كيف خفّض المركزي سعر الدولار؟، وهل سيعاود الارتفاع من جديد؟

خلال أقل من أسبوعين، نجح مصرف سوريا المركزي في خفض سعر صرف الدولار بدمشق، من 652 ليرة، إلى 590 ليرة مبيع، حسب سعر إغلاق اليوم الخميس.. فكيف نجح المركزي في تنفيذ ذلك؟، وهل سيُكتب لاستراتيجته النجاح المُستدام، أم سيعاود الدولار ارتفاعه السريع والمُنفلت، من جديد؟

تقول بيانات المركزي إنه نجح في لجم الدولار وتحسين قيمة الليرة عبر ضخ كميات كبيرة من الدولار في الأسواق،.. لكن لا يبدو أن ذلك هو السبب الرئيس في فقدان الدولار بدمشق، لـ 62 ليرة، في أقل من أسبوعين.

اتضح اليوم الخميس، السبب الرئيس في تدهور الدولار، وتحسن الليرة، في الأيام الأخيرة، حينما أمر المركزي البنوك الخاصة بالإفراج عن الإيداعات المجمدة منذ أسبوع بالليرة السورية، بعد أن تسبب هذا القرار في تجميد الحركة الاقتصادية في الأسواق، حسب وصف صفحات متخصصة برصد أسعار العملات والذهب في سوريا.

ونقلت تلك الصفحات عن المركزي وعوداً بدراسة قرارات تجميد السيولة بالليرة في البنوك، قبل اتخاذها مجدداً، نظراً للجمود الذي ساد الأسواق بسبب هذا القرار.

وهكذا يتضح السبب الرئيس في تحسين قيمة الليرة في الأيام الأخيرة، فالمركزي اعتمد استراتيجية "لمّ الليرة" من السوق، وبالتالي، التقليل من كميات الليرة المتوافرة في الأسواق، الأمر الذي سيزيد الطلب عليها، ويحسن قيمتها.

ما يؤكد ذلك أنباء نقلتها صفحة "البورصة السورية" عن أن شركات الصرافة التي أودعت مبالغ بالليرة السورية لدى المركزي، للحصول على مليون دولار، وفق خطة المركزي المعلنة للتدخل، لم تحصل سوى على 50 ألف دولار، وتم إعادة المبالغ المودعة إليها.

أي أن المركزي استهدف فعلياً، "لمّ الليرة" من السوق.

وقد أتى هذا الإجراء، بالفعل، بنتيجة مميزة، فقد انخفض الدولار 62 ليرة. لكن جانبه السلبي كان كبيراً، إذ دخلت الأسواق والحركة الاقتصادية، في جمود، بسبب شح الليرة، الأمر الذي اضطر المركزي إلى التراجع عن هذا الإجراء، بل، والتعهد بدراسته مرة أخرى قبل الإقدام عليه.

أي أن هذا الإجراء كان مؤقتاً. وقد ذكرت صفحات العملات أن الأسواق انتعشت بمجرد إعلان المركزي عن رفع التجميد عن سيولات الليرة في البنوك.

إجراء آخر قد يكون ساعد على تحسن سعر صرف الليرة، فالمركزي اتخذ منذ أيام إجراءاً غير مسبوق، بأن جعل سعر صرف "دولار الحوالات" أقل من سعر صرف "دولار التدخل"، بهدف دفع المزيد من الناس من مستلمي الحوالات الشخصية الآتية من الخارج، لاستلامها عبر مكاتب وشركات الحوالات والصرافة المُرخصة الخاضعة للمركزي، والتي تُعطي الناس حوالاتهم بالليرة، وفق السعر المحدد من المركزي، وتحول الدولار الآتي لحساب المركزي، الأمر الذي يشكل إيراداً يومياً لهذا الأخير، وصل منذ سنة ونصف إلى حوالي 8 مليون دولار، لكنه تردى في آخر التصريحات الصادرة عن المركزي بهذا الخصوص، منذ ستة أشهر، إلى أقل من 3 مليون دولار، في مؤشر يؤكد ابتعاد الناس عن استلام حوالاتهم عبر المكاتب المرخصة، بسبب انخفاض سعر "دولار الحوالات" مقارنة بالسعر الرائج للدولار في السوق.

اليوم، "دولار الحوالات" بـ 575 ليرة، فيما "دولار دمشق" بـ 590 ليرة، وهو فارق يعتبر ضئيلاً نسبياً، الأمر الذي سيشجع المزيد من الناس على استلام حوالاتهم عبر المكاتب المرخصة، والتي يرجع الدولار المحوّل إليها، إلى خزينة المركزي.

ولتعزيز هذا الإجراء، جعل المركزي "دولار التدخل الخاص" أقل من "دولار الحوالات". واليوم الخميس، خفّض المركزي "دولار التدخل الخاص"، وكذلك "دولار تمويل المستوردات"، 5 ليرات جديدة، ليصبح بـ 565 ليرة، أي أنه بات أقل، 10 ليرات، من "دولار الحوالات"، وبالتالي، فاستلام الحوالات عبر المكاتب المرخصة بات مغرياً نسبياً، الأمر الذي سيعزز من إيرادات المركزي من الدولارات المتأتية من الحوالات الشخصية الخارجية، التي تزيد معدلاتها في رمضان والعيد، حسب المُعتاد.

لكن، رغم أهمية إجراء رفع سعر "دولار الحوالات"، وتقليص الفارق بينه وبين سعر السوق، يبدو أن "لمّ الليرة" من السوق، هو الإجراء الحاسم الذي أدى إلى ارتفاع قيمة الليرة السورية في الأيام الأخيرة.

واليوم الخميس، هبط الدولار إلى 587 ليرة مبيع، قبل أن يعاود الارتفاع بدمشق إلى 590 ليرة مبيع، مما يعني عودة الانتعاش، مبدئياً، لحركة سوق العملة، لصالح الدولار، وعلى حساب الليرة.

ويعتقد مراقبون أن إجراء المركزي سيذهب أدراج الرياح في قادم الأيام، باعتبار أن سبب انخفاض الدولار، "لمّ الليرة" من الأسواق، قد زال. بل ثبت أن المركزي لن يستطيع تكراره بكثرة، مجدداً، لأنه أدى إلى أثر سلبي على النشاط الاقتصادي.

وبالتالي، علينا أن نتوقع عودة الدولار إلى مساره التصاعدي في الأيام القليلة القادمة.

لكن مراقبين آخرين يعتقدون أن إجراءات المركزي الأخيرة أعادت ثقة الناس به. وبات تجار العملة يحسبون حساب تدخلاته، حينما يعلن عن التدخل في سوق الصرف، الأمر الذي يعني أنه كلما أعلن المركزي، مستقبلاً، عن إجراء للتدخل في سوق العملة، حتى لو كان هذا التدخل إعلامياً، سيعطي أثره، فتجار العملة سيخشون من انهيار سريع للدولار، كما حصل مؤخراً، ويقبلون على بيعه بكثرة، فيتراجع سعره تلقائياً.

وبغض النظر، أي النظريتين أصح، علينا أن نقرّ بأن المركزي أبدع في ابتكار آليات نقدية تدخلية للجم تدهور الليرة، في مواجهة واقع اقتصادي استثنائي، تسوده معادلات الحرب، وتداعياتها.

لكن السؤال سيبقى قائماً: إلى متى سيتمكن المركزي من منع انهيار الليرة، التي أوشكت على السقوط أكثر من مرة؟

ترك تعليق

التعليق