ماذا حل بزيتون حوران؟


مع توالي سنوات الثورة وسوء الأوضاع الاقتصادية التي تعيشها البلاد نتيجة الحرب، إلى جانب الظروف المناخية السيئة، وقلة الأمطار خلال تلك السنوات، شهدت زراعة الزيتون في محافظة درعا تراجعاً كبيراً، بعد أن كانت تحتل صدارة الأشجار المثمرة، باعتبارها الزراعة الأبرز، وأكثرها إدراراً للدخل.

ويقول المهندس الزراعي "عماد"، بمرارة، "لم نعد تشاهد تلك المساحات الشاسعة من حقول الزيتون التي كنت نشاهدها قبل سنوات الثورة السورية في معظم مناطق محافظة درعا"، لافتاً إلى أن الظروف المناخية السيئة التي شهدتها المنطقة، وما رافقها من قلة الأمطار، دفعت بالكثير من المزارعين إلى قلع أشجار الزيتون المعمرة وتحطيبها، بغرض التدفئة وبغرض بيعها للإنفاق على الاحتياجات الضرورية اليومية، وذلك بعد أن ساءت أحوال الناس، بسبب عدم وجود مصادر رزق ثابتة، وانتشار الفقر والبطالة بشكل كبير في صفوف المواطنين، في كل المناطق تقريباً.

وأضاف أن "زراعة الزيتون كانت تعتبر من الزراعات الأساسية قليلة التكاليف، لكنها أصبحت الآن مكلفة جداً، بسبب عدم وجود مصادر ريّ ثابتة، وارتفاع أجور النقل، وارتفاع أسعار المشتقات النفطية وغيابها في كثير من المناطق ولاسيما في مناطق حوض اليرموك الأقصى"،  مشيراً إلى أن المزارع سيدفع مبالغ كبيرة في حال قيامه بريّ الأشجار بواسطة الصهاريج ونقل المياه إلى الحقول من مصادر الري البعيدة، وهو ما يفوق إمكاناته، بسبب ضعف الجدوى الاقتصادية من الإنتاج المتوقع.

من جهته، قال أبو علي، وهو مزارع يملك نحو 300 شجرة زيتون، إن هذا الموسم سيء جداً، وبعض  الأشجار في حقله لا تحمل الثمار على غير العادة، فيما تحمل بعض الأشجار ثمار زيتون جافة، عازياً ذلك إلى العطش الذي أصابها، يضاف إلى ذلك أنها لم تلق العناية الكافية لعدم قدرته على الوصول إليها، بسبب الأعمال القتالية وقيام قوات النظام باستهدافها، بحجة وجود ثوار فيها.

وأشار أبو علي إلى أن مساحات واسعة من أشجار الزيتون في الحقول القريبة يغيب عنها اللون الأخضر، بسبب العطش، إذ يبدو ذبول الأوراق وانكماشها واضحين للعيان، ومن مسافات بعيدة، وهو مؤشر كبير على احتياجها للمياه، وبكميات كبيرة.

وأضاف أبو علي أن موسم الزيتون بالنسبة له وللكثير من المزارعين في المحافظة، كان يعتبر واحداً من أهم المواسم الزراعية بعد المزروعات الحقلية، ويكاد يتفوق عليها من حيث الربح والدخل المادي، لكنه أصيب بانتكاسة كبيرة لغياب العناية والاهتمام بسبب عمليات النزوح والهجرة، ولعدم توفر الإمكانات المادية والمستلزمات الزراعية، لافتاً إلى أنه بدأ بتحطيب بعض الأشجار لاستخدامها خلال الشتاء القادم في عمليات التدفئة والطهي، بسبب عدم وجود بدائل أخرى، بعد أن تم استنزاف الحراج والأشجار الحراجية في الأودية والمصبات النهرية خلال السنوات السابقة.

