لو كان جمال خاشقجي.. سورياً؟!


دفعت حادثة اختفاء جمال خاشقجي، في القنصلية السعودية باسطنبول، سوريين إلى التندر، "لك حتى نظام الأسد ما عملها"، في مفارقة تشير إلى قناعة الكثير من السوريين بأن نظام الأسد، معيار يصلح القياس عليه، في عالم كبت الحريات واستهداف المعارضين.

وفي سياق دردشة مع بعض الأصدقاء، تحول التندر إلى نقاش جدّي. "لم يسبق أن أخفى نظام الأسد أحد معارضيه عند مراجعته لإحدى السفارات.. لماذا؟". واختلفت الإجابات. أحدهم رفض أن تكون حادثة خاشقجي، قابلة للقياس في الحالة السورية، إذ يندر أن يراجع معارض ذو وزن، سفارة بلاده، الخاضعة للنظام، خشية أن يؤدي ذلك إلى تفعيل نشاط المخابرات، في استهدافه، عبر معرفة تفاصيل عن مكان إقامته، وحركته، بعد الإطلاع على الأوراق الثبوتية التي سيتقدم بها. فيما أصرّ آخر، بأن معارضين كُثر اضطروا في السنتين الأخيرتين، إلى مراجعة سفارات النظام، في بلدان عدّة، لاستصدار أوراق ثبوتية اضطرارية، بالنسبة لهم، أبرزها، جواز السفر، ورغم ذلك لم يتعرضوا للاختفاء، وفي أفضل الأحوال، تعرضوا لتهديدات مبطنة من موظفي السفارة، الذين تعرفوا على شخصياتهم، وفي حالات أخرى، تعرضوا لممازحات ساخرة، كما حدث في إحدى الحالات في القنصلية السورية باسطنبول، حينما قال أحد الموظفين، لسوريّ معارض، "لساتكم عبتتظاهروا مقابل 500 ليرة سورية؟"، فأجابه المعارض: "صاروا 500 ليرة تركي؟".

في إحدى التفسيرات، قال أحدهم، بأن السرّ يكمن في المال. فالنظام يحتاج إلى المال، لذلك، هو مضطر لتقديم صورة محايدة نسبياً لسفاراته، تدفع مختلف شرائح السوريين، بما فيهم المعارضين، لمراجعتها، ودفع تسعيرات المعاملات هناك، التي تبدأ بـ 25 دولار، وتصل إلى 800 دولار، للمعاملة الواحدة.

ولا يمكن تقدير حجم الأموال التي تدخل خزينة النظام، جراء مراجعة السوريين لسفاراته، حول العالم. لكن، إذا حاولنا إجراء حسابات تقديرية، واعتمدنا أعداد السوريين المهجّرين في السنوات السبع الأخيرة، والذي يتجاوز في حدوده الدنيا، 6 ملايين، وقلنا أن مليون منهم، يحتاج، على الأقل، إلى تجديد جواز سفره، سنوياً، (هي تقديرات مجازية باعتبار أن أقصى مدة لصلاحية جواز السفر هي 6 سنوات)، فهذا يعني، أن النظام يحصل، في الحد الأدنى، على 300 مليون دولار، سنوياً، فقط، من تجديد جوازات السفر للمهجّرين الذين دفعهم لمغادرة البلاد. هذا ناهيك عن أعداد المغتربين السوريين، قبل الثورة، والذين تذهب تقديرات إلى أنهم يتجاوزون الـ 20 مليون سوري، أكثر من نصفهم، على الأقل، ما يزالون يحملون الجنسية السورية، ويتعاملون مع سفارات بلادهم، حول العالم، لاستصدار أوراق ثبوتية تخصهم. مما يعني أن إيرادات النظام قد تصل في حدودها الدنيا، إلى مليار دولار سنوياً، حصيلة تعامل السوريين مع السفارات والقنصليات السورية.

ومع جفاف مصادر التمويل للنظام، خاصة مع خسارته للثلث الغني من سوريا، في شرق الفرات، يصبح مليار دولار سنوياً، دخلاً يستحق كل تقدير في أوساط قيادة النظام. وهذا ما قد يفسر أن معارضين، أشبعوا النظام شتماً وإهانة، ونشطوا بكثافة ضده في محافل كثيرة، حول العالم، تمكنوا من استصدار جوازات سفر من القنصليات السورية، في الأشهر القليلة الماضية، حسب مصادر عديدة متقاطعة.

بطبيعة الحال، يقدم آخرون تفسيراً مختلفاً، لذلك. فالنظام أصبح مضطراً، في الأشهر القليلة الماضية، لأن يقدم صورة أفضل له، أمام المجتمع الدولي، في سياق مساعي أطراف إقليمية ودولية، لإعادة تأهيله، وسط قبولٍ غير معلن، من جانب مختلف الأطراف الفاعلة دولياً. لكن، كي تتمكن الأطراف الساعية لإعادة تأهيل النظام، من تحقيق ذلك، عليه، في أبسط الخطوات، أن يلعب دوره، بوصفه "حكومة" تمثل مواطني سوريا، وألا يترك ملايين المعارضين له، في الخارج، دون ثبوتيات، بصورة تشكل صداعاً للدول المستضيفة، وتنال من صورة النظام القابل للتأهيل، وتعرقل المساعي في سبيل ذلك.

ورغم ما سبق، يبقى التفسير المالي، محبذاً أكثر بالنسبة للسوريين. فإصرار النظام على وضع تسعيرات خيالية، للثبوتيات المطلوبة من سفاراته، وإصراره على أن تكون بالدولار حصراً، تدعم نظرية التفسير المالي.

وهنا، تصبح المفارقة، التي تدفع للتندر، أن العامل المالي حدّ من وحشية نظام الأسد، فيما أتاحت الأريحية المالية، هامشاً أكبر للنظام السعودي، سمحت للأخير بالتعامل باستهتار مع دول كبرى حول العالم، في حوادث عديدة لاختطاف معارضين، ليس فقط من تركيا، بل قبل ذلك من سويسرا وبريطانيا والمغرب.

فلو كان جمال خاشقجي، سورياً، ربما كانت حاجة نظام الأسد المالية، أنجته من براثن حقد الطغاة!.. لكن يبقى ذلك، استنتاجاً أولياً، لا نستطيع الجزم، باستقراره. أو على الأقل، علينا ألا نراهن كثيراً، في أن المال قادر على لجم حقد الطغاة داخل نظام الأسد.

ترك تعليق

التعليق