في حوران.. أرامل يحكين لـ "اقتصاد" تجاربهن المعيشية بعد فقدان الزوج


أفرزت الحرب التي تشهدها سوريا منذ أكثر من خمس سنوات ونصف، عدداً كبيراً من الأرامل، نتيجة الأعمال الإجرامية التي قامت بها قوات النظام بحق الرجال، وتركيزها بشكل خاص على مرحلة عمرية محددة من الشباب، ما خلف عشرات الآلاف من النساء بلا معيل، وجعلهن عرضة للفقر والفاقة والعوز في ظل ظروف اقتصادية صعبة، نتيجة توقف دورة الحياة الطبيعية، وعدم وجود جبهات عمل وإنتاج في مجالات الحياة كافة.

ويشير الباحث الاجتماعي، أحمد العلي، إلى أن "هناك العديد من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجه الأرامل في المجتمع رغم احتوائه وصونه لهن بشكل جيد"، لافتاً إلى أن من أبرز المشكلات التي تواجههن الظروف المادية الصعبة، وضعف الموارد الاقتصادية التي تقيهن الفقر والعوز، وعدم قدرة أسر ذوي الشهداء وأولياء الأرامل نتيجة الأوضاع الاقتصادية المتردية تحمل نفقات إضافية، مهما صغرت، إضافة إلى افتقار الكثير من المناطق المحررة إلى جهات وجمعيات فاعلة، تقدم المساعدات للأرامل وأطفالهن، بسبب قلة الإمكانات المادية وتضاؤل وصول المساعدات من الجهات الخارجية والداعمة ، وجفاف مصادر التمويل، كل ذلك دفع البعض منهن إلى البحث عن أعمال تفوق إمكانياتهن أو الموافقة على الارتباط بأزواج خارج قناعاتهن بسبب ضغط الظروف، كأن تتزوج الأرملة بأخ زوجها كزوجة ثانية، حفاظاً على الأولاد، أو برجل كبير السن، وهو ما تسبب بمشكلات اجتماعية كثيرة.

ولفت العلي إلى أن "الكثير من الأفكار المغلوطة التي تحيط بالأرملة أو المطلقة في بعض مجتمعاتنا، جعلت حياتها تزداد صعوبة، ما حد من حركتها ونشاطها في المجالات المختلفة، ولاسيما الاقتصادية منها". 

ويقول الشيخ "عبد الله" إن "النظرة الاجتماعية للأرملة في مجتمعاتنا العربية لازالت قاصرة، رغم أن ديننا الإسلامي الحنيف يحض ويشجع على الزواج وتعدد الزوجات تحصيناً للمرأة، وإبعاد اللغط عنها وكفالتها، وهو ما نشجع عليه في هذه الظروف التي تعيشها البلاد، نظراً لكثرة الأرامل فيها"، داعياً الرجل القادر من الناحيتين الجسدية والمادية إلى الزواج  بامرأة ثانية، للتخفيف من عدد الأرامل والعوانس في المجتمع، بعد أن خلفت الحرب السورية هذا العدد الكبير منهن.

وبكلمات قليلة، تلخص أميرة، 28 عاماً، صعوبة وضعها كأرملة، تقول: "استشهد زوجي في إحدى المعارك  قبل عامين وترك لي ثلاثة أطفال"، مشيرة إلى أن الأمور في البداية رغم الحزن والفراغ الذي تركه زوجها،  كانت مقبولة.

وأردفت، "لكن بعد مرور نحو سنة، بدأت الأمور تسوء شيئاً فشيئاً على الصعيد المادي، إذ ازدادت احتياجات الأسرة التي ترافقت مع ارتفاع الأسعار بشكل كبير، وتضاؤل المساعدات وانخفاض كبير بالراتب المقرر، بسبب قلة التمويل كما قيل لنا، ما أوقعنا وأسرتي في حالة ضيق، دفعت بي إلى البحث عن عمل جديد، فعملت في محل لبيع الملابس النسائية، ومن ثم مساعدة كوافيرة"، مشيرة إلى أن عملها هذا كان يبعدها عن أولادها ساعات طويلة، ما اقتضى البحث عن عمل قريب من أسرتها.

