الراحة الحورانية.. تعود للظهور مجدداً


تعتبر الراحة واحدة من أشهر الصناعات البسيطة في محافظة درعا. وقد شهدت هذه الصناعة، التي تعتبر من الصناعات التراثية في درعا، تحولات وتغيرات كثيرة، وأضيفت إليها منهكات ومواد جديدة أكسبتها مذاقاً لذيذاً، وجعلتها في مقدمة الحلويات الشعبية المعروفة على مستوى سوريا، بل تجاوزتها إلى بعض الدول العربية.

ويقول أبو أحمد، 60 عاماً، وهو أحد العاملين في هذا المجال، إن "صناعة الراحة في المحافظة شهدت تراجعاً كبيراً نتيجة الأعمال العسكرية وعمليات الاستهداف المتواصلة لمناطق درعا، ولاسيما أحياء درعا البلد والمنطقة الصناعية، التي كانت تتركز فيها هذه الصناعة"، لافتاً إلى أن الملاحقات الأمنية والقصف المستمر من قبل قوات النظام والميليشيات المتعاونة معها للمدنيين ولمشاريع البنية التحتية، تسببا بهجرة المواطنين وأصحاب الفعاليات ورؤوس الأموال إلى مناطق آمنة، سواء داخل البلاد أو خارجها.

وأضاف أن "من أهم العوامل التي أدت إلى تراجع هذه الصناعة في درعا، ارتفاع أسعار المواد الأولية الداخلة في صناعتها ولاسيما السكر الذي وصل إلى أسعار عالية جداً حيث تجاوز الكغ منه الـ 500 ليرة سورية في بعض المناطق إضافة إلى صعوبة التنقل بين المحافظات وعدم وجود أسواق تصريف"، مؤكداً عودة بعض هذه المعامل إلى الظهور مجدداً في المناطق التي بدأت تشهد وضعاً أمنياً شبه مستقر، لاسيما في درعا المحطة وبعض المدن والقرى والبلدات الأخرى. 

ويشير أبو أحمد الذي عمل في هذا المجال لسنوات طويلة في أحد المعامل المعروفة في درعا إلى أن "الراحة سهلة الصناعة وهي تتكون من مادة النشاء والسكر والقطر والماء وكميات صغيرة من ملح الليمون وبعض المنكهات"، لافتاً إلى أن صناعة الراحة عرفت في درعا منذ خمسينات القرن الماضي، وكان المعروف منها الحمراء والسادة والمحشية بالفستق أوالصفدية نسبة إلى صفد في فلسطين.

وأضاف أن "هذه الصناعة التي أدخلها الدمشقيون في منتصف القرن الماضي إلى درعا شهدت تطوراً كبيراً خلال فترة ما قبل الثورة نتيجة الإقبال عليها، وبدأت المعامل تتفنن في إنتاجها وإضافة النكهات المختلفة والمكسرات عليها، لتظهر الراحة بالسمسم والكاجو والفواكه وبجوز الهند ليتجاوز عدد أنواعها أكثر من أربعين نوعاً مختلفاً". 

ويشير الحاج أبو عوض، 70 عاماً، وهو معلم مدرسة متقاعد، إلى أن "الراحة كانت الحلويات الشعبية الوحيدة المنتشرة في الخمسينات والستينيات من القرن الماضي"، لافتاً إلى أنها كانت مرتبطة بأعمال الزراعة والحصاد ارتباطاً وثيقاً، حيث كانت زوادة الفلاحين إلى الحقول والبساتين في كل وقت وحين.

وأضاف أن "الراحة كما غيرها من المواد الاستهلاكية الأخرى كانت في تلك الفترة تقايض بالقمح أو البيض أو المنتجات الزراعية الأخرى, وهي من الأطعمة التي لا تنسى وخاصة أن من طقوسها أنها كانت تؤكل  مع البسكويت السادة، ويرتبط اسمها باسم البسكوت"، لافتاً إلى أن الفلاحين والعمال في القطاعات الأخرى كانوا يقبلون عليها لأنها كانت تمدهم بالطاقة والنشاط ويستمتع بمذاقها الكبير والصغير.

