الموت من أجل الدفء.. في مخيمات الشمال السوري


يلجأ قاطنو مخيمات الشمال السوري، وخاصة العشوائية منها، إلى حرق "أكياس النايلون والأحذية البلاستيكية وإطارات السيارات القديمة" للتدفئة، في ظل غياب دعم المنظمات الإغاثية عن تزويد هؤلاء النازحين بمواد التدفئة كالمازوت والحطب أو الفحم الحجري، وفق مصادر من داخل تلك المخيمات.

في حين، حذرت مصادر طبية من زيادة انتشار الأمراض الصدرية وذات الرئة بين قسم كبير من الأطفال، بسبب حرق مواد تدفئة ضارة، الأمر الذي ينذر بكارثة طبية في حال استمر الوضع على ما هو عليه.


غازات ضارة قد تؤدي للموت

الدكتور "حسن هنداوي" أخصائي جراحة عامة ومتنقل بين المخيمات في الشمال السوري، بيّن لموقع "اقتصاد"، أن استخدام هذه المواد هي أحد الأسباب القوية لانتشار الأمراض الصدرية، ومنها التهاب القصبات وذات الرئة، محذراً في الوقت ذاته من تطور الأمر وانتشار مرض "السل".

وأضاف، أن هذه المواد ينتج عنها غازات ممرضة وخطيرة ويمكن في بعض الأحيان أن تؤدي للموت، ويمكن أن تسبب أمراضاً جلدية كثيرة.

وأشار، إلى أنه قد حصلت خلال الأشهر الماضية 4 وفيات بسبب استعمال هذه المواد، حالتين منها لأطفال من "راجو" بريف "عفرين" شرقي حلب.

وفي وقت حذر فيه الدكتور "هنداوي" من خطورة لجوء الأهالي إلى مواد البلاستيك وأكياس النايلون وغيرها للتدفئة عليها وما يمكن أن تسببه من أمراض، إلا أنه لفت إلى عدم وجود أي وسيلة أخرى أمام الأهالي للتدفئة لذلك فهم مضطرون للتدفئة على مواد ضارة لهم ولأطفالهم، خاصة في ظل القرارات التي تمنع قطع الحطب، وقال: "أنا واحد من الناس الذين تم توقيفهم ومنعي من قطع الحطب".


الأمراض الصدرية تغزو مخيم "الوفاء" بريف إدلب

ويُعد مخيم "الوفاء" الواقع في منطقة "الحنبوشية" غربي إدلب، أحد تلك المخيمات التي تنتشر فيها الأمراض خاصة بين الأطفال، جراء اعتماد الأهالي في التدفئة على مواد ضارة مثل "قطع البلاستيك، والأحذية المهترئة" وغيرها من المواد بسبب عدم توافر مادة المازوت.

وتحدث مدير المخيم "رشيد غسان الدكر" لموقع "اقتصاد"، عن الأوضاع الطبية المتردية وانتشار الأمراض وقال: "بلغ عدد الحالات المرضية بين الأطفال نحو 7 حالات، منهم 3 أطفال دون عامين، وهناك 3 أطفال دون سن الرابعة، ولدينا طفل مريض دون سن 6 أشهر".

وبحسب "الدكر" تنوعت الأمراض المنتشرة في المخيم، وفقاً لمصدر طبي، بين التهاب القصبات، والتهاب الشعيرات القصبية وهو التهاب شديد قد يعرض الطفل للموت، إضافة لمشاكل تنفسية في الرئة، بالإضافة لتسمم جراء استنشاق أول أكسيد الكربون، ونفاخ رئوي.

ولفت المصدر ذاته، إلى وجود طفل مصاب بالتهاب الطرق التنفسية العلوية، بحسب ما تم نقله عن مصدر طبي في المخيم، مشيراً إلى وجود حالات كثيرة مصابة بنزلات برد شديدة، يضف إلى ذلك وجود 7 حالات إعاقة وحالة شلل نصفي.

مما يزيد الطين بلة، بحسب مدير المخيم، هو بعد المسافة ما بين المخيم والنقاط الطبية في القرى المجاورة، في حين أن تكلفة الوصول إليها تثقل كاهل الأهالي، الأمر الذي يزيد من سوء حالة الطفل المريض بسبب تأخر معالجته وأخذه إلى المشافي.

وتحدث "الدكر" عن غياب أجهزة "الرذاذ" اللازمة والكافية لمرضى الأجهزة التنفسية، مبيناً اعتماد الأهالي على جهاز "رذاذ" واحد يتم تبادله فيما بينهم لمعالجة الأطفال المرضى، لافتاً إلى أن هناك طفل يحتاج بشكل يومي إلى 3 جلسات رذاذ، في حين أن هناك أطفال يحتاجون لجلسة رذاذ واحدة حسب الحاجة أو حسب تعليمات الطبيب.

