الزمن الإيراني في سوريا.. سيذوي


ربما سيتعرف السوريون على إيران جديدة، منذ فجر يوم الاثنين. ستكون أكثر تهذبياً وانضباطاً، وأكثر انحناءً أمام شركائها من الروس. فسوريا كساحة من ساحات النفوذ الإقليمي الإيراني، مرشحة لتفاعلات الحزمة الثانية من العقوبات الأمريكية على إيران، في الأيام القليلة القادمة.

ولا نعرف بعد كيف سيفكر متخذ القرار في إيران. لكن مؤشرات أولية توحي بأنه مضطر، رغم كل الضجيج في خطابه السياسي والإعلامي، لأن ينحني في سوريا بالتحديد. ففي هذه الساحة، تصطدم مصالحه بمصالح طرفين مؤثرين، يحتاج إليهما بصورة ملحة، في الفترة القادمة. وهما تركيا وروسيا.

وفيما يعتقد الكثير من الخبراء، أن إيران قد تُصعّد كردٍ على الحزمة الجديدة من العقوبات الأمريكية، يعتقدون في الوقت نفسه، أن الوضع في سوريا سيكون مختلفاً. فالساحة السورية التي تشهد تداخل مصالح إيراني – روسي – تركي، وكذلك أمريكي، لن تكون الساحة المناسبة أبداً للرد على واشنطن. لأن ذلك الرد سيؤثر سلباً على الشريك الروسي بالتحديد. والعلاقة مع هذا الشريك حيوية للغاية، فعبره، ربما تمرر إيران بعضاً من نفطها الذي سيخرج من السوق بفعل العقوبات. وهذا ما قد يفسر ارتفاع إنتاج روسيا من النفط إلى أعلى مستوى في 30 عاماً. ورغم النفي الإيراني لهذا السيناريو، سيناريو تمرير جزء من النفط الإيراني ضمن صادرات النفط الروسية، إلا أن هذا السيناريو وراد بشدة.

إلى جانب ذلك، تبدو المظلة الروسية، كعضو في مجلس الأمن، ملحة أكثر من السابق، بالنسبة لإيران. ويعتقد خبراء أن إيران ستعمل جاهدة، في الأسابيع القليلة القادمة، على إفشال مساعي أمريكا لتشكيل تحالف مؤثر ضدها. لذلك تعمل إيران على استرضاء الأوروبيين والروس والصينيين والأتراك والهنود. فهذه القوى ستضعف من فاعلية العقوبات الأمريكية على إيران، بصورة نوعية. والعكس صحيح. فكلما انضمت قوى إقليمية أو دولية إلى جهود أمريكا للضغط الاقتصادي على إيران، كلما أصبحت الأخيرة في وضعية أسوأ. وهذه الحاجة الإيرانية لتلك القوى، ستضطر طهران إلى تقديم تنازلات. وما يهمنا من ذلك، في سوريا، أن تلك التنازلات ستكون لصالح تركيا وروسيا. وقد تكون روسيا بالتحديد، المستفيد الأكبر من العقوبات الأمريكية المتصاعدة على إيران. ومن ثم بعدها، تأتي تركيا.

وعلى الرغم مما سبق، يعتقد فريق من المراقبين أن سيناريو التصعيد الإيراني، عبر سوريا، أمر وارد. وقد يحمل هذا التصعيد صورة تحرش إيراني بالوجود الأمريكي في مناطق شرق الفرات. وقد تترك روسيا للإيرانيين هامش مناورة حيال الأمريكيين هناك. فموسكو غير راضية عن احتفاظ الأمريكيين بالثلث الغني من سوريا. لذلك، قد تمنح روسيا للإيرانيين فرصة التحرش بالأمريكيين في مناطق شرق الفرات. أما في جنوب سوريا، فمن المستبعد أن تتغير المعادلات. فروسيا تكفلت بحفظ أمن إسرائيل. لذا من المستبعد أن تُتاح لإيران فرصة التصعيد في الجنوب. التصعيد، إن حدث، فمن المرجح أن يكون باتجاه مناطق شرق الفرات. وهي مناطق تشكل هدفاً مشتركاً، للإيرانيين والأتراك، وكذلك للروس.

لكن حتى لو ذهبت إيران باتجاه التصعيد ضد الأمريكيين وحلفائهم في شرق الفرات، فسيكون ذلك التصعيد مضبوطاً من جانب روسيا. ففي الفترة القادمة، سيتزايد النفوذ الروسي في سوريا، على حساب الإيراني. فيما سيضطر الأخير لتقديم المزيد من التنازلات، التي قد تُقدم أيضاً للأتراك، الذين يشكلون طرفاً مهماً، ما يزال يرفض، حتى اللحظة، المشاركة في العقوبات على إيران.

ومع تقدم معركة "كسر العظم" بين إيران وأمريكا، سنسمع كلاماً عالي النبرة، في طهران، لكن على صعيد الأفعال، يبدو أن الزمن الإيراني في سوريا، سيذوي. فالصراع البارد بين الإيرانيين والأمريكيين سيستغرق مدة طويلة، قد تمتد لسنوات، قبل الوصول إلى مرحلة جدّية من التفاوض بين الطرفين. وخلال تلك المدة، سيكون على إيران أن تقدم فروض الطاعة للروس في سوريا، لقاء الدعم الروسي لإيران في مواجهة العقوبات الأمريكية شديدة الوطأة.

ترك تعليق

التعليق