هل تتنازل إيران في سوريا؟، ولقاء ماذا؟


قد تكون المرة الأولى التي يُلمح فيها الإيرانيون، إلى إمكانية انسحابهم من سوريا. تلميح صريح، لا نعرف بعد إن كان مجرد مناورة، أم أنه طرح إيراني جدّي. وفي حال كان طرحاً جدياً، لا نعرف بعد، مقابل ماذا، سينسحب الإيرانيون من سوريا؟، وهل سيكون البديل عن وجودهم العسكري، منافع اقتصادية؟

ففي تصريحات لافتة، ألمحت الخارجية الإيرانية إلى إمكانية إنهاء الوجود الإيراني في سوريا، إذا شعرت طهران باستقرار نسبي هناك. وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، اليوم السبت، بهرام قاسمي، إن "دخولنا إلى سوريا جاء بناء على طلب الحكومة السورية، وسنخرج منها  في حال شعرنا باستقرار نسبي هناك".

تصريحات المسؤول في طهران تأتي في ضوء تفاقم الاحتجاجات في الداخل الإيراني، مع ازدياد المخاوف من تدهور اقتصادي نوعي، قد تعيشه إيران، بعد دخول العقوبات الأمريكية عليها، حيز التنفيذ.

وقبل أيام، أشار تسريب نشره موقع "ديبكا" المقرب من المخابرات الإسرائيلية، إلى أن الأمريكيين والإيرانيين بصدد فتح قناة تفاوض سرية بوساطة عُمانية. وكان وزير الخارجية الإيرانية، جواد ظريف، قد زار عُمان قبل أيام، لينتقل بعدها وزير الدولة للشؤون الخارجية، يوسف بن علوي، إلى واشنطن. الأمر الذي أثار تكهنات بتجدد الدور العُماني في الوساطة بين طهران وواشنطن.

وكان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، قد أكد مؤخراً، استعداده للحديث مع الإيرانيين. فيما ردت طهران برفضها الحديث مع واشنطن، تحت الضغوط، في إشارة إلى العقوبات الأمريكية. لكن ذلك فيما يبدو، مجرد موقف علني، يُخفي وجود رغبة إيرانية بالتفاوض مع واشنطن، مجدداً.

وتسعى واشنطن لفرض حزمة عقوبات قاسية على طهران، في دفعتين، الأولى ستكون يوم 6 آب، فيما ستكون الثانية في تشرين الثاني القادم. وتسعى واشنطن من خلال هذه العقوبات للضغط على النظام الحاكم في طهران، عبر منعه من تصدير النفط، أو خفض صادراته من النفط، إلى أدنى حدٍ ممكن. وتضغط واشنطن على مختلف دول العالم، كي تتوقف عن شراء النفط الإيراني. ومؤخراً، رفضت الصين الطلب الأمريكي بالتوقف عن شراء النفط الإيراني، لكنها وافقت على عدم زيادة مستورداتها من النفط الإيراني. ويتوقع مراقبون أن تتمكن واشنطن من تقليص الصادرات النفطية الإيرانية بمعدل الثلثين بحلول نهاية العام الجاري، الأمر الذي يشكل كارثة مالية للدولة الإيرانية، حيث أن النفط، هو المصدر الرئيس لميزانيتها.

لكن، لماذا تعرض إيران الانسحاب من سوريا؟.. الجواب يكمن في إسرائيل، فالأخيرة هي صاحبة هذا المطلب. ويبدو أن الإيرانيين يريدون الوصول إلى واشنطن، عبر قناة إرضاء إسرائيل. فذلك هو المدخل الأمثل لتحقيق التفاهم مع الأمريكيين.

يأتي ذلك وسط حديث متصاعد عن سعي روسي لإقناع أمريكا، بالمشاركة في إعادة إعمار سوريا. الأمر الذي يطرح تساؤلات عن احتمالية أن تستبدل إيران وجودها المسلح في سوريا، بنفوذ اقتصادي، تستثمر فيه، إن نجحت المساعي الروسية في إقناع الغرب بالمشاركة في إعادة إعمار سوريا، والقبول النهائي ببقاء نظام الأسد. وحسب "رويترز"، في تقرير نشرته الوكالة، اليوم السبت، كان رد الأمريكيين فاتراً على المسعى الروسي بهذا الخصوص، حتى الآن.

بالتوازي، ألمح المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إلى عزم بلاده استئناف علاقاتها الدبلوماسية مع السعودية، وذلك عبر مكتب لرعاية المصالح الإيرانية، سيُفتتح قريباً في السعودية. 

يأتي ذلك بعد أيام من استهداف الحوثيين، المدعومين إيرانياً في اليمن، ناقلتي نفط سعوديتين، في باب المندب، جنوب البحر الأحمر. وقد دفع ذلك السعودية إلى وقف صادراتها النفطية التي تمر عبر المضيق. قبل أن تستأنف تلك الصادرات اليوم السبت.

مجمل التطورات والتصريحات السابقة، تؤكد وجود مسار تفاوضي متقدم، يجمع الإيرانيين والأمريكيين، وربما أيضاً السعوديين، والروس. ويبدو أن سوريا إحدى بنوده. وفي هذا الإطار، يأتي التلميح باستعداد إيران للانسحاب مستقبلاً من سوريا، بوصفه ورقة تفاوضية. فهذا الملف يهم الإسرائيليين تحديداً، الذين رفضوا المبادرة الروسية بإرجاع الإيرانيين بعيداً عن خط وقف إطلاق النار، في الجولان المحتل، مسافة 80 كيلومتر. وتريد إسرائيل انسحاباً إيرانياً من كامل سوريا.

وفي الأيام القادمة، سيكون السؤال الرئيس، هل الإيرانيون يناورون في طرح انسحابهم من سوريا؟، أم أنهم مستعدون بالفعل، لاستبدال وجودهم العسكري في سوريا، بمنفعة أخرى بديلة؟، وهل هذه المنفعة ستكون مكاسب استثمارية واقتصادية في ضوء اتفاق إقليمي ودولي لإعادة إعمار سوريا؟.. كلها أسئلة ستكون محور التطورات التي تخص سوريا، في الأسابيع والأشهر القليلة القادمة.


ترك تعليق

التعليق