وقال إن "الراحة الحورانية كانت من أهم الحلويات التي تقدم في المناسبات، وخاصة في الأعراس والاحتفالات العائلية والأعياد والموالد"، مشيراً إلى أنه مهما كانت تشكيلة الحلويات المقدمة تبقى الراحة سيدة الضيافة، نظراً لما لها من أهمية تراثية لدى أهل حوران قاطبة.

وأكد أن"الراحة هي حلويات الأغنياء والفقراء، لأن الكل كان قادراً على شرائها أو مقايضتها بالمحاصيل الزراعية المتوفرة، بسبب أسعارها الرخيصة بالمقارنة مع أسعار الحلويات الأخرى، إضافة إلى أنها تسد احتياج الشخص للسكريات.

 ويشير المهندس عبد الكريم علي، وهو مهندس مفصول من وظيفته، وتبوأ بعض الإدارات في المحافظة قبل الثورة، إلى أن "معامل الراحة كانت في فترة ما قبل الثورة منتشرة بشكل كبير,في معظم مدن المحافظة، وإنتاجها كان بعشرات الأطنان شهرياً بسبب الإقبال عليها من معظم المحافظات والدول الأخرى"، لافتاً إلى أن إنتاجها الاقتصادي كبير، وأنها كانت تؤمن فرص عمل لمئات الأشخاص، وتشكل مصدر دخل لعشرات العائلات الحورانية التي كانت تتخذ منها مهنة أساسية مدرة للدخل.

وأضاف أن "أول معمل للراحة تم ترخيصه بدرعا في ستينيات القرن الماضي، ليتوالى ظهور معامل الراحة التي ازداد عددها بشكل كبير، حيث أشارت الإحصائيات إلى أكثر من 120 معملاً كانت في درعا وريفها في فترة ما قبل الثورة، بلغ رأسمالها عشرات ملايين الليرات السورية"، مبيناً أنها كانت تؤمن أكثر من ألف فرصة عمل وفق آخر الإحصائيات التي نشرت قبل الثورة.

وأفاد أن "معامل الراحة في المحافظة الآن وحسب آخر الإحصائيات لا يتجاوز عددها عدد أصابع اليد الواحدة، وسعر الكيلو غرام من الراحة السادة يتجاوز الـ 650 ليرة سورية فيما كان سعرها قبل الثورة أقل من 80 ليرة سورية".

 وأردف أن "سعر الكغ من الأنواع المتواجدة وهي قليلة جداً يبلغ أكثر من ألف ليرة سورية، ويرتفع سعره بارتفاع المواد والمكسرات الداخلة في تركبيتها".

يشار إلى أن محافظة درعا ونظراً لأهمية الراحة، حاولت في العام 2005 الدخول في موسوعة "غينس" للأرقام القياسية من خلال صناعة مكعب راحة عملاق، وذلك في إطار فعاليات مهرجان /ليالي حوران للسياحة والتراث/ الذي أقامه مجلس محافظة درعا بالتعاون مع بعض الفعاليات السياحية والاقتصادية في حزيران من العام 2005 وصل ارتفاعه إلى المتر، وعرضه إلى الستين 60 سم، فيما بلغ وزنه الـ 400 كغ.

وقد استخدم في تصنيع المكعب آنذاك 275 كغ من السكر، و 75 كغ من النشاء، و 50 ليتر من الماء و 400 غ حمض الليمون، و 100 غ من المنكهات، وبلغ حجمه 100 ألف ضعف المكعب العادي، فيما بلغت كلفته 20 ألف ليرة سورية، واستغرق انجازه 12 يوماً، أما المحاولات التي سبقت انجازه فقد استمرت لمدة شهرين، بسبب عدم تماسك المادة المصنوع منها لضخامة حجمه.

ترك تعليق

التعليق