التقرير الذي هزّ قراء "اقتصاد"

حصد موقع "اقتصاد" سيلاً من الشتائم والاتهامات بسبب تقرير "زوجات سوريات ينقلبن على أزواجهن في أوروبا"، فيما يبدو أنها ظاهرة متفشية بين بعض السوريين، مفادها، رفض أي حديث يطال أحلام البعض بـ"العيشة الهنية" في أوروبا.

تلك ليست المرة الأولى التي يتلقى فيها موقعنا اتهامات وتشكيكات بسبب معالجة صحفية تمت لإحدى القضايا التي تخص الهجرة إلى أوروبا.

وتلقى "اقتصاد" العديد من التعليقات المُسيئة، وصولاً إلى رسائل على بريده الخاص يتهم مسؤولي الموقع بتعمد الإساءة للسيدات السوريات، والنيل من سمعتهن، وإتاحة الفرصة لشعوب أخرى، كي ينالوا منهن أيضاً.

كما رأى آخرون أننا تعمدنا الإثارة فقط، أو أننا لم نجد ما نكتبه.
وطالت العديد من الاتهامات، والإهانات أيضاً، كاتب المقال، الذي توقع ما سيحدث، وطلب عدم تسجيل اسمه.

هل انقلاب الزوجات السوريات على أزواجهن بعد رحلة الهجرة العصيبة إلى أوروبا، من نسج خيال الكاتب في "اقتصاد"؟!،.. البعض ذهب إلى هذا الطرح، فيما رأى آخرون أن المشكلة في التعميم، وأن القضية مجرد حالات نادرة وشاذة، لا تستحق حتى مجرد الوقوف عندها عبر مقال أو تقرير.

وباستثناء قلّة قليلة أقرّت بحدوث حالات انهيار أسري كثيرة في العوائل السورية بعد الهجرة لأوروبا، غاب عن أذهان غالبية مهاجمينا أن النيل من "اقتصاد"، لن يُلغي واقعاً قائماً، بقدر ما أنه ينبع عن عدم الرغبة في مواجهة الذات، والإقرار بحقائق مُعاشة لدى الكثير من زملائنا الصحفيين الذين يعيشون في بلدان المهجر الأوروبي، ويقرون في أحاديثهم العديدة بوجود مشكلات كبيرة تطال الاستقرار الأسري للعوائل السورية في أوروبا.

غاب عن أذهان مهاجمينا، أن الهجرة إلى أوروبا تحمل بعدين، الأول، تغيّر قيمي، اجتماعي واقتصادي هائل، لا بد سينعكس على حياة الأسرة السورية، خاصة إن كانت هذه الأسرة تعاني أصلاً من مشكلات مزمنة وكان استمرارها مجرد نتيجة لانعدام الخيارات أمام أحد الطرفين، وهو هنا في الأغلب، الزوجة.

أما البعد الثاني، وهو الأصل المُسبب للبعد الأول، هو حقيقة أن مجتمعنا قبل الثورة كان يطفو على كم هائل من المشكلات الاجتماعية المتفاقمة، لكنها كانت كالنار تحت الرماد، يُثبّط انفجارها، ثبات الظروف والخيارات المتاحة أمام الرجل والمرأة في العائلة السورية.

فحين تكون المرأة مضطهدة، ومغبونٌ جانبها، من الطبيعي أن تثور حينما تُتاح لها الظروف المناسبة، كما ثار السوريون حينما أُتيحت لهم الفرصة المناسبة، مفجرين مشكلات مُختزنة خلال عقود، كان حكم آل الأسد الصارم يضغط عليها تحت الرماد.

والأخطر من ذلك، أنه حتى بعد تفجر بركان الثورة، مع ما حمله من سيول وحمم اجتماعية وقيمية، هزت كيان كل السوريين، دون استثناء، إلا ما ندر، ما يزال الكثير منا يفضل التعتيم على مشكلة ما، وتجاهلها، خشيةً على "السمعة"، حسبما يقول، أو ربما لأنها تنال من حلمُ في ذهنه، دون أن يقر بذلك، حُلم الحياة المثالية في مجتمع ينال فيه كل ما حُرم منه في بلده، العيشة الهنية والاحترام، والأهم، الحرية، دون أن يتذكر أن لذلك ضريبته، التي قد تكون أبرز جوانبها أن الحرية ستنخر في زوايا بيته الأسري، فإن لم يكن هذا البيت متيناً بالصورة المأمولة، فسيهوي على وقع تراتيل الحياة الجديدة.

ودمتم بكل احترام وتقدير.. قراء "اقتصاد" الأعزاء.

ترك تعليق

التعليق