبية وإجراء مقابلات تسمح لهم ببدء محاولتهم بنشاط، وما إن يحدث ذلك يمكن نقلهم بعد ذلك إلى مركز أصغر وأكثر ترحيبا باللاجئين، حيث يمكن للصغار في النهاية العودة للمدارس.

لكن لا أحد يعلم مقدار الوقت الذي سيضطرون لقضائه في هايدناو، سواء أكان بضعة أسابيع أم أشهر. وهناك شكوك كبيرة.

وتقول ريم: "في كل صباح نراجع اللوحة السوداء لنرى ما إذا كانت أسماؤنا قد أدرجت ضمن الفحص الطبي أم لا. لكن حتى الآن لم يحالفنا الحظ."

ترك تعليق

التعليق