اكتفاء ذاتي ومصدر للدخل.. تربية الدجاج البلدي تنتعش في مناطق درعا المحررة


تجوب أم أحمد صباح كل يوم دكاكين القرية، وهي تحمل كمية من البيض البلدي، باحثة عمن يدفع ثمناً أكبر لها، حيث اعتادت أن تبيع البيضة الواحدة بعد ارتفاع أسعار بيض المداجن، بنحو 50 ليرة سورية، حسب ما أفادت.

وتقول السيدة الخمسينية أنها تحصل على هذا البيض من عدة دجاجات بدأت بتربيتها في حاكورة منزلها قبل عام، وذلك بعد أن ساءت أحوالها المادية بفقدان معيل أسرتها، مبينةً أن  تربية الدجاج البلدي أصبحت مهنة من لا مهنة له، بسبب الظروف الصعبة التي تعيشها البلاد، نتيجة الحرب وتوالي تداعياتها على الحياة المعيشية للناس.

وأشارت أم أحمد إلى أنها بعد أن فقدت زوجها وابنها في إحدى غارات النظام على بلدتها في ريف درعا الغربي، لم يتبق لها معيل إلا الله، ثم بعض الجمعيات الإغاثية، التي بدأت هي الأخرى تنسحب من تقديم خدماتها، بسبب ضيق ذات اليد، وقلة الإمكانات المادية، لافتة إلى أن وضعها الصحي، وكبر سنها، لا يسمحان لها بممارسة أية مهنة، الأمر الذي دفعها إلى تربية عدد من فراخ الدجاج البلدي للاستفادة من لحومها ومن بيضها في الإنفاق على أسرتها.

وتقول إن مشروعها المتواضع بدأ بنحو خمسين صوصاً عاش منها نحو 40 صوصاً، كلها كبرت وأصبحت دجاجات منتجة للبيض، تعطي بمعدل 15  بيضة يومياً، مشيرة إلى أنها تعتمد في علفها على القمح وبقايا الطعام وبعض الحشائش، وهي تؤمن لها مبلغاً لا يقل عن خمسمئة ليرة سورية يومياً، تساعدها في الإنفاق على بعض حاجاتها الأساسية، كما قالت.

من جهته، لفت محمد، وهو أحد المهتمين بتربية الدجاج وبعض الطيور الأخرى، إلى أن "تربية الدجاج لا تتوقف على الدجاج البلدي للاستفادة من لحمه وبيضه، بل تجاوزتها إلى تربية أنواع أخرى من الدجاج، كالبراهما والتركي والفرعوني والبري، حيث يصل سعر الديك مع دجاجتين من بعض الأنواع إلى 150 ألف ليرة سورية، فيما يبلغ سعر البيضة الواحدة من بيض هذه الأنواع ما بين 800 وألف ليرة سورية، أما الصوص الناضج فيبلغ سعره  نحو 25 ألف ليرة سورية.

ولفت إلى أن تربية الدجاج المنزلي "إن توفرت لها الشروط الصحية والسليمة، وتحصنت من الأمراض والأخطار التي تلحق بالدجاج، فإنها تجارة مربحة ودخلها المادي جيد"، مشيراً إلى أنه يقتني أكثر من 200 طير، من أنواع الدجاج البلدي وبعض الأنواع الأخرى، تحقق له من مادة البيض أرباحاً صافية، تفوق يومياً خمسة آلاف ليرة سورية، وفق قوله.

وقال إنه "رغم ارتفاع أسعار المشتقات النفطية وأسعار البيض، إلا أن النشاط الاقتصادي في هذا المجال يشهد بعض التطور، حيث ظهرت بشكل ملحوظ فقاسات البيض الكهربائية، التي تبيع الصوص البلدي وتحقق جراء ذلك أرباحاً جيدة"، مبيناً أن بعض المناطق المحررة قبل الثورة، لم تشهد أياً من هذه النشاطات وأن هذه المهن كانت حكراً على بعض المدن، مثل نوى وجاسم وانخل وبعض مناطق الريف الشرقي، لكنها الآن موجودة في الكثير المناطق المحررة.

 عبادة، طبيب بيطري، أكد أن "تربية الدجاج البلدي في المناطق المحررة أصبحت تشهد إقبالاً ملحوظاً،  كونها مصدر من مصادر الاكتفاء الذاتي في الريف الحوراني لبعض الأسر من البيض واللحوم، كما أنها أصبحت مصدراً مدراً للدخل لكثير من الأسر، يعتمد عليها في تحسين المداخيل، لاسيما في ظل الشح الكبير بمادة البيض، التي تدخل إلى المناطق المحررة، وارتفاع أسعارها".

وأضاف أن تربية الدجاج المنزلي في المناطق المحررة لم تعد تتوقف على الدجاج البلدي، بل شهدت تربية بعض الأنواع الأخرى رغم الظروف الصعبة وغلاء أسعارها، حيث تجد هذه الأنواع الجديدة اهتماماً كبيراً من بعض الأشخاص، وإقبالاً على تربيتها.

من جهته، أكد المهندس الزراعي حسام، وهو موظف سابق في مديرية زراعة درعا، أن "توجه بعض الناس إلى تربية الدجاج المنزلي في الريف، يهدف إلى تعويض النقص الحاصل بمادتي البيض واللحوم، وذلك بعد توقف مزارع الفروج في المحافظة عن العمل، نتيجة الأوضاع التي تمر بها سوريا"، لافتاً إلى أن قطاع الدواجن في درعا تكبد خسائر كبيرة نتيجة الأعمال العسكرية وعمليات الحصار التي يفرضها النظام على المناطق المحررة، وخاصة في مناطق إنتاج الفروج الرئيسية في ريف درعا الشرقي والشمالي الغربي، ومنطقة مثلث الموت، حيث توقفت معظم المزارع في هذه المناطق عن العمل بشكل شبه كامل. 

وأضاف أن "عدم وجود مستلزمات الإنتاج وارتفاع أسعارها، يضاف إلى ذلك عمليات نزوح الأهالي هرباً من قصف قوات النظام، وما يرافقها من حالات عدم الشعور بالأمن والأمان، دفع بالمربين إلى العزوف عن ممارسة هذه المهنة"، موضحاً أن محافظة درعا كانت قبل انطلاق الثورة في مقدمة المحافظات المنتجة للبيض والفروج، وكانت محافظات ريف دمشق ودمشق والسويداء من أهم أسواق تصريف إنتاج درعا من مادتي البيض ولحوم الفروج.

وأضاف المهندس الزراعي: "كان في محافظة درعا قبل الثورة أكثر من 750 مزرعة لإنتاج الفروج، وما يقارب من 125 مزرعة للدجاج البياض، ونحو 12 مزرعة لأمهات الفروج، تنتج عدة ملايين من البيض وآلاف الأطنان من اللحوم، لكن هذه الأعداد تراجعت بشكل كبير، وما يتوفر من هذه المداجن لم يعد يكفي لسد قسم من احتياجات المحافظة".

ترك تعليق

التعليق