التراشق الإعلامي والصراع على ثروات سوريا


يمكن قراءة التقرير الذي نشرته صحيفة "الحياة" اللندنية، أمس الخميس، عن منح الأسد ربع النفط السوري للروس، من زاويتين: الأولى، تأكيد وجود صراع إقليمي – دولي على ثروات سوريا في البادية تحديداً. والثانية، انعكاس ذلك الصراع إعلامياً.

فبعد أيام من سلسلة تقارير نشرتها بالتزامن، وسائل إعلام تركية وروسية، ودعمها مركز أبحاث بريطاني، عن وجود مخطط سعودي –إماراتي –كردي، برعاية أمريكية، للاستيلاء على كامل ثروات شرق سوريا وشمالها، وتمديد خط للنفط والغاز عبر الأردن، إلى إسرائيل، لبيع النفط والغاز السوري إليها.. بعد أيام من نشر تلك التقارير، نشرت صحيفة "الحياة"، المحسوبة على شبكة الإعلام السعودي، تقريراً مضاداً، قال معدّه إنه اعتمد على مصادر الإعلام الروسي ذاتها، يفيد بأن نظام الأسد منح الروس ملكية ربع إنتاج النفط السوري، مقابل استعادته عبر جيش من المرتزقة الروس.

التقاذف الإعلامي بين الطرفين، "التركي –الروسي"، و"السعودي"، يؤكد وجود صراع بالفعل على ثروات شرق سوريا وشمالها. كما تؤكده الأحداث الميدانية، ووثائق صادرة عن جهات رسمية تتبع لمؤسسات "الدولة السورية"، الخاضعة لسيطرة نظام الأسد، والتي تقرّ بتوقيع اتفاقات لصالح سيطرة الروس على ثروات سوريا النفطية والغازية، وكذلك الفوسفاتية.

وهو تقاذف، يكشف فيما يكشف، عن وجود تصدع وصراع خفي بين الروس والإيرانيين، على خلفية مساعي السيطرة على المناطق الغنية بالثروات في سوريا. وفيما يبدو أن الروس والإيرانيين يسارعون الخطى للحصول على حصيلة اقتصادية لاستثمارهم العسكري والأمني المُكلف في دعم نظام الأسد. يسارع الأمريكيون أيضاً الخطى، بمشاركة إقليمية، سعودية –إماراتية –أردنية، لسلب تلك الحصيلة المنتظرة، قبل أن يتحصل عليها الإيرانيون والروس.

الصراع على النفط والغاز والفوسفات في سوريا، يرسم حدوداً للعلاقات المتداخلة بين القوى الإقليمية والدولية المتصارعة في سوريا، فيقسمها إلى فريقين واضحين إلى حدٍ ما. لكنه في نفس الوقت، يقسم أحد هذين الفريقين، تحديداً، الروس والإيرانيين، في شرخ داخلي لتحالفهما المزمن في سوريا، بصورة تهدده، وتهدد معه نظام الأسد ذاته.

في حالة الفريق الآخر، الأمريكي – (السعودي –الإماراتي –الأردني) – الإسرائيلي. لا يبدو أن هناك خلافا حتى الآن على تقاسم المكاسب. وللأداة المحلية لذلك الفريق، ميليشيا "قوات سوريا الديمقراطية" ذات القوام الكردي، نصيب وافر من المكسب. والغاية النهائية لذلك الفريق، وفق ما تُوحي به الأحداث، ليس اكتساب تلك الثروات، ذاتها، بقدر ما هو، منع الفريق الآخر، إيران وروسيا، من الحصول عليها. دون أن يلغي ذلك، احتمالية طمع شركات أمريكية، وقوى إسرائيلية، في استثمار ونقل النفط والغاز السوري.

وهكذا، يبدو أن التراشق الإعلامي بين الفريقين، يؤشر إلى دقة وجود هذا الصراع على الثروات التي استولى عليها تنظيم "الدولة الإسلامية" لفترة من الزمن، فيما كانت الدولة السورية تكاد تتهاوى من فقدانها، حتى أصبحت عبئاً ثقيلاً على الخزينة الإيرانية.

ودون شك، فإن الصراع على تلك الثروات، هو من سيحسم المشهد. وعلى مبدأ من يضحك آخراً، يضحك كثيراً، يبدو أن من يُحكم السيطرة على بادية سوريا وشمالها، هو من سيضحك آخراً. لكن في الطريق إلى ذلك، علينا أن نتوقع مسيرة صراع، قد تنحرف بوصلتها، دون قصد، باتجاه صدام مباشر بين القوى المتصارعة.

ترك تعليق

التعليق