ولفتت إلى أنها تعمل الآن خياطة في منزلها، بعد أن خضعت لدورة أقامتها إحدى المنظمات، مشيرة إلى أنه تقدم لها عدد من الراغبين في الزواج، لكنها رفضت أن تقترن بأحد حفاظاً على أولادها، إذ أنها لا تريد أن تربط مصيرها ومصير أولادها برجل غريب، قد يتنكر لها في يوم من الأيام ويسعى لإذلال أولادها، حسب وصفها.

فيما أكدت "دعاء"، 35 عاماً، أنها لا تفكر بالزواج مطلقاً بغض النظر عن نظرة المجتمع وحساباته، لافتة إلى أن الأرامل في مجتمعنا كثيرات، وأن معظم الأسر فيها أرامل، وبالتالي الكل هنا سواسية، ولكن  المهم أن تصون الأرملة نفسها وتلتزم بعادات وتقاليد المجتمع، وأن لا تسمح بالقيل والقال، وأن تتوفر لها موارد اقتصادية ثابتة تقيها الفقر. 

وقالت إن "غياب الزوج محزن جداً، ويلقي بمسؤوليات كبيرة على كاهل الأم، لكن على الأم أن تتحمل واقعها الجديد، وأن تنهض بمسؤولياتها تجاه أسرتها، لأنها الأولى في تربية أبنائها، وأكثر الناس حفاظاً عليهم، مشيرة إلى أنه ورغم الظروف المالية الصعبة التي تعاني منها، قامت بإصلاح  سيارة زوجها، وتأجيرها مقابل نحو 40 ألف ليرة سورية شهرياً، وهذا المبلغ بالإضافة إلى 10 آلاف ليرة تحصل عليها من محل مؤجر ورثته عن زوجها، تسد احتياجاتها المعيشية.

فيما أكدت "أم غسان"، 43 عاماً، أن معاناتها كبيرة ومسؤولياتها تفوق قدرة تحملها، بسبب الأوضاع الاقتصادية السيئة، وعدم وجود الإمكانات المادية للإنفاق على أسرتها، موضحة أنها أم لست بنات وطفل صغير، أكبرهن في الصف العاشر، وقد قامت بتزويجها رغم صغر سنها للتخفيف من أعباء الإنفاق على الأسرة.

وأضافت أنها بعد موت زوجها بقذيفة طائشة، ووفاة ابنها البكر في معتقلات النظام، فقدت المعيل والمنتج،  لافتة إلى أنها بدأت  تعمل هي وأسرتها في حقول المزارعين خلال المواسم الزراعية المختلفة لتأمين بعض احتياجاتها، إضافة إلى أن إحدى الجمعيات الإغاثية كفلت طفلين من أسرتها، وبدأت تقدم لهما بعض المساعدات المادية والعينية.

فيما تساءلت "ختام"، 22 عاماً، "كيف لي أن أتزوج بعد زوجي؟، ولمن أترك طفلي؟"، مشيرة إلى أنها لن تقدم على هذه الخطوة، رغم أنها تركت بيت زوجها وعادت إلى بيت أهلها، لأنه لا يجوز حسب العادات والتقاليد بقائها في منزل زوجها والعيش مع أسلافها "أخوة زوجها"، رغم أن أحدهم تقدم لها لتكون زوجته الثانية، متسائلة، "كيف أصبح ضرة لزوجته وهي كانت أختي وصديقتي وأقرب الناس لي؟".

وأضافت ختام أنها ستكرس حياتها لطفلها، وأنها ستعود إلى دراستها الجامعية إن تمكنت، لافتة إلى أنها في السنة  الجامعية الثالثة تخصص معلم صف، وأنها أوقفت دراستها بسبب الخوف من التنقل عبر الحواجز.

وحول نظرة المجتمع للأرملة قالت إن "المجتمع الحوراني شأنه شأن المجتمعات العربية الملتزمة الأخرى، يحافظ على الأرامل، ويسعى إلى التخفيف عنهن من خلال التعاطف معهن ومد يد العون والمساعدة لهن"، لافتة إلى أن هناك بعض  الصعوبات تقف أمامها، وتحد من حركتها رغم أن تصرفاتها في إطارها الطبيعي،  حسب وصفها.

ترك تعليق

التعليق