"الخاشقجية" حرام في "سوريا الأسد"


"الخاشقجية"، مصطلح استخدمه أحد الإعلاميين لوصف نشاطات، الملياردير السعودي الراحل، عدنان خاشقجي، في الثمانينات. وكان الأخير محل اهتمام وسائل الإعلام العالمية، نظراً لأدواره المثيرة للجدل، في صفقات سلاح، وفي نشاطات استخباراتية، وفي علاقات مسؤولين في بلدان العالم الثالث بأجهزة المخابرات الغربية، وفي مقدمتها، الـ "سي آي إيه"، الأمريكية.

قبل عام تقريباً، رحل خاشقجي بصمت، عن عمر يناهز الـ 82 عاماً، في منزله بـ لندن، جراء معاناته من مرض "باركنسون". كان ذلك وسط شائعات ترددت بكثرة في السنوات الأخيرة من حياته، حول إفلاسه. لم تثبت تلك الشائعات، إلا أنه من المؤكد أن بريق ثروة خاشقجي قد خبا تماماً في الـ 25 سنة الأخيرة من حياته.

 وكانت تقديرات متحفظة لخبراء، تعود للثمانينيات، تؤكد أن ثروة خاشقجي، كانت بمليارات الدولارات. فيما كانت تقديرات أخرى، تذهب إلى أن ثروته بلغت في وقت من الأوقات، 40 مليار دولار.

لكن، لم يكن ذلك هو الملفت في سيرة حياة رجل أعمال، سعودي. فهو ليس الأول الذي يصعد إلى إحدى قمم الثراء، من السعودية، تحديداً. الملفت في حياة خاشقجي، كانت أدواره وعلاقاته المثيرة للجدل، مع أجهزة مخابرات عالمية، ومع حكام دول. فهو ارتبط بعلاقات وثيقة مع حكام السعودية، ومع الرئيس المصري، أنور السادات، ومع ديكتاتور الفلبين الشهير، فرديناند ماركوس، وزوجته. كما أنه ارتبط بعلاقات وطيدة مع شاه إيران الأخير، محمد رضا بهلوي. أما الأكثر إثارة في سيرة حياته، فهو صلاته بالمخابرات الأمريكية، ودوره الشهير في فضيحة "إيران غيت"، حيث لعب دوراً في ترتيب صفقة لإطلاق رهائن أمريكيين في لبنان، مقابل بيع سلاح للإيرانيين. وهي الفضيحة التي دوت في الولايات المتحدة الأمريكية، في الثمانينيات، وكادت تطال الرئيس الأمريكي، حينها، رونالد ريغان.

كما كانت له صلات بإسرائيل. ويُعتقد أنه كان على صلة وطيدة بـ شمعون بيريز. وكان يروّج للسلام بين العرب وإسرائيل، في إطار مشروع ضخم لإعمار الشرق الأوسط، على غرار "مشروع مارشال".

لكن، ما هي مناسبة الحديث عن عدنان خاشقجي، الذي خفتت الأضواء عنه لأكثر من ربع قرن، قبل وفاته؟.. وما صلته بـ "سوريا الأسد"؟.. مناسبة الحديث، هي قصة الصعود المثير للجدل، لرجل الأعمال السوري، سامر الفوز، ورجال أعمال سوريين آخرين، يعتقدون أن فرصتهم الثمينة تقترب من التحقق.

ولتوضيح المقصود، نعود إلى أكثر مراحل حياة، عدنان خاشقجي، إثارة للجدل. وهي تورطه في "إيران غيت". لماذا تورط خاشقجي في هذا النشاط للمخابرات الأمريكية؟، لماذا رغب في أن يكون له هذا الدور؟

يجيب خاشقجي بنفسه، في تصريحات له، عن ذلك، أنه أراد أن يلعب دوراً في صفقات الأسلحة، للتأثير على "العناصر المعتدلة"، في إيران والعراق، كي يضمن الحصول على النصيب الأكبر من الاستثمارات في أعمال إعادة البناء، بعد توقف الحرب العراقية – الإيرانية.

