"مبسوطين بالعقوبات على سوريا؟"


أرسل لنا أحدهم رسالة عبر البريد الخاص لصفحة الموقع في "فيسبوك"، يسألنا: "خبروني إنتو مبسوطين؟"، وذلك تعليقاً على تقريرٍ كنا نشرناه عن بنود العقوبات التي ستتعرض لها حكومة النظام، بموجب قانون "سيزر" الأمريكي، وفق ما قالته وسائل إعلام موالية.

استوقفتني الرسالة. ورغم أنها موجزة جداً، إلا أنها ذكّرتني بالشرخ المتفاقم بين السوريين، ذلك الشرخ الذي لم يعد محصوراً، كما كان في السنوات السبع الماضية، ضمن ثنائية "مؤيد – معارض"، بل امتد ليصبح ملحوظاً بشكل كبير، ضمن ثنائية جديدة، "مقيمون في مناطق سيطرة النظام – مقيمون في مناطق المعارضة أو في الخارج".

وإن كنا قد تعودنا على حالة الكيدية والشماتة المتبادلة، مع كل حادثة، بين طرفي ثنائية "مؤيد – معارض"، فإن ملامح تمدد هذه الكيدية إلى الثنائية المُستجدة، أصبحت جليّة، إلى حدٍ ما. ونأمل أن نكون مخطئين في تقديراتنا. ذلك أن تلك الكيدية في الحالة الأخيرة تحديداً، لا تخدم أياً من الطرفين. فلا المقيمون في مناطق سيطرة النظام، هم بالضرورة مؤيدون، ولا المقيمون في مناطق المعارضة أو في الخارج، هم بالضرورة معارضون. لكن حالة تبسيط ساذجة، في بعض الأحيان، تتم على هذا المنوال، للأسف الشديد.

والمشكلة الأكبر، أن بعض المناوئين للنظام، وبدفعٍ من الإحباط والغيظ من دعاية النظام عن انتصاره عليهم، يعمقون هذا الشرخ بينهم وبين المقيمين في مناطق سيطرة النظام، فيُدفع الكثيرون من الفريق الأخير، قسراً، نحو زاوية تأييد النظام، رغم أننا نعلم أن معظم المقيمين في تلك المناطق، لا يملكون الإرادة بخصوص مصير مناطقهم. ولا ينطبق ذلك فقط على مناطق المصالحات التي خضعت لتسويات بعد حروب شعواء عليها، بل ينطبق أيضاً على غالبية كبيرة من المقيمين في دمشق وحلب وحماة وحتى في مدن كاللاذقية، وربما أيضاً في طرطوس والسويداء. فمؤيدو النظام، هم الشريحة المستفيدة مباشرة منه. أما باقي المقيمين في مناطق سيطرته، فهم فئات وقفت على الحياد، أو حتى كانت مناوئة للنظام، ضمناً، دون أن يتجرؤوا على اتخاذ مواقف علنية ضده، خشية العواقب الأمنية الخطيرة، التي نعرفها جيداً.

لا شماتة أو كيدية يمكن أن تكون مقبولة أو موضوعية، حيال القابعين تحت سيطرة النظام. وما نراه من حين لآخر، من تعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي، من قبيل "بيستاهلوا مو بدهم ياه"، تعبّر عن تعميم مفرط القسوة.

لكن، أيضاً، على المقلب الآخر، فإن أولئك الذين يصوبون على كيدية قِلّة، حيال ما يحدث في مناطق سيطرة النظام من تدهور معيشي مرشح للمزيد من التفاقم، يحيدون في الوقت نفسه، عن الجهة التي يجب أن توجّه إليها أصابع المسؤولية. وهو انزياح ناتج عن شعور بالعجز، يتم ترقيعه وتغطيته، بتحميل المسؤولية لكارهي النظام ومناوئيه. ففي نهاية المطاف، يعلم الجميع أن النظام شن حرباً شعواء دفاعاً عن مصالح رموزه ونخبته وشبيحته. وفي سبيل هذه المصالح، ورّط النظام السوريين في اصطفافات وصراعات إقليمية ودولية، فكانت النتائج عقوبات اقتصادية، قد ترقى إلى تضييق اقتصادي كبير، من جانب الأمريكيين.

يعلم أشد المؤيدين، ولاءً للأسد، أن اصطفافات هذا الأخير، مع روسيا وإيران، ليست مقاومة لمؤامرة، بل هي دفاعاً عن كرسي الحكم، فقط، لا أكثر. لا يمكن أن يكون هناك مؤيد لا يعلم ذلك اليوم. فالسوريون أذكى من أن تمر عليهم، مجدداً، كذبة "المقاومة"، خاصة، مع التنسيق الروسي رفيع المستوى والعلني مع الإسرائيليين. لذلك، حينما ينقل مؤيد للنظام مسؤولية العقوبات من على كتف نظامه، إلى كتف معارضي النظام ومناوئيه، يعلم جيداً أنه يقوم فقط، بعملية تنفيس داخلية، ناتجة عن قهر جراء تدهور الأوضاع المعيشية في بلدٍ، ظن أنه بعد أن يتمكن من قهر شركائه فيها، سيكون له نصيب الأسد من مواردها، ويعيش عيشة رغيدة. تحقق ذلك على مستوى النخب، لكن القواعد الشعبية للمؤيدين دفعت أثماناً باهظة، كما نرى اليوم. فهل نحن "مبسوطين" بذلك؟.. يبدو أنه سؤال "أعوج" بشكل واضح. السؤال يجب أن يكون، "من المسؤول عما وصلت إليه حال غالبية السوريين؟، وخيارات من كانت هذه؟".

هذا بالنسبة للمؤيدين.. أما بالنسبة لغالبية القابعين تحت سيطرة النظام، فهم الضحية الأكثر إيلاماً لمشاعرنا، حيث يجتمع ضيق الحال مع الذل، في أوضاعهم، فتكون مؤلمة بصورة مضاعفة. لذلك، لا يمكن ولا بأي حال أن نكون "مبسوطين" بحالهم.

ترك تعليق

التعليق