الحرب السورية التي قد تمتص روسيا


في خضم التعليقات المتداولة في وسائل الإعلام الروسية، حيال اتفاق "مناطق تخفيف التصعيد" في سوريا، ورد تعليق لعميد إحدى كليات مدرسة الاقتصاد العليا في موسكو، سيرغي كاراغانوف، امتدح فيه الاتفاق، وألح على ضرورة تنفيذه، مبرراً ذلك بعبارة ملفتة.."إننا بحاجة إلى أي اتفاق، في نهاية المطاف، لأن الحرب التي لا تنتهي قد تمتصنا".

وفيما يحذّر نشطاء سوريون من معالم تقسيم مرتقب لسوريا، يُلوح بها الاتفاق المذكور، يلح النشطاء الروس على ضرورة تنفيذه، تعبيراً عن نفاذ صبر الروس حيال استمرار تورط بلادهم في سوريا، دون أفق سياسي واضح.

بالأرقام، تخسر روسيا، 40 مليار دولار سنوياً، بسبب العقوبات الغربية عليها، تلك العقوبات التي أمل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن يتمكن نظيره الأمريكي المحبب إليه، دونالد ترامب، من أن يزيلها. لكن الأخير أُلجم بضغط مراكز القوى والتكنوقراط المؤسساتي والسياسي الأمريكي الفاعل. فقرر استمرارها.

أما خسائر الموازنة الروسية تحت ضغط تدني أسعار النفط، فوصلت تقديراتها منذ سنتين، إلى 100 مليار دولار أمريكي سنوياً.

وحسب تقرير ملفت لصحيفة "لوموند" الفرنسية، صدر منذ أشهر، فإن ميزانية الدفاع الروسية، السرية، تحصد 20% من الناتج الإجمالي القومي لروسيا، الأمر الذي يهدد الاقتصاد المترنح.

كانت السلطات الروسية قد أعلنت نهاية العام الفائت أن ميزانية الدفاع الروسية ستُخفّض، بسبب الأداء الاقتصادي الضعيف للبلاد، بواقع 8% خلال العام 2017، أي بما يقدر بـ 6 مليارات دولار. لكن مراقبين يعتقدون أن هذه الأرقام الرسمية ليست دقيقة، وأن الميزانية الحقيقية لوزارة الدفاع الروسية، سرية، وتذهب في معظمها لخدمة المجمع الصناعي العسكري الروسي.

ومع عودة الأمريكي بقوة إلى سوق السلاح، عبر ضربة مطار الشعيرات، وقبله، عبر خرق الطيران الإسرائيلي المصنّع أمريكياً، للأجواء السورية قرب مواقع روسية، وسط صمت الصواريخ الروسية في سوريا، يبدو أن الأمريكيين يشاغبون بقوة على ما أنجزته روسيا من تسويق ودعاية لسلاحها عبر مشاركتها العسكرية المباشرة في سوريا، والتي انعكست ارتفاعاً في الطلب على إنتاجها من السلاح.

وخلال أيام، سيصل دونالد ترامب إلى السعودية في زيارة نوعية، وهو يحمل ملفات عدة، من بينها، ملف صفقات تسلح مع السعودية بمليارات الدولارات. وكانت السعودية إحدى الدول التي أخذت تتوجه صوب السلاح النوعي الروسي في عهد إدارة أوباما، كرد فعل على الانكفاء الأمريكي عن المنطقة، مقابل الانخراط الروسي الكبير فيها. يبدو أن البوصلة تعكس اتجاهها اليوم، وبدأ ذلك مع السعودية، أبرز مستوردي السلاح، وأكثرهم ثراء، في الشرق الأوسط، التي عادت لتيمم وجهها شطر السلاح الأمريكي.

وهكذا يبدو أن الروس يستشعرون ضغط الانعطافة الأمريكية التي تكاد تكتمل باتجاه العودة إلى المنطقة بقوة. ويحاول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن يتجنب أي منعكسات سلبية لتلك العودة، على مصالح استثماره السياسي والعسكري في سوريا، فكان طرح مناطق "تخفيف التصعيد" لقطع الطريق على مشروع المناطق الآمنة الذي طرحه دونالد ترامب منذ أسابيع، ولم تكتمل الرؤية حياله.

وفي سبيل ذلك، تحاول موسكو جذب الأتراك إلى صفها، فتسارع في ترتيب صفقة إنشاء أول محطة للطاقة النووية في تركيا، ليبدأ العمل فيها بعد شهر، بعد أن كان المخطط لها أن يبدأ العمل فيها عام 2023.

مقابل ذلك، يبدو أن موسكو حصلت على دعم تركي لخطتها في ترتيب مناطق "آمنة"، تقطع الطريق على الأمريكيين، قبل أن يتموا استدارتهم نحو الملف السوري، بدفعٍ سعودي مرفق بتمويل سخي.

بكل الأحوال، يحاول الروس إنقاذ ما يستطيعون إنقاذه من استثماراتهم المهدورة في سوريا، سياسياً وعسكرياً، والتي لم تُؤتِ أُكلها حتى الآن، قبل أن يسلبهم الأمريكي إياها. فيما ينتظر الأخير مراقباً، ويرتب أوراقاً ما تزال خفية على الكثيرين.

ترك تعليق

التعليق