سيناريو مرعب: "النفط السوري من نصيب إسرائيل"


تتفاعل التطورات الميدانية بوتيرة متسارعة في البادية السورية وشمال شرق البلاد، بصورة تصعب أحياناً على التحليل. لكن رائحة النفط هناك، تُزكم الأنوف، وتُوحي بارتباط التصعيد العسكري غير المسبوق، بالذهب الأسود وشقيقه، الغاز.

قديماً، في حقبة الستينات، كان يُشاع، "سوفيتياً"، أن البادية السورية تطوف على بحور من النفط، لكن استخراجه لا يتمتع بالجدوى الاقتصادية، بسبب أعماقه الكبيرة، حسب تلك النظرية التي لم تُثبت حتى اليوم. أما المُكتشف والمُستخرج من نفط سوريا في البادية والجزيرة، إلى جانب الغاز، لا يُعد مُغرياً للقوى الكبرى، حسب القناعة السائدة في أيامنا هذه. تلك القناعة التي رسختها مراكز بحث نفطية متخصصة، تتبع للدول الغربية الكبرى. فهل تخفي تلك المراكز، الحقيقة؟، أم أننا نتوهم؟

الحراك الأمريكي المتسارع في البادية السورية، وباتجاه الجزيرة، لوراثة تنظيم "الدولة الإسلامية"، في مقابل حراك مضاد شرس، لإيران باتجاه نفس الغاية، بصورة تهدد بصدام عسكري مباشر بين مختلف الأطراف، أمر يطرح الكثير من التساؤلات، حول قيمة تلك الأرض التي يتصارع عليها الجميع، حتى قبل أن يتم القضاء تماماً على تنظيم "الدولة".

منذ أقل من أسبوع، نشرت صحيفة "يني شفق" التركية، المقربة من حزب "العدالة والتنمية" الحاكم، تقريراً في غاية الخطورة، يتحدث عن اجتماع سرّي عُقد في القامشلي، في العاشر من الشهر الجاري، ضم ضباط مخابرات أمريكيين، وسعوديين، إلى جانب مسؤولين في حزب "الاتحاد الديمقراطي الكردي"، ومندوب عن محمد دحلان، القيادي الفلسطيني المُقرب من الإمارات، والذي يتمتع بعلاقات مشبوهة مع إسرائيل، إلى جانب مندوبين عن الحزب الذي يقوده، أحمد الجربا، الرئيس الأسبق للائتلاف المعارض.

موضوع الاجتماع، كان بحث زيادة الدعم الخليجي، وتحديداً، السعودي – الإماراتي، للأكراد، برعاية أمريكية، بهدف تنفيذ سيناريو للسيطرة على كامل إقليم الجزيرة السوري، والحدود السورية العراقية. ومن ثم، مد خط أنابيب ينقل النفط والغاز السوري، عبر البادية السورية، جنوباً، إلى الأردن، ومن هناك إلى إسرائيل، وربما لاحقاً، إلى أوروبا. هذا السيناريو، إن صح، فهو ينال بشكل مباشر من مصالح الروس تحديداً، الذين لطالما كانوا حريصين على عدم وصول النفط والغاز إلى أوروبا، من مصادر أخرى، غير المصدر الروسي.

التقرير المذكور، روجت له وكالة "سبوتنيك" الروسية المقربة من الكرملين. ووصفت "أحمد الجربا"، بأنه معارض مقرب من السعودية، مشيرةً إلى أن الغاية النهائية لهذا التنسيق، هو نقل النفط السوري والغاز الطبيعي والثروات المعدنية، من الحسكة والرقة ودير الزور، بعد طرد تنظيم "الدولة" منها بالكامل، عبر خط أنابيب، إلى الأردن، وصولاً لإسرائيل. على أن يحصل الأكراد على عائد مهم من تلك الثروات، في حال تم تنفيذ ذلك المشروع.

وتقاطعاً مع ما سبق، نشر الناشط السوري، نزار نيوف، المعروف بمواقفه الميالة لإيران وحزب الله وروسيا، رغم معارضته لنظام الأسد، نشر خريطة قال إنها صادرة عن إحدى الجهات البحثية البريطانية، دون أن يُسميها، تظهر المنطقة التي اتفق "حزب الاتحاد الديمقراطي" الكردي وإسرائيل والسعوديين والأمريكيين على اقتطاعها من الشرق السوري من أجل تمرير أنبوب النفط المذكور، ومن أجل الفصل الجغرافي بين العراق وسوريا بناء على طلب إسرائيل.

وقبل أيام قليلة، نشرت صحيفة "الرياض" السعودية، المقربة من العائلة الحاكمة، حواراً مع صالح مسلم، رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، شن خلاله هجوماً لاذعاً على إيران وتركيا وقطر، نافياً أي صلة لحزبه بإيران تحديداً، ومؤكداً على أنها، كالنظام السوري، معادية لحقوق الأكراد، مشيراً إلى وجود تحالف إيراني – تركي – قطري، مناوئ للمصالح الكردية، حسب وصفه، ومنوهاً إلى وجود امتدادات عشائرية عربية للسعودية في الجزيرة السورية، حيث يتشارك العرب والأكراد، السراء والضراء، مع ما يعنيه ذلك من ارتباط عشائري بالمملكة السعودية.

بطبيعة الحال، كان يمكن اعتبار كل ما سبق، مندرجاً في سياق الحرب الإعلامية بين القوى الإقليمية في المنطقة، خاصة في ظل الأزمة الخليجية الراهنة، وكان يمكن التوقف عند هذا الحد، وغض الطرف عن رائحة النفط.

لكن، ما حدث في الأيام الأخيرة، وصولاً إلى بوادر صدام مسلح بين الأمريكيين والإيرانيين ونظام الأسد، وحتى روسيا، على تخوم الرقة، وفي الطريق إلى دير الزور، يدفع للتساؤل، هل يُعقل أن يصل الأمر بقوى إقليمية ودولية كبرى إلى شفير التصادم، لمجرد تسجيل النقاط على بعضهم؟، لا يُعقل ذلك. حينما تجد أن تلك القوى تندفع بشراسة، فاعلم أن وراء ذلك، رائحة تُزكم الأنوف. إنه النفط، وشقيقاته.

وسواء توقفنا عند القناعة السائدة اليوم، حسب مراكز البحث النفطية المتخصصة، بأن الثروة النفطية السورية متواضعة، أو تجاوزنا تلك القناعة إلى سيناريوهات مطروحة بقوة، عن وجود اكتشافات نفطية هائلة في البادية السورية، تصمت عنها مراكز البحث النفطية المتخصصة ذاتها.. سواء قلنا بالقناعة السائدة، أو تجاوزناها، فإن رائحة النفط تبقى تُزكم الأنوف على الطريق إلى دير الزور والرقة.

ويبقى أن كل ما ورد في مهاترات الإعلام المنتمي لدول متصارعة على ترابنا، مما أوردناه أعلاه، يتطلب وقفة جادة للتأمل والبحث والتقصي. فهل القصة باتت أن، "النفط السوري من نصيب إسرائيل؟".

ترك تعليق

التعليق