إضاءة على مركز "تقوى" للأيتام وأبناء المعتقلين في "ابطع" بدرعا

تزامناً مع حالة الهدوء النسبي الذي تعيشه المناطق المحررة في الجنوب السوري، وتوقف المعارك في الكثير منها، أطلقت بعض الفعاليات التطوعية في محافظة درعا المحررة، العديد من الأنشطة التي تعنى بحياة الناس، وتهتم ببعض الشرائح  الاجتماعية التي شهدت تهميشاً كبيراً بسبب غياب المعيل، نتيجة ممارسات النظام الإجرامية بحق الرجال والنساء، والتي أفرزت عدداً كبيراً من الأطفال الأيتام، ورمت بهم على قارعة الطريق، وجعلتهم عرضة لكثير من الأمراض النفسية والاجتماعية، وتفشي أمية القراءة والكتابة في صفوف عدد كبير منهم.

ويعد "مركز تقوى" للعناية بالأطفال اليتامى وأبناء المعتقلين في مدينة ابطع، في ريف درعا الأوسط, واحداً من المراكز الهامة التي تصدت لمشكلات الطفولة في ظل غياب المعيل الأساسي، نتيجة الموت أو الاعتقال أو التغييب القسري الذي مارسته قوات النظام بحق الأهالي.

ويقول شريف النصيرات، مدير العلاقات العامة في المركز، "إن الحرب المشتعلة في سوريا منذ أكثر من خمس سنوات، والصعوبات التي يعيشها المواطنون نتيجة ذلك، وعمليات تنقل المواطنين من مكان لآخر طلباً للأمان، أبعدت شريحة واسعة من الأطفال عن مدارسهم، وجعلتهم عرضة لأمية القراءة والكتابة".

وأضاف: "انطلاقاً مما تقدم، وللحفاظ على الأطفال من شبح الأمية والأمراض النفسية والاجتماعية التي تصيب المجتمعات في مثل هذه الظروف، أطلقت مجموعة من ذوي الاختصاص في مدينة ابطع مركزاً يُعنى بهؤلاء الأطفال، ويعمل على محو أميتهم وحل مشكلاتهم من خلال دراسة أوضاعهم واستيعابهم في المركز، وتقديم كل ما من شأنه الإسهام في حل مشكلاتهم الدراسية والنفسية والاجتماعية".  

وقال النصيرات إن "المركز استقبل وقدم الخدمات التعليمية خلال العام الدراسي الماضي لنحو 210 أطفال من أبناء المعتقلين واليتامى من عمر ستة أعوام، وحتى ثلاثة عشرة عاماً، من الذكور والإناث"، لافتاً إلى أن المركز الذي يعمل به أكثر من 22 مختصاً متطوعاً في مختلف المجالات النفسية والتعليمية، يقدم أيضاً خدمات الدعم النفسي وتنمية المواهب وتحفيظ القرآن وعلومه، وبعض الأنشطة الرياضية والترويحية الأخرى التي تحقق التفاعل للأطفال.

وعرض النصيرات جملة من الصعوبات التي تواجه عمل المركز والتي يأتي في مقدمتها، تعرض المدينة لعمليات الاستهداف من قبل قوات النظام، والنزوح المتكرر لأهاليها، وبعد المسافة بين المركز والأحياء التي يقطنها الطلبة ما يكلف المركز مبالغ كبيرة تدفع أجوراً لنقل الطلاب، إضافة إلى الغياب المستمر للأطفال بسبب حالات الخوف من الاستهداف، لافتاً إلى أن المركز أقام دورة لنحو 46 طفلاً من أعمار مختلفة ولمدة 3 أشهر، تم خلالها محو أمية الأطفال وتعليمهم القراءة والكتابة ليتم توزيعهم على صفوفهم  في المدارس الحكومية، من جديد.

من جهتها، أكدت بتول محمد، الباحثة الاجتماعية في المركز والمشرفة على أنشطته، أن "المركز جاء تلبية لحاجات إنسانية، وللحفاظ على براءة الطفولة لأطفال عاشوا الكثير من الصعوبات، ومروا بحالات خوف ورهاب شديدين، نتيجة المعارك وأصوات المدافع والبراميل المتفجرة، التي أمطرت بها قوات النظام الأهالي الآمنين"، لافتة إلى أن الهدف الأساسي للمركز هو النهوض بالواقع النفسي والأخلاقي والديني والعلمي لأطفال، فقدوا الكثير من مقومات الحياة الطبيعية، نتيجة ممارسات النظام الإجرامية بحق أهاليهم.

