الزراعة في ريف درعا.. الخيل والحمير تستعيد مكانتها القديمة، وترتفع أسعارها


عاد بعض أهالي ريف درعا المحرر إلى استخدام الخيول والحمير في عمليات الحراثة والنقل والاستخدام الزراعي، وذلك بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة الناتجة عن الحرب التي تشهدها البلاد، وعدم توفر المشتقات النفطية وارتفاع أسعارها، وبسبب توقف العديد من الآلات الزراعية عن العمل نتيجة قدمها وعدم توفر قطع الغيار لبعضها.

وأشار المزارع عماد، 30 عاماً، إلى أنه "اشترى حصاناً خاصاً بالأعمال الزراعية  بنحو 150 ألف ليرة سورية، وقام بحراثة كل أراضيه بواسطته، مستخدماً العود الخشبي لهذه الغاية، والذي كلفه نحو 20 ألف ليرة سورية"، لافتاً إلى أن تجهيزات الخيل للحراثة مع سعره تكلف ما بين 150 و 200 ألف ليرة سورية، في حين كان كل ذلك قبل الثورة لا يتجاوز 20 ألف ليرة سورية.

وأشار إلى أنه بعد أن أنهى حراثة أرضه، يعمل الآن على حراثة أراضي الفلاحين بالإيجار، مقابل 2000 ليرة سورية لكل دونم، موضحاً أن عمله يتركز على حراثة الأراضي الزراعية بين الأشجار المثمرة، وخاصة بين أشجار الزيتون، بهدف القضاء على الأعشاب الضارة وتهوية الأراضي المحيطة بشجرة الزيتون، إضافة إلى حرث بعض  الحيازات الصغيرة لزراعتها ببعض الخضار  لتكون جاهزة للاستهلاك خلال رمضان القادم.

ولفت عماد إلى أنه كان قد مارس مهناً مختلفة خلال الثورة لكنه لم ينجح بأي منها بسبب تركز هذه المهن في منطقة محدودة، مبيناً أن هناك إقبال من الفلاحين على عمله الجديد وأنه ينجز يومياً حراثة من ثلاثة إلى أربع دونمات، يصل إيجارها إلى  8 آلاف ليرة سورية.

من جهته، قال نضال، 27 عاماً، وهو يقوم بنفس العمل، "صحيح أن العمل متعب وشاق لكنه مربح وأمّن لي فرصة عمل، لن ينافسني عليها الكثيرون، لعدم وجود الخيول بشكل كبير، ولغلاء أسعارها"، مشيراً إلى أنه تمكن من سداد ثمن الخيل الذي اشتراه بفترة قصيرة، نتيجة الطلب المتزايد على عمله، وأنه وفر بعض المال لتحسين أموره المعيشية.

من جهته، أكد الحاج أبو محمد، 65 عاماً، أن الثورة أعادت المواطنين إلى أيام الخمسينات والأربعينيات من القرن الماضي، عندما كانت الحيوانات كالأبقار والخيول والحمير هي وسائل العمل الأساسية، لاسيما في القطاع الزراعي.

 ولفت إلى أن الفلاح الحوراني كان يقتني عدة رؤوس من هذه الحيوانات لهذه الغاية، وكان يمضي وقته طيلة العام بين حرث الأرض وجمع المحصول، الذي كان معظمه يذهب إلى الإقطاعي في نهاية الموسم.

وأضاف أن "ما يحصل الآن شبيه بما كان في تلك الأيام، وكأننا نقلنا بلمحة عين إلى ذلك القرن بعد أن تعودنا الرخاء"، لافتاً إلى أن كل ما كان يستخدم في تلك الفترة، عاد المواطن السوري إلى استخدامه الآن بسبب الحرب.

وقال إن "الفلاح الحوراني عاد إلى العمل اليدوي واستخدام وسائل العمل البدائية في العمل الزراعي، كعود الحراثة، والنورج /لوح الدراس/، والكدانه، والمنجل، التي بدأت تظهر مع سنوات الثورة وصعوبة العيش، بعد حالة الرخاء التي كنا نعيشها"، مشيراً إلى أن هم المواطن أصبح بعد كل هذه السنوات من الثورة، هو الأمان والحصول على لقمة تسد جوعه وجوع أطفاله، في ظل تأزم الظروف الاقتصادية ومصاعب الحياة.

وقال أبو خالد، 63 عاماً، وهو فلاح من الريف الغربي، "نحن مجبرون على هذه الأعمال وإلا متنا جوعاً لعدم وجود أي شيء آخر نعتمد عليه في حياتنا"، مبيناً أن الزراعة وما تعطيه الأرض من خيرات هي التي تحمي الناس من الجوع بعد هذه المعاناة الكبيرة التي يعيشها الشعب السوري، "فمن هذه الأرض نحصل على الخضار والقمح والطحين والزيتون. وهي مصدر حياتنا".

وأشار إلى أن "معظم هذه الأراضي كانت شبه متروكة لبعض المستثمرين الصغار لانشغال أصحابها بالوظائف والأعمال التجارية، والتي توقفت كلها بسبب الحرب لكن أصحابها عادوا للعمل فيها واستثمارها بأيديهم تحت ضغط الحاجة".

وأضاف "أثناء الموسم الزراعي انقطع كل شيء عنا بسبب الحصار، فلا مازوت ولا بنزين، وتوقفت الآليات الزراعية عن العمل، ووصل سعر لتر المازوت لأكثر من 1000 ليرة سورية، الأمر الذي أصبح معه العمل الزراعي صعباً جداً"، مشيراً إلى أن الفلاح أصبح مجبراً على العودة إلى الطرائق البدائية في العمل الزراعي، وذلك لتأمين مصدر عيشه.

من جهته، أكد  أيهم أن  "سعر الحمار أو (الأتان) وصل إلى ما بين 50 ألف و 75 ألف ليرة سورية في بعض مناطق ريف درعا، بعد أن كانت هذه الحيوانات متروكة أو سائبة"، لافتاً إلى أن المواطنين كانوا يحملون هذه الحيوانات بسيارات النقل إلى الأودية والمناطق البعيدة للتخلص منها، لأنها كانت تأكل المزروعات وتخربها، لكن فجأة وبسبب الحاجة لعملها، باتت ضرورية وبات لها سعر وثمن، حيث تستخدم في أعمال والنقل والجر والركوب، وخاصة في الأعمال الزراعية.

وأشار إلى أن "عربة الجر التي تجرها الخيول لازالت مستخدمة في بعض قرى حوران رغم كل التطور الذي حصل، ولا تزال تستخدم في نقل المحاصيل الزراعية من الحقول، والحبوب من البيادر"، مبيناً أن كثيراً من الأسر التي تعمل في القطاع الزراعي، وتتخذ منه مهنة أساسية، لازالت تحتفظ بهذه العربات وتستخدمها منذ عشرات السنوات رغم التطور التقني الذي كانت قد شهدته البلاد.

يشار إلى أن  الكثير من المهن والأدوات كانت بحكم المنقرضة، لتوقف السكان عن استخدامها في ظل التطور التقني الذي شهدته البلاد خلال العقود الخمسة  الماضية، لكن  الحرب وتداعياتها والظروف الاقتصادية الصعبة، دفعت بالمواطن السوري إلى إحياء الكثير من المهن والأدوات والعودة إلى استخدامها.

ترك تعليق

التعليق