وقال خاشقجي أيضاً، تعليقاً على دوره في تلك المرحلة، إن عيون المستثمرين الكبار في الشرق الأوسط، كانت مصوبة نحو المبالغ الطائلة التي سينفقها العراقيون والإيرانيون لإعادة بناء ما تهدم في البلدين جراء الحرب الطويلة بينهما. وأضاف في عبارة جليّة المقصد، إن المستفيد الأكبر من "تعويضات الحرب" في كل الحروب، هم عادةً، المستثمرون والمقاولون، أمثاله.

تعيش سوريا اليوم، تجربة مماثلة. ورغم أن طبول الحرب، لم تتوقف عن القرع بعد، إلا أن رهانات الكثيرين على خفوتها، ازدادت مؤخراً. وسال لعابٌ أكثر، من أفواه المستثمرين، وقوى إقليمية ودولية مرتبطة بهم، حيال كعكة إعادة الإعمار الكبيرة في سوريا.

وهكذا، لاحظنا في السنتين الأخيرتين، صعوداً مثيراً للجدل، لعدد كبير من رجال الأعمال السوريين، الذين دخلوا، بطرق مختلفة، على خطوط الحرب وصراعاتها المعقدة. كل منهم، عينه على نصيب كبير من الكعكة المرتقبة. قد يكون أبرزهم، حالياً، سامر الفوز، لكنه ليس الوحيد بينهم. وإن كان الأكثر إثارة للجدل، نظراً لحجم ما استحوذ عليه في الفترة الأخيرة من استثمارات ضخمة في الداخل السوري. إلى جانب الغموض الذي يحيط بالطرف الداعم له، هل هم الإيرانيون أم الروس، أم ماهر الأسد، أم بشار؟، أم أطراف خارجية أخرى، لم تتضح بعد أدوارها؟.. لكن، دون شك، فإن سامر الفوز، ورجال أعمال سوريين آخرين، أصغر حجماً منه، يمثلون طموحاً يرنو إلى تكرار تجربة الخاشقجي. الذي تحول إلى ثري من طراز رفيع، ووسيط على أعلى مستوى، بين دول كبرى، وأخرى صغيرة. وبين أجهزة مخابرات دولية.

بكل الأحوال، نهاية الخاشقجي، الذي ضيّق عليهم الأمريكيون أنفسهم، الخناق، حتى دفعوه للانزواء في ركن قصيّ، بعيداً عن الأضواء في آخر ربع قرنٍ من حياته، أكبر دليل، على أن "الخاشقجية" كمسار، ليست آمنة، مهما ارتفعت مكانة السائر في حبائلها.

لكن، في حالة "سوريا الأسد"، الوضع مختلف تماماً. فمع هذا النظام، لا يمكن لـ "خاشقجي" أن يكون. وإن حاول أحد رجال الأعمال السوريين أن ينحو هذا المسار، قد لا يكون مصيره مختلفاً كثيراً عن مصير، رفيق الحريري، رجل الأعمال، والسياسي، الذي استطاع أن يكون في فترة من الفترات، ممثلاً للشراكة السورية – السعودية في لبنان، قبل أن تنهار تلك الشراكة، إلى غير رجعة، ويقضي الحريري، نحبه، جراء ذلك.

في "سوريا الأسد"، يمكن لرجال الأعمال أن يكونوا من قبيل، "محمد حمشو". أثرياء نعم، لكن الجميع يعلم أنهم مجرد واجهة، أشبه بالمدراء التنفيذين لثروة آل الأسد، لا أكثر. وفي حالة سامر الفوز، لن يختلف المشهد كثيراً. لكن، دخول الإيرانيين والروس، على خط النفوذ الفاعل في سوريا، قد يدفع أمثال الفوز، إلى الطموح للعب دور أكبر من "محمد حمشو". أن يكون "خاشقجي" آخر، ربما. وهنا، قد لا يكون مصيره مختلفاً عن مصير الـ "خاشقجي" الأول، في أحسن الأحوال، أو أن يلقى مصير "رفيق الحريري"، إن ذهبت الأمور إلى نهاياتها.

ترك تعليق

التعليق