وأضافت أن "دوام المركز يستمر خمسة أيام في الأسبوع بمعدل 3 ساعات يومياً، تنفذ مساءاً وتُدرس فيه مواد الرياضيات واللغة العربية واللغة الانكليزية والعلوم، بالإضافة إلى منهاج منظم لحفظ القرآن، ويستفيد من هذه الأنشطة عدد كبير من اليتامى وأبناء المعتقلين، الذين فاتتهم بعض المناهج بسبب ظروفهم"، لافتة إلى أن الدروس في المركز هي دروس إضافية، تعطى للأطفال إضافة لدروسهم في المدارس التابعة للنظام، وهي تهدف لتحسين مستواهم التعليمي، الذي فقدوا الكثير من مناهجه بسبب الأوضاع الأمنية، حسب وصفها.

واستطردت بتول محمد بأن "المركز حقق نتائج إيجابية ملحوظة لدى الطلاب، فزادت لديهم الرغبة بالتعلم في المركز بالرغم من دوامهم الصباحي في المدارس، إضافة إلى التقدم الواضح في مستواهم التعليمي والدراسي، حيث لمسنا ذلك من خلال الزيارات والمتابعة لهم في مدارسهم"، موضحة أن الدروس في المركز عززت الثقة في نفوس الطلاب المستهدفين، كما أنها حسنت من طريقة تعاملهم مع أهاليهم ومع أفراد المجتمع، كما قالت.
 
وعقبت محمد إلى أن "عملها كباحثة اجتماعية يتركز على التواصل بين المركز والأهالي، ودراسة الحالة الاجتماعية للطفل اليتيم، وابن المعتقل، ومدى تأثير هذه الحالة على وضعه من الناحية النفسية والسلوكية  والتعليمية، إضافة إلى البحث عن المواهب وصقلها"، لافتة إلى أن أكثر ما يعانيه الطفل اليتيم هو حالات الخوف والرعب من أي صوت عالٍ، بالإضافة إلى إحساسهم بالنقص، وعدم الثقة بالنفس، والشعور بالغيرة من الآخرين الذين لديهم آباء وأمهات، والعدوانية أحياناً.
 
بعض الأطفال الذين التقاهم "اقتصاد"، عبروا عن فرحتهم الكبيرة بهذا المركز الذي ساعدهم في إعادة تأهيلهم تعليمياً، لافتين إلى الرغبة الكبيرة في الحضور إلى  المركز بشكل يومي، حيث يقدم لهم كل ما يحتاجون من دروس ضمن مناهجهم التعليمية التي يتلقونها في مدارسهم.

من جهتها، روت إحدى المعلمات حادثة عن طالبة تدعى /ندى العياش/،حيث انهارت الطفلة بالبكاء عندما كان الأهالي يقدمون التهاني لوالدها، الذي كان معتقلاً، بعد أن تم الإفراج عنه من معتقلات النظام، فظن الناس أنها تبكي من الفرحة بخروج والدها، ولكن عند سؤالها عن سر بكائها بحرقة، قالت: "أنا لم أعد ابنة معتقل، وغداً سيطردونني من المركز، لأن المركز للأيتام وأبناء المعتقلين".

فيما روت عن طالبة أخرى أنها شبه أمية، لكنها تملك موهبة بالرسم تفوق التصور، حسب المعلمة، التي لفتت إلى أن المركز يقدم لها كل الإمكانات لإبراز موهبتها وصقلها.

يشار إلى أن مدينة "ابطع"، تعد واحدة  من مدن محافظة درعا، يتجاوز عدد سكانها ال 23 ألف نسمة، يعمل معظم سكانها في الزراعة والتجارة، شهدت خلال الثورة أحداثاً دامية، وعمليات اجتياح واستهداف، وقد خسرت عدداً كبيراً من أبنائها، بين معتقل وشهيد ومفقود، وهي تقع على الطريق العام القديم دمشق درعا، وتبعد عن درعا نحو 20 كم فيما تبعد عن دمشق نحو 80 كم باتجاه الجنوب.

ترك تعليق

التعليق