كثير من السوريين في أوروبا.. "اكذب أكثر"


من مساوئ غربة السوريين وهجرتهم عن بلدهم، أنه اختلط بها الحابل بالنابل، فلم تعد تعرف "القرباطي" من البرجوازي من "المنتوف" من الموالي للنظام إلى الموالي للثورة..

فالكل في مهجره، ينحدر من أصول رفيعة، وخرج من سوريا عن تجارة و"عز" وأملاك وخدم وحشم وشهادات عليا، أو أنه كان من زعامات الثورة في الداخل، والسفارات الأوروبية هي من تقاتلت على جلبه، بعد أن علمت بإنجازاته في معارضة النظام..!!

هذه الحالة انعكست على تعامل السوريين مع بعضهم البعض، حيث أصبحوا أكثر حذراً، وقلما تجلس مع سوري في أوروبا إلا ويشكي لك، بأنه يشعر بأن السوريين هنا مغلفين بأقنعة غير حقيقية ولا تعكس حقيقتهم.. فالكل بحسب وجهة نظر "مروان"، اللاجئ في فرنسا، يكذب حتى في أبسط المعلومات، كما أنه من الصعب أن تتحقق من هوية الشخص الذي تجتمع أنت وإياه في مدينة في أوروبا، لكن بنفس الوقت ليس أمامك إلا أن تتعاطى معه وأن تقبله على علاته.. ويتساءل مروان: "لماذا لا نكون صريحين في شرح أوضاعنا وعرض حقيقتنا، على الأقل فيما بين بعضنا البعض..؟"، ويتابع: "من يعتقد أن أوروبا منحته اللجوء بناء على المعلومات المزيفة التي قدمها لهم، فهو واهم.. فمن مزايا الأوروبيين، أنهم يتركونك تقول ما تشاء عن نفسك، حتى لو أخبرتهم أنك تحمل شهادة دكتوراه، لكنك لم تستطع جلبها بسبب ظروف الحروب، فإنهم يسجلون في ملفك أنك تحمل هذه الشهادة بينما أنت قد تكون مجرد عامل عادي.. لكنهم على أرض الواقع يعرفون كل شيء عنك.. أو أنهم سيعرفونه عاجلاً أو آجلا ً.. وعندها تقع بالطامة الكبرى وهي الكذب.. والأوروبيون، يتساهلون في كل شيء إلا الكذب عليهم وخداعهم..".
   
ويعتقد مروان، أن السوريين على وجه الخصوص، ليسوا بحاجة لتغليف أنفسهم بأغلفة غير حقيقية.. فمأساتهم ومأساة بلدهم، هي جواز سفر من الدرجة الممتازة لكي يدخلوا أي بلد في العالم ويحصلون على اللجوء فيه وحتى دون أن يكون لأحدهم قصة مميزة أو وضع خاص.. فلماذا يكذبون حتى على بعضهم البعض.. يتساءل مروان من جديد..؟!

بالانتقال لمعرفة هذه الظاهرة وأسبابها، استعنا بالخبير في علم الاجتماع، الدكتور اسماعيل العمري، وهو سوري كان يدرس سابقاً في جامعة أم درمان في السودان، وهو مختص أيضاً في شؤون التربية.. يقول: "هذه الظاهرة ليست خاصة بالسوريين فقط، بل العراقيون الذين سبقوا السوريين إلى أوروبا عانوا منها، وكذلك الأكراد الأسبق باللجوء وتقريباً أغلب الشعوب الشرقية التي تحاول اللجوء إلى أوروبا أو أمريكا".

 ويرى العمري أن السبب بالدرجة الأولى، وفي البداية، لا يعود إلى الرغبة الفعلية بالكذب، وإنما بالحصول على اللجوء تحت أي ظرف.. هناك الكثيرون يخشون من رفض ملفاتهم باللجوء، وهم يعتقدون أن من يقول الصدق يتم رفض ملفه، لكن في الحقيقة أن ملفاتهم رفضت لأنهم كذبوا..

 ويتابع الدكتور اسماعيل: "ما يحدث أن من يتم رفض ملفه باللجوء لا يقول أن السبب هو كذبه وإنما لأنه لم يبالغ بالكذب.. وهو يوصل فكرة للآخرين بهذا الأمر، وبعضهم يقولها صراحة: (لكي تحصل على اللجوء يجب أن تكذب أكثر)".
 
النقطة الثانية، يضيف العمري، أن أوروبا كما هو معروف بلاد متقدمة والكثيرون ممن يفدون إليها يشعرون بالفارق الحضاري مع بلدانهم.. وهم يدركون أنهم لكي يستطيعوا الاندماج داخل المجتمع والاستمرار في هذه البلاد، يجب أن يكونوا من سوية ثقافية معينة، تفرضها ظروف مهارات التعلم الجديدة المطلوبة من اللاجئ، وكذلك ظروف العمل، فهو لا يريد أن يقول أنه غير قادر على الاندماج ولا يملك مؤهلاته.. ناهيك عن الأوضاع المعاشية الراقية في هذه البلاد والتي تتطلب من الشخص أن يحسن التعامل معها ويظهر للآخرين بأنه لم يخرج من بلده من جوع أو فاقة..!!

كل ذلك بحسب رأي الدكتور اسماعيل، يدفع البعض لأن يتوارى خلف عالم لم يكن عالمه في السابق، وبنفس الوقت يعتقد بأن اللاجئين متساويين مهما كانت الفروقات كبيرة، الثقافية والمادية والعائلية، في بلدهم الأصلي..
 
أما عن انعكاسات هذا الأمر على علاقة السوريين فيما بين بعضهم البعض، يعتقد الدكتور العمري بأن ذلك يقلل من فرص تكتل السوريين في المجتمعات الجديدة التي وفدوا إليها وقد يحولهم إلى مناهضين لبعضهم البعض، فلا أحد يريد أن يكون أقل من الآخر.. لكنه يرى أنه مع المستقبل سوف تتوارى هذه الفروقات مع جيل الأبناء والذين سيحملون مفاهيم مختلفة عن أهلهم، لا تعطي وزناً للقيم التي خرج بها آبائهم من بلادهم وحاولوا العيش بها في البلاد الجديدة.. وهذا الأمر، بحسب قوله، ليس بحاجة لسنوات كثيرة.. وإنما لبضعة سنوات..

ترك تعليق

التعليق