ناشط إغاثي يصف جوانب من مأساة اللاجئين السوريين في تغريبتهم البحرية


"منذ قليل وصل مركب عليه سوريون، كان هنالك أب بقلب مكسور، أمسكت بيده لأطمئن عليه، قال لي قُتلت ابنتي الصغيرة بصاروخ، ومازلت خائفاً على الأخرى ثم بكى".

هذه إحدى يوميات الوجع السوري التي دأب الناشط "غياث الجندي" على تدوينها على صفحته الشخصية في "فيسبوك" عقب كل عملية إنقاذ يقوم بها مع فريق من المتطوعين الأوربيين في البحر.

من "بريطانيا" إلى "اليونان" جاء بدافع إنساني ليعمل متطوعاً في استقبال مراكب اللاجئين السوريين لدى وصولهم إلى جزيرة "لزبوس" اليونانية انطلاقاً من شواطئ تركيا، وتقديم المساعدة لهم، مختصراً في جهوده الإنسانية مأساة اللاجئين في تغريبتهم السورية التي لم يشهد التاريخ مثيلاً لفظاعتها.

يقول "الجندي" لـ"اقتصاد" إنه استطاع وفريق الإغاثة الذي يعمل معه إنقاذ مئات العائلات، من خلال تجارب صعبة خاضوها.

وسرد تفاصيل عن "الأمهات اللواتي يأتين مع أطفالهن دون آباء والجرحى والمصابين في الحرب من جرّاء الحرب الأسدية على الشعب السوري".

ويردف المنقذ الشاب: "رأيت شباباً جامعيين فقدوا أطرافهم ببراميل متفجرة ورأيت أولاداً صغاراً فقدوا أيديهم وأرجلهم، فالحزن هو الطابع العام الذي يجلل السوريين الناجين".

وفي ظروف مثل ظروف البحر بكل ما فيه من كوارث وأهوال عاش "الجندي" مع زملائه وزميلاته تجارب خطيرة ومواقف لا تُنسى ومنها تعطّل قارب الإنقاد في عرض البحر.

ويوضح ابن مدينة "السلمية" السورية إنه اضطر مع زملائه إلى أخذ قوارب لاجئين آخرين لسحب القارب المعطوب ليتعطل القارب المنقذ ثانية، لافتاً إلى أنه "بعد الوصول إلى القوارب التي تتعرض للخطر كنت أسمع بنفسي صراخ الأطفال الخائفين وتوسلاتهم وبكاء النساء وكبار السن".

ويردف بنبرة مؤثرة: "مرات كثيرة بكينا وتعبنا، وفي ظروف كهذه لا يمكنك أن تبقى غير متأثر، وأنت تتعامل مع هذا الألم والخوف والحزن الذي أمامك، ولكن كان علينا أن نعطي القوة أكثر للاجئين".

ويستذكر المترجم الذي عمل في منظمات حقوقية دولية، مواقف إنسانية مؤثرة عايش تفاصيلها في عرض البحر، حيث اضطر ذات مرة -كما يقول- للسباحة في الماء بثيابه بعد أن نفذ الوقود من المركب.

ويضيف: "كنت و4 إسبان دفعنا المركب المحمل بـ42 إلى الشاطئ، وبينما كنا ندفع المركب سقطت امرأة تجاوزت 60 من عمرها في البحر، وبعناية إلهية سقطت فوق يدي".

ويردف "الجندي": "أعدتها للمركب صارت تبكي وتصرخ بصوت جنوني: أنا ما متت...أنا ما متت".

ويسرد الجندي قصة مؤثرة أخرى عن رجل حلبي في الستينات من عمره قال له بعد وصول القارب: "هل نحن بأمان؟"، فأجابه -كما يقول- "أنت الآن بأمان لا بوليس يزعجكم ولا أي أحد".

ويردف محدثنا: "كانت معه زوجة وبنت صبية كانت تدرس الطب، أمنت له سيارة توصله إلى الكامب".

ويضيف: "في الطريق اتصل بابنته النازحة إلى طرطوس وأخبرها عن الرحلة وعن وصوله إلى اليونان بأمان".

ويستطرد الجندي: "تكلم لها عن المتطوعات والمتطوعين الأوربيين وعني وبدأ يبكي بشدة"، وأردف الجندي أن زميله السائق وهو طبيب هولندي الجنسية "لم يحتمل الموقف فركن سيارته ووضع رأسه على المقود".

وواصل الجندي: "أمسكت يد الرجل الستيني فبكى مرة أخرى، وقال لي رجل بعمري فُرض عليه أن ينهي حياته لاجئاً، أجبته لكن هنا سيتم احترامك فظل يبكي حتى وصلنا الكامب".

ويصف الناشط، الذي أخذ من اسمه نصيب، شعوره عقب كل عملية إنقاذ قائلاً: "شعوري يشبه شعور كل أب يرى أطفاله فرحين بالعيد"، مضيفاً أن "عيد اللاجئين السوريين الذين خاطروا بأرواحهم هو الوصول إلى بر الأمان".

ويتذكر محدثنا في هذا السياق قصة سيدة سورية تبلغ من العمر 70 عاماً، يقول: "حين أنقذنا مركبها الذي كان على وشك الغرق، هرعت إليّ حيث كنت جالساً على الشاطىء، وراحت تبكي وهي تقبلني على وجهي قائلة: "كنت سأموت، كنت واثقة بالموت وأنا الآن هنا".

وحول مصادر تمويل الفريق الإغاثي الذي يعمل معه وخصوصاً أن هذا العمل يحتاج لإمكانيات مادية ولوجستية، أوضح الجندي أن "الفريق يمول نفسه بنفسه ولا يتعامل مع أحد"، مشيراً إلى أن "هنالك بعض الأصدقاء والصديقات المقربين الذين شاركوا بمبالغ بسيطة لشراء مواد أساسية للاجئين".

أما الإمكانيات اللوجستية فهي –كما يؤكد- "تعتمد على التبرع باللباس والمواد الأساسية من أوروبا واليونان"، مشيراً إلى أنه: "لا وجود لمنظمات كبيرة"، وأن المتطوعين والمتطوعات الأوربيين يؤمنون بهذا العمل الإنساني، ويعتنون باللاجئين الذين ذاقوا الأهوال من منطلق الواجب الإنساني بعيداً عن أي اعتبارات أخرى.

ترك تعليق

التعليق