من جهته، قال عبد الرحمن الأحمد، وهو موظف سابق، إنه كان يملك حقلاً من الزيتون يضم نحو خمسين شجرة عمرها أكثر من 20سنة، كانت تؤمن حاجات أسرته من زيت الزيتون وزيتون المائدة، ويبيع الفائض منها، لكنه بدأ قبل عامين بتحطيب بعض منها، وبيعها لتأمين المال للإنفاق على أسرته، وذلك لعدم عثوره على أي عمل ثابت، بعد أن تم فصله من  وظيفته، لافتاً إلى أنه باع الشجرة الواحدة المعدة للحطب العام الماضي بنحو 12 ألف ليرة سورية، حيث بلغ مجموع ما باعه حتى الآن نحو 30 شجرة معمرة.

بدوره، أكد "محمد"، وهو تاجر حطب، أن تجارة الحطب تحتاج إلى رأسمال كبير وهي تجارة مربحة، كما أنها  تحتاج إلى بحث طويل بسبب قلة الأشجار المتوفرة، لافتاً إلى أنه كان في السابق يتاجر بالأشجار الحراجية كالكينا والملول وغيرها، لكن هذه الأشجار حطبت بالمحافظة عن بكرة أبيها تقريباً.

وأضاف أنه أمام عدم وجود ما يتدفئ به الناس، وبسبب ارتفاع أسعار الوقود وحالة الفقر التي وصل إليها الأهالي، بدأ المزارعون يقطعون بعض أشجار الزيتون، وبيعها كحطب، لافتاً إلى أنه اشترى خلال الموسم الحالي، عشرات الأطنان من أشجار الزيتون التي استغنى عنها أصحابها بسبب ظروفهم المادية السيئة.

وأشار إلى أنه يشتري الشجرة الواحدة بحسب الحجم وكمية الحطب المقدرة، حيث يتراوح سعر الشجرة ما بين 7 و 12 ألف ليرة سورية، لافتاً إلى أن سعر طن الحطب يبلغ نحو 50 ألف ليرة سورية، وأن أرباحه عن كل طن تقريباً 15 ألف ليرة سورية.

من جهته، أكد المهندس الزراعي "أبو مروان" أن ما يميز ثمار الزيتون هذا العام، تصبغها باللون الأسود قبل الأوان، بسبب ارتفاع درجة الحرارة وقلة المياه، ما حرم الكثير من المواطنين من الاستفادة بشكل كبير من الزيتون المعد للمائدة، لافتاً إلى أن محافظة درعا كانت تعد من المحافظات السورية الرائدة بزراعة الزيتون، نظراً للظروف المناخية المناسبة، ولتربتها الخصبة، وإقبال الناس عليها كأحد المداخيل الزراعية الرابحة.

وأضاف أن "حقول الزيتون كانت تمتد على مساحات واسعة في المحافظة قبل الثورة، لكن هذه الزراعة بدأت تتراجع بسبب ظروف الحرب، وعدم الشعور بالاستقرار، وعدم قدرة المزارعين على العناية بحقولهم"، مشيراً إلى أن عدد أشجار الزيتون بلغ في جميع مناطق المحافظة في فترة ما قبل الثورة، أكثر من 6 ملايين شجرة مثمرة، يتجاوز إنتاجها 60 ألف طن من ثمار الزيتون، ونحو 12 ألف طن من زيت الزيتون ذي المواصفات الغذائية الجيدة، تتولى عصرها نحو 40 معصرة زيتون حديثة، لكن الآن لم تعد هذه المعاصر موجودة، إذ لا يتجاوز العدد المستثمر منها نحو 10 معاصر، فيما انخفض عدد الأشجار المثمرة بشكل كبير نتيجة تغير الظروف المناخية، وعمليات الاحتطاب، بغرض الطهي والتدفئة.

وحذّر من أن استمرار الأعمال القتالية وتداعياتها، وتوقف حركة العمل والإنتاج، وحالة الفقر التي حلت بالسكان، ستدفع الأهالي إلى قطع الأشجار المثمرة التي تعد إحدى مصادر رزق المواطنين، بغرض التدفئة والبيع، حيث الأشجار المثمرة هي آخر ما يملك السكان، بعد إقدام العديد منهم على بيع العقارات والمحال والأراضي الزراعية بغرض الإنفاق المالي على تكاليف الهجرة، وعلى مستلزمات واحتياجات الحياة المعيشية اليومية.

ترك تعليق

التعليق