تعرّف على تسعيرات الرشاوى في "نفوس" تلكلخ


تشهد أغلب المناطق السورية الخاضعة لسيطرة النظام، تفاقماً في معدلات فساد وهيمنة وتسلط الشبيحة والأجهزة الأمنية، ومدينة تلكلخ الواقعة في ريف حمص الغربي، تشكل المثال الصارخ لذلك.

 لم تعد كلمة "الشبيحة"، اليوم، تشمل مسلحين طائفيين يعملون لصالح النظام، فحسب، بل انضوى الكثير من الموظفين والمتطوعين من مختلف المذاهب والطوائف في صفوف هذه المجموعات، وكادوا أو باتوا بالفعل، أكثر فساداً، وأكثر تسلطاً.

 "في السابق كان الفساد مُتخفياً ومستتراً"، يُعلّق أحد أبناء منطقة تلكلخ، ويستطرد: "اليوم تشهد كافة الدوائر الحكومية فساداً قل نظيره، ويمكن ملاحظته بدءاً بالمدارس عبر الغش وتسريب الاسئلة، وليس انتهاءً بالقضاء".

 والمثال الأجلى مما يمكن أن نسلط الضوء عليه، هو "دائرة حكومية"، ذاع سيطها بالفساد والفوضى والرشوة وبشكل علني، إذ تتربع "دائرة السجل المدني في تلكلخ"، عرش الفساد، بشراكة أمنية، بات شعارها "حط المعلوم وخود معاملتك بخمس دقائق"، وإلا فانتظر الفرج.

 تاريخ في الرشاوى وارتفاع التسعيرة

 تميز موظفو دائرة النفوس في تلكلخ منذ ما قبل اندلاع الثورة بسنوات، بأخذ مبلغ كـ "شرطي المرور"، قدره (25) ليرة سورية، على كل معاملة يرغب بها المواطن في دائرتهم، وكان اللافت أنه لم يعترض يوماً أي مواطن "لتمشية الحال"، لكن بدأت قيمة الرشوة ترتفع رويداً رويداً، لتصل بدايةً إلى (200) ليرة سورية، ومن ثم تعاود الارتفاع بالتزامن مع ارتفاع سعر صرف الدولار إلى (2000) ليرة سورية، لتصل إلى (20 ألف) ليرة سورية، لتحقق قفزات وصلت في حالات إلى (200 ألف) ليرة سورية خلال سنوات الثورة الأخيرة، وذلك تبعاً لنوع المعاملة المراد إنجازها من (إخراج صورة قيد مدني، أوتسجيل زواج، أو تسجيل ولادة، أو اخراج هوية، أو بيان زواج أو دفتر عائلي..).

 والعامل الأبرز المحدد لتسعيرة المعاملة، "لتمشيتها"، يتبع لوضع صاحب المعاملة، أهو نظامي مَرضي عنه أم مطلوب، هل هو داخل أم خارج البلد، "وكله إلو سعرو".

داخل أو خارج البلد

 من كان في الداخل يكتفي بدفع مبلغ مادي يتراوح بين (200-2000) ليرة سورية لتيسير وتسيير بعض المعاملات، أما من كان مطلوباً بأي تهمة "إرهاب أو انشقاق.."، أو من كان خارج البلد، فترتب عليه إرسال مبلغ مادي لأحد معقبي المعاملات أو أحد مخاتير المدينة أو أحد موظفي الدائرة وبعض المتعاملين مع جهات أمنية أو من يدور في فلكهم، فتنجز معاملته ويتم المطلوب، لكن هنا المبلغ المدفوع يكون أضعافاً مضاعفة، فمنذ بداية الثورة كان يُطلب مبلغ يتراوح بين (75 -100) ألف ليرة سورية، ومع استمرار الثورة وتطوراتها وتداعياتها، تطورت أسعار الطلب لتصل إلى (200 -300-400) ألف ليرة سورية، بشكل يتناسب طرداً مع أسعار صرف الدولار.

 رشى علنية وشركاء من الأمن

 يمكنك أن تلاحظ وأن تجرب موظفي دائرة السجل المدني (النفوس) في تلكلخ، كيف يتلقون الرشاوى، بشكل علني، بالرغم من مراقبة أمنية مستمرة لهذه الدائرة، إذ يُكلف ثلاثة عناصر من قوى أمنية مختلفة (أمن دولي وأمن عسكري وأمن سياسي) بمراقبة وتدوين ما يخرج من معاملات من هذه الدائرة، ولكن يتم الاتفاق بين هؤلاء العناصر، وبين من عيّنهم، من جهة، وبين الموظفين ومدير الدائرة، من جهة أخرى، ويتقاسمون المبالغ المادية في نهاية كل دوام.

 ازدحام وتأخير في المعاملات

 تمتاز دائرة السجل المدني في تلكلخ بازدحام يومي للمواطنين الراغبين بإجراء معاملاتهم، ولكن الملاحظ، يقوم بعض الموظفين بتعطيل أمور المواطن بحجة انقطاع التيار الكهربائي، أو عدم توفر شبكة الإتصالات، فيضطر المواطن بعد طول انتظار إلى رشوة الموظف لتمرير معاملته، ولا جدوى من الشكوى لمدير الدائرة فهو أكثرهم فساداً، "ولا يمون" على أي موظف في دائرته، فقد أجابته إحدى الموظفات على العلن (ما إلك علاقة بشغلي ولا نسيان حالك أدي بتمرر معاملات من تحت الطاولة).

 ويُلاحظ أنه بإمكان عدة موظفين في الدائرة أن يدخلوا إلى غرفة المدير أثناء غيابه وتدوين ختمه وتوقيعه على معاملة ما ويضعون له المعلوم.

باختصار، يتم العمل في دوائر حكومية خاضعة للنظام وفق النظام الآتي: "أنت اليوم خارج البلد وخارج مناطق سيطرته وتريد تسجيل زواجك أو إخراج دفتر عائلة أو تسجيل ولد.. ما عليك سوى التواصل مع أحد الأقرباء أو المتعاملين في الخارج والداخل وإرسال المعلوم وبتأخد معاملتك من دوائر النظام في مختلف مناطق سيطرته وستحصل عليها خلال شهر، أكثر أو أقل".

ترك تعليق

التعليق