إدلب.. وحافة طريق "الحرير" الصيني


قبل أسبوعين، كان فلاديمير بوتين أبرز الضيوف على الرئيس الصيني، شي جين بينغ، المنتشي بتقدم مشروعه التاريخي، "حزام واحد.. طريق واحد"، وسط تظاهرة دولية لزعماء 13 دولة، ومسؤولين من أكثر من 140 دولة. وكان بوتين حريصاً على أن يتأبط "ميناء طرطوس" ضمن حزمة موارد القوة الروسية، أثناء جلوسه إلى جانب زعيم أكبر قوة اقتصادية عالمية، مرتقبة، خلال عقد ونيف من الزمن.

قبيل ذلك بأيام فقط، جزم نائب رئيس الوزراء الروسي، من دمشق، بأن ميناء طرطوس، "بات روسياً". كان التحرك الروسي صوب الميناء متعجلاً. فإيران، الشريك اللدود، كادت أن تقتنص ميناء اللاذقية، لتعزز أوراق اعتمادها لدى "التنين الصيني".

روسيا، المستاءة من توسع الهيمنة الاقتصادية والجيوسياسية الصينية، ليس لديها الكثير لتفعله، إلا أن تُثبت أنها على مرمى حجر، أو في قلب، "طريق الحرير الصيني" التاريخي. وأن على بكين مراعاة الشريك الروسي، القادر على عرقلة إحدى فروع هذا "الطريق".

إذ لا يصلح "طريق الحرير الصيني"، المزمع إعادة إحيائه، دون المرور بسوريا، عبر حلب ومن ثم الساحل، وعبر دمشق، ومن ثم الأردن فالخليج ومصر. هذا الفرع البرّي ضروري في حال تعرض الفرع البحري لـ "طريق الحرير" المزمع، المار من المحيط الهندي فالبحر الأحمر، وقناة السويس، انتهاءً بالمتوسط، لأي تعطيل من قوة دولية ما، غاضبة من تضرر مصالحها، كالولايات المتحدة مثلاً.

تركيا أيضاً، على مرمى حجر من ذلك الطريق، وفي قلبه، في نفس الوقت. فهي بوابة أوروبا الاضطرارية، والأكثر جدوى اقتصادياً، مقارنة بالبوابة الروسية. أما إيران، فهي ركيزة جغرافية، لا غنى عنها، خاصة نظراً لعلاقاتها المتينة بالصين، المستورد الرئيس لنفطها.

حصلت إيران، أو تكاد، على ميناء اللاذقية، إن نجحت في حسم مفاوضاتها مع نظام الأسد، الذي يحاول تلمس رأسه، أثناء القفز على الحبال، بين قوى إقليمية ودولية، يمثل بالنسبة لها، وزن فراشة. أما روسيا، فحسمت الأمر، وبات ميناء طرطوس، لها. وبذلك، أصبح للإيرانيين – مبدئياً –، وللروس –نهائياً-، موقع على خريطة "طريق الحرير" الصيني، الذي كانت حلب، إحدى أيقوناته، قبل مئات السنين.

بجوار حلب، وعلى مرمى حجر من الساحل، تجثم إدلب، المناوئة للنظام، بخلفيتها "التركية"، لتكون مشاغباً رئيسياً، قادراً على تعطيل الممر التجاري الدولي، قبل أن تكتمل أركانه، فتحيل كل أحلام الإيرانيين والروس، بجعل استثماراتهم العسكرية الكبيرة في سوريا عربون شراكة متينة في "طريق الحرير الصيني"، إلى رماد.

هكذا، نستطيع أن نفهم ما الذي يحدث الآن في إدلب. ونستطيع أن نفهم سرّ الهوس الروسي – الأسدي، بالطريقين الدوليين المارين عبر إدلب. فهما بوابة حلب الاضطرارية إلى الساحل. والجزء الناقص كي تكتمل القطعة السورية في "البازل الصيني" الدولي.

ولأن تركيا ماطلت وتهربت من الالتزام ببنود الاتفاق الخاص بتأمين وتشغيل الطريقين الدوليين في إدلب، قررت روسيا حسم الموقف بالقوة، بعد أن شعرت بنفاذ المهل المتاحة لها، إثر تزايد الحراك الأمريكي في المشهد السوري، وتقدم المفاوضات الأمريكية – التركية بخصوص المنطقة الآمنة بشرق الفرات.

لكن، إن تمكنت روسيا من تأمين الطريقين الدوليين في إدلب، وفتح الأفق التجاري من جديد، أمام حلب، وفي نفس الوقت، تعزيز أمن الساحل، المنتهى الأخير لـ "طريق الحرير" الصيني في سوريا، من أي هجمات للطائرات المُسيّرة أو لانغماسات الفصائل المناوئة للأسد.. كيف ستتمكن، برفقة إيران، من تأمين المدخل الشرقي لـ "طريق الحرير" الصيني في سوريا، فيما يقف الأمريكيون على مرمى حجر منه، في التنف، التي "أقسموا أغلط الأيمان" بألا يغادروها، حتى لو مات كل سكان مخيم الركبان، جوعاً وعطشاً؟!

لا يوجد لدى الروس والإيرانيين الآن، سوى الصبر، والضغط بشتى السبل المتاحة، عسى أن تغلب نزعة ترامب الانعزالية، على إصرار الدولة العميقة بواشنطن، أن تبقى في شرق المتوسط، كمسمار جحا، على "طريق الحرير" الصيني، المُزمع.


ترك تعليق

التعليق