إعادة الإعمار أم إعادة اللاجئين؟.. ماذا تريد روسيا من فتح ملف اللاجئين السوريين؟


تواجه المساعي الروسية الرامية إلى إعادة اللاجئين السوريين، تحديات كبيرة، أبرزها عدم توفر البيئة الآمنة والمستقرة، إلى جانب عدم وضوح الخطوط العريضة للحل السياسي، مما يجعل من الدعوات الروسية والحراك بهذا الشأن بدون جدوى على الأقل في الوقت الحالي.

ورغم كل ذلك، تواصل روسيا هرولتها لفتح هذا الملف، ما دفع بمراقبين إلى التساؤل عن أسباب استعجال موسكو لفتح هذا الملف، رغم إعلان الخارجية الأمريكية أن الظروف غير مناسبة بعد في سوريا لعودة اللاجئين.

وليس أدل على استعجال روسيا، بحسب مراقبين، مباشرة موسكو في نشر بيانات صادرة عن "مركز استقبال وتأمين اللاجئين" الروسي، تفيد بأن أكثر من مليون و700 ألف لا جئ سوري يودون العودة إلى بلادهم من بينهم نحو 200 ألف لاجئ من ألمانيا، و300 ألف لاجئ من تركيا، بدون أن يوضح المركز كيفية حصوله على هذه الأرقام، إلى جانب طرح ملف إعادة اللاجئين وملف إعادة الإعمار، الجمعة، على مجلس الأمن، ما حدا بفرنسا إلى التأكيد على أن ملف إعادة الإعمار لن يُفعّل ما لم يوافق الأسد على مرحلة انتقالية.

دوافع سياسية

وفي هذا الصدد، رأى الكاتب الصحفي المختص بالشأن الروسي، طه عبد الواحد، أن اندفاع روسيا القوي نحو إعادة اللاجئين، وعبر الحديث المكثّف في الإعلام عن هذا الأمر، سيخلق شعوراً لدى فئات من الرأي العام في بعض الدول، وكأن الأزمة السورية انتهت.

واعتبر أن موسكو، تريد أن تصور ما جرى في سوريا بــ "أزمة، على شكل حرب خاضتها الحكومة ضد متمردين وإرهابيين، وأن القضاء على آخر بؤرهم يعني نهاية الأزمة"، موضحاً في حديثه لـ"اقتصاد" أن ذلك يعد حرفاً للتفكير عن الأسباب الرئيسية للأزمة السورية، وطبيعتها في بدايتها.

وبالبناء على ذلك، أكد أن روسيا تحاول فتح ملف جديد تريد من خلاله تحقيق هدفها القديم بإطلاق تعاون مع الغرب وفي مقدمته الولايات المتحدة في الملف السوري، كخطوة أولى نحو الاعتراف في الواقع العملي بشراكة روسية في الشأن الدولي من موقع الندّ.

وبحسب عبد الواحد، فإن الاندفاع الروسي نحو ملف اللاجئين يفتح الباب واسعاً على أسئلة كثيرة، منها لماذا الآن؟، وماذا عن التسوية السياسية التي غاب الحديث عنها؟، وهل يضمن الروس عدم تعرض كل من يعود للاعتقال والموت في السجون، وغيره من تهديدات أمنية؟

وكان الائتلاف، ربط عودة اللاجئين والنازحين بالانتقال السياسي وتوفير البيئة الآمنة، وقال في بيان اطلع عليه "اقتصاد"، "كل ذلك لم يتحقق ويبدو بعيد المنال، وعملية إعادة اللاجئين يجب أن تكون حذرة وبإشراف من الأمم المتحدة وفق القوانين الدولية، ولا يخالف بيان جنيف والقرار الدولي 2254".

أما الباحث في السياسات الدولية، هشام منوّر، اعتبر أن روسيا تريد من خلال الحديث عن إعادة اللاجئين، حل الملفات العالقة التي تساعد على الحل السياسي في سوريا، وذلك بعد إدراكها أن الظروف الدولية لم تنضج بعد للتسوية السياسية.

وأوضح في حديثه لـ"اقتصاد"، أن روسيا بعد هيمنتها على الملف العسكري في سوريا، باتت بحاجة إلى الحل السياسي.

وعن الأهداف الروسية الأخرى، تحدث منوّر عن "رغبة روسية بممارسة الضغط على الدول الأوروبية التي تستضيف اللاجئين السوريين للموافقة على المشروع الروسي في سوريا ومنطقة الشرق الأوسط، ولن تجد روسيا لذلك أفضل من ورقة اللاجئين التي تشكل هاجسا للحكومات الأوروبية".

وقال إن "بوتين يريد تسويق هذا الطرح على أنه حل للأزمة التي تعاني منها الحكومات الأوروبية، بسبب الدعوات اليمينية الشعبوية لإعادة اللاجئين".

إعادة الإعمار

وفيما يتعلق بالثمن الذي تريده روسيا من وراء ذلك، رأى منوّر أن "الحكومات الأوروبية مجبرة على التنازل سياسياً للشروط الروسية، وعلى رأسها بقاء الأسد وإعادة تأهيله من جهة، وكذلك إرغامها على الانخراط في مرحلة إعادة الإعمار، من جهة أخرى".

وأشار في هذا الصدد إلى عدم قدرة روسيا على البدء في مرحلة إعادة الإعمار بسبب ضعف إمكاناتها الاقتصادية، إلى جانب حليفتها إيران.

ضمان المصلحة الروسية

بدوره اعتبر الكاتب السوري، طارق عزيزة، أن روسيا تريد الإيحاء بأن الحرب في سوريا انتهت، وأن "الاستقرار" يعود إلى البلاد بفضلهم، وهم يقصدون اتساع رقعة المناطق التي استطاعت ميليشيات نظام الأسد وإيران استعادة السيطرة عليها بدعم سلاج الجو الروسي.

وأكد لـ "اقتصاد" أن الغرض من ذلك تأكيد الدور الروسي وأهميته وإقناع القوى المعنية بالشأن السوري به، بما يتيح لروسيا المضي في سعيها لفرض رؤيتها للتسوية السياسية على النحو الذي يضمن مصالحها.

ووصف عزيزة المساعي الروسية، بـ"الشأن الروسي والسياسي والدعائي البحت، الذي لا علاقة له البتة بما نريده ويريده كل السوريين الذين هُجروا قسراً من ديارهم، أي العودة الحرة الكريمة".

وتساءل: "أي عودة تلك، والأسد القاتل في السلطة ونصف البلاد مدمر؟".

ترك تعليق

التعليق