إعمار سوريا بأموال سعودية.. هل كانت مجرد تغريدة نزقة؟!


هل حقاً كانت تغريدة ترامب بخصوص إعمار سوريا بأموال سعودية، مجرد سوء فهم من الرئيس الأمريكي المتسرع والنزق؟، أم أنها رفع مقصود للغطاء عن جانبٍ مما يتم تداوله في الأقنية المفتوحة مع دمشق، والتي لم تُقفل يوماً؟

إن أردنا أن نسيء الظن، ونتجاهل رواية سوء الفهم من جانب ترامب، يبدو وكأن الأخير أراد في تغريدته عن إعمار سوريا بأموال سعودية، أن يقول للعالم، لستُ الوحيد الذي قرر الانسحاب من الصراع في سوريا، والإقرار بالأطراف المنتصرة فيه.. فها هي دول عربية، في مقدمتها السعودية، تتفاوض مع النظام سرّاً على صيغة لإعادة العلاقات، من جديد. وتقرّ بالمعادلات الجديدة في سوريا. وربما أولويتها هي الحد من النفوذ التركي، أكثر مما يعنيها النفوذ الإيراني. إذ كيف يُعقل أن يراهن أحد على الأسد، في الحد من النفوذ الإيراني، بسوريا!

بالعودة إلى تغريدة ترامب عن إعادة الإعمار، فقد نفتها السعودية بصورة تقلل من قيمة الموضوع بكليته. وتصدى لعملية النفي هذه، مسؤول، لم تُعرف رتبته، ولم تُكشف هويته، في السفارة السعودية بواشنطن، وعبر قناة أمريكية. وسرعان ما أكدت الخارجية الأمريكية، صدقية النفي السعودي، حينما أشارت إلى أن ترامب أخطأ في كلمة "الآن" في تغريدته عن التعهد السعودي، والتي كان يقصد بها تعهداً سابقاً بدفع 100 مليون دولار أمريكي، في آب / أغسطس الماضي، بغية تعزيز البنى التحتية في مناطق سيطرة ميليشيا "قسد" المتحالفة مع الأمريكيين، في شمال شرق البلاد.

وبطبيعة الحال، فإن أحداً لم يتوقع أن السعودية، التي تعاني من مشاكل اقتصادية عديدة، ستتصدى لواحدة من أعتى مشاريع الإعمار في التاريخ، بسوريا، التي تحتاج إلى 400 مليار دولار أمريكي، في أقل تقدير، كي تقف على قدميها. لكن ذلك لا ينفي أن السعودية قد تشارك بجانب من ذلك. أو بكلمات أخرى، قد تفتح شهية الجميع للمشاركة، عبر انخراط مبدئي لها في هذا المجال.

فهل حقاً كانت تغريدة ترامب، سوء فهم من الأخير؟.. لو كان الأمر كذلك، فكيف نفسر هذه الاندفاعة من دول عربية، بشكل متسارع، للتصالح علناً مع الأسد بدمشق؟، وكيف نفسر سيمفونية إعادة "سوريا" إلى "حضن الأمة العربية" وانتشالها من براثن التمدد "الإيراني والتركي"، دون "الروسي" طبعاً، والتي تعزفها أقلام كتاب ومحللين في صحف عربية محسوبة على السعودية؟

إحدى الطروحات الأكثر سذاجة، التي يمكن أن تقرأها بهذا الصدد، هي أن عودة الدور العربي إلى سوريا، قد يساهم في لجم النفوذ الإيراني. وهناك أطروحة أكثر سذاجة من تلك التي سبقتها، وهي أن طرح إعادة الإعمار، كورقة تفاوضية، قد تساهم في دفع التسوية السياسية في سوريا. بل يمكن لنا أن نقرأ في تحليل نشره مركز "كارنيغي للشرق الأوسط"، تصوراً مفاده، أن السعودية قد تتمكن من إقناع الأسد بتقديم تنازلات سياسية في تركيبة الحكم، لقاء استثمار أموالها في إعادة إعمار البلاد!.. تصور غريب وساذج ينم عن سطحية كبيرة في قراءة شخصية بشار الأسد والشخصيات المقربة منه، والممسكة بزمام الأمور في البلاد. هل سيتخلى الأسد لقاء المال عن شيء لم يتخل عنه، بالقوة، حتى في أحلك الأوقات التي كاد يخسر فيها كرسي حكمه!

هل يُعقل أن السعوديين يظنون أن ورقة إعادة الإعمار كفيلة بتليين الأسد ودفعه لتقديم تنازلات جدية في التسوية السياسية! شخصياً، لا أعتقد ذلك. الأرجح أن السعوديين، إن قرروا بالفعل، الانخراط في إعمار سوريا، فهم على دراية كافية، بأنهم سيكونون شركاء للإيرانيين اقتصادياً. فـطهران تملك حصة متفق عليها في مختلف القطاعات الاقتصادية بسوريا، وستنشط شركاتها بكثافة هناك وفق اتفاقية رسمية موقّعة مؤخراً مع حكومة النظام، كما أن لها أتباعاً داخل مؤسسات "الدولة السورية"، وفي أوساط رجال الأعمال. كما سيكون السعوديون أيضاً شركاءً للروس. أما الأسد، فسيوزع الأدوار والغنائم على حلفائه من رجال الأعمال وأمراء الحرب. وسيضيع ما لا يقل عن نصف تمويل إعادة الإعمار في أقنية الفساد التي تُشتهر بها نخبة الحكم في سوريا.

فهل قرر السعوديون حقاً الإقرار بمعادلات القوى القائمة بسوريا، والتصالح مع إيران، عبر البوابة السورية؟.. هل ستُطرح إعادة الإعمار كورقة تفاوضية مع الإيرانيين لتحقيق استقرار إقليمي يبدو أن جميع اللاعبين في المنطقة، باتوا ينشدونه؟.. أم يظن السعوديون حقاً أنهم قادرون على التأثير في تركيبة الحكم بدمشق، بالمال، بعد أن فشلوا بالسلاح؟.. أم أن تغريدة ترامب كانت نزقة ومتسرعة فقط، وتنم عن سوء فهم، لا أكثر؟.. لننتظر ونرى.

ترك تعليق

التعليق