"لعيون المعسل".. الشبيحة يحرقون غابات الساحل


ليس غريباً ولا جديداً اشتعال الحرائق في غابات الساحل السوري في فصل الخريف من كل عام، منها ما يشتعل مصادفة أو خطأ، أما أغلبها فيتم إشعاله بشكل متعمد بهدف تحويل الأشجار إلى فحم يتاجر به شبيحة النظام.

منذ يومين، اشتعل 17 حريقاً في غابات ريف طرطوس، وخمسة حرائق في غابات "بيت ياشوط" بريف اللاذقية، ويدرك سكان الساحل السوري يقيناً أنها اشتعلت على أيدي الشبيحة لتحويلها لاحقاً إلى فحم.

شهدت غابات ريف الساحل منذ بداية ثمانينات القرن الماضي أسوأ حرائق أسفرت عن القضاء على 70% من مساحتها، وكان بطل الإشعال حينذاك فواز جميل الأسد ابن عم بشار، الذي تحول إلى أهم تاجر لمادة الفحم في تاريخ سوريا.

كيف ولماذا؟

"ولك هنت شعّل غابات الفرللق، وهنت روح شعّل بصلنفة".. هذا جزء من أوامر كان يصدرها لعناصره التشبيحية مع بداية كل خريف، وكانت أوامر إشعال الحرائق تصدر بالعشرات سنوياً، حسب قول أحد العناصر العاملين سابقاً لديه.

ويضيف المصدر لـ "اقتصاد": "آلاف الهكتارات من غابات الساحل تتحول بين عشية وضحاها إلى أشجار باسقة يكسوها السواد، ويساعد في تسارع عملية الاشتعال الجفاف وأوراق الخريف اليابسة".

ويشرح كيفية تحويل الغابات المحترقة إلى فحم، فيشير إلى أن فواز كان يوجه مدير الزراعة للإعلان عن مزايدة من أجل قطع الأشجار وتعزيلها من مكان الاحتراق، "وكالعادة لا يتجرأ أحد على التقدم إليها إلا شخص واحد يتبع له، ترسو عليه ولو تقدم بعرض لا يتناسب إطلاقاً مع مساحة الأرض المحترقة وكميات الأشجار فيها".

تقوم مجموعة كبيرة من العمال بتحويل الحطب إلى فحم يتم بيعه في كل سوريا، ويصدّر فواز النوعية الجيدة منه إلى الخليج العربي وأوروبا.

اليابس والأخضر

ولكن أخطر ما كان يقوم به ابن عم الرئيس هو استغلاله رخصة التعزيل لقطع أعداد هائلة من الأشجار الخضراء وبيعها لمناشر صناعة الأثاث المنزلي، حسب قول المصدر.

وكان إشعال الحرائق يتركز بشكل رئيسي في جبلي الأكراد والتركمان، حيث قضى على مساحات كبيرة من آخر غابات العزر والشوح والأرز في سوريا، ولم يوفر الأسد الغابات الصناعية التي غرستها وزارة الزراعة والهيئة العليا للتشجير، وحتى المحميات الطبيعية.

وبالتوازي مع ذلك أحرق عشرات الضباط والمسؤولين مساحات واسعة من غابات ريف جبلة والقرداحة لتشييد فلل ومنتجعات سياحية واستثمار بعضها في الزراعة، ألغت غابات كاملة عن ساحة الخضرة السورية.

"الحرائق كانت تتم تحت أنظار وبمعرفة مسؤولي الساحل وفروعه الأمنية، الذين لا يتجرؤون على معاقبة الفاعل، وكان فواز يدفع لهم مبالغ بين الفينة والأخرى لعدم إثارة غضبهم ومحاولة منعه من إشعالها مجدداً"، حسب المصدر.

وتحدث عن اعتقال الأمن (في كثير من الحالات) لفلاحين بسطاء وتحميلهم مسؤولية إشعال الحرائق لمجرد امتلاكهم أراض قريبة من مواقع الحرائق، في محاولة منهم لإبعاد التهمة عن ابن عم الرئيس بإيعاز منه.

الحرائق الأخيرة

رجحت شبكات إعلام موالية للنظام قيام من أسمتهم "الشبيحة الجدد" بافتعال حرائق طرطوس وجبلة للغاية ذاتها، مستغلين انشغال الأمن والجيش عن أفعالهم، وطالبت بوضوح، بضرورة معاقبة هؤلاء.

ولكن المؤشرات الأولى لا تدل على اتخاذ أي إجراء قانوني بحق الفاعلين الحقيقيين، حيث تم القبض مجدداً على فلاحين بسطاء في تكرار للمشهد الذي أخرجه الشبيح السابق فواز الأسد قبل 35 عاماً، بعد تحقيقات شكلية قامت بها الشرطة ودوائر الحراج، حسبما أوردت شبكة أخبار طرطوس.

الحرائق المتجددة أثارت حزن أبناء الساحل والسوريين عموماً، وعبر عن ذلك الرجل السبعيني أبو الوليد قائلاً "من أجل فحم الأركيلة أحرقوا غابات يتجاوز عمر أشجارها مئات السنين، لا ضمير فيهم ولا أخلاق".

يذكر أن النظام أسهم بالمزيد من الحرائق من خلال قصفه لغابات ريف اللاذقية بمادة النابالم الحارق على مدى السنوات الخمس الماضية، لمنع الثوار من اتخاذها غطاء لتحركاتهم ضد جيشه والميليشيات التي تقاتل إلى جانبه.

ترك تعليق

التعليق