ويؤوي المخيم ما يقارب من 386 نازحاً غالبيتهم من النساء والأطفال وكبار السن، بالإضافة للأرامل ونساء الشهداء ممن لديهم أطفال يعانون من الأمراض، في حين يعاني غالبية هؤلاء النازحين من شدة الفقر حتى أن نسبة كبيرة منهم لا تملك ثمن ربطة الخبز، بحسب مدير المخيم.


واقع طبي سيئ في مخيم "الهلال" شمالي حلب

 وتفيد الأنباء الواردة من مخيم "الهلال" الواقع بريف حلب الشمالي، والبالغ عدد قاطنيه نحو 200 عائلة، عن ظروف انسانية متردية يمر به هؤلاء النازحين خاصة مع حلول البرد.

مدير المخيم "أبو فراس شوبك" تحدث عن انتشار الأمراض خاصة بين الأطفال وقال: "سجلنا عدة حالات مرضية بين أطفال المخيم كضيق التنفس والزكام والسعال وغيرها من الأمراض التنفسية، بسبب استنشاقهم للأدخنة المنبعثة من مواد التدفئة الضارة التي يتم حرقها للتدفئة عليها".

وأشار، إلى أنه وبسبب غياب مادة "المازوت" وعدم قيام أي منظمة بتوزيع تلك المادة على قاطني المخيم، فإن الأهالي يلجؤون لحرق الأحذية البلاستيكية والملابس البالية، اضافة للإطارات القديمة أو ما تعرف بالعامية "الدواليب"، وكل ذلك من أجل التدفئة عليها.

وشكا "شوبك" من تردي الواقع الطبي بسبب عدم توافر نقطة طبية في المخيم وقال: "نفتقر لأجهزة (الرذاذ) خاصة في ظل انتشار الأمراض الصدرية بين الأطفال، ومما فاقم حجم المعاناة هو عدم وجود نقطة طبية في المخيم ما يضطرنا لقطع مسافة تقدر بنحو 4 كم وبصعوبة بالغة للوصول إلى (مشفى الهلال الأزرق) الواقع عند معبر باب السلامة".

وتابع "شوبك" بالقول: "لا نشكو أمرنا إلا لله، الناس في المخيم تحت خط الفقر ويفتقرون لأدنى مقومات الحياة، كما أنهم بحاجة كل شيء في ظل شح المساعدات المقدمة، وفي حال تم توزيع معونات على الأهالي فإنها لا تفي بالغرض كون الاحتياجات متزايدة بشكل يومي".


حرق "أكياس الخيش" للتدفئة

ولا يختلف الحال بالنسبة لقاطني مخيم " أخوة سعدة" الواقع في القاطع الجنوبي ضمن تجمع مخيمات "أطمة" الحدودية بريف إدلب، والذي يؤوي نحو 750 نازحاً، الذي يشهد انتشار أمراض "التهاب اللوزتين، والتهاب القصبات، وذات الرئة، والإسهال".

وعزا مدير المخيم "عبود أبو باسم" في حديثه لموقع "اقتصاد"، سبب انتشار تلك الأمراض خاصة بين الأطفال، إلى البرد إضافة لاضطرار الأهالي لحرق مواد ضارة كالبلاستيك وقطع القماش المهترئة وأكياس الخيش من أجل الحصول على التدفئة، يضاف إلى ذلك إهمال الأهالي وعدم قدرتهم لأخذ أطفالهم إلى المشافي بسبب صعوبة الطرقات الطينية والتي تنقطع في فصل الشتاء ما يجعلهم معزولين عن العالم الخارجي.

ولفت "أبو باسم" الانتباه، إلى وجود أكثر من 63 طفلاً رضيع بحاجة لأجهزة "رذاذ" نتيجة إصابتهم بأمراض صدرية، مؤكداً في الوقت ذاته أنهم بحالة صحية متردية بسبب عدم وجود تلك الأجهزة وبسبب عدم قدرة الأهالي على شرائها في حين أن الطفل يحتاج يومياً إلى جلستي رذاذ للتخفيف من شدة المرض.


25 اصابة بأمراض تنفسية في مخيم "الملعب" بريف إدلب

ويشتكي النازحون في مخيم "الملعب" بريف معرة النعمان في محافظة إدلب، من انتشار الأمراض بين الأطفال بشكل ملحوظ، بسبب البرد واضطرارهم للاعتماد على مواد تدفئة بديلة عن "المازوت، أو الحطب".

وقال "ابراهيم أبو يزن" مدير المخيم لموقع "اقتصاد": "سجلنا إصابة نحو 25 طفلاً بأمراض (التهاب القصبات الحاد، والسعال، وارتفاع درجات الحرارة) نتيجة البرد والتدفئة على فحم الحراقات وأكياس النايلون والاطارات البلاستيكية".

وأضاف، أنه مما فاقم المعاناة غياب أجهزة "الرذاذ" وعدم وجود نقطة طبية في المخيم، ما يضطرهم لقطع مسافة 3 كم من أجل الوصول إلى أقرب نقطة طبية من المخيم لإسعاف الحالات المرضية الأمر الذي يزيد من سوء أحوال المرضى.

 


 


ترك تعليق

التعليق