شهرزاد تروي حكاية فساد إيرانية


كي نفهم جانباً من أسرار متانة العلاقة بين نظام الأسد من جهة، وبين نظام الملالي الإيراني من جهة أخرى، علينا أن نضع نصب أعيننا دوماً، المقولة الشهيرة، "الطيور على أشكالها تقع". وهو ما يدعمه تلك المقابلة التي نشرتها قبل أيام، "بي بي سي"، لسيدة الأعمال الإيرانية المنشقة عن النظام، شهرزاد ميرقليخان، التي لوحت بالكشف عن وثائق تدين الدائرة الضيقة المُقرّبة من مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، آية الله علي خامنئي، بالفساد. وتطال تحديداً، نجله، والمرشح القوي لخلافته، مجتبى خامنئي.

بطبيعة الحال، هذه ليست المرة الأولى التي تكشف فيها صحيفة أو وسيلة إعلامية جوانباً من خفايا فساد آل خامنئي، الذي زكم أنوف الإيرانيين في طهران. لكن رصانة "بي بي سي"، ومتانة المصادر التي اعتمدتها، أضافت رصيداً قوياً لهذه الكشوفات. ففيما يقبع الإيرانيون في فاقة شديدة، تحت وطأة حصار وضغط اقتصادي أمريكي غير مسبوق، ويرفع "مرشدهم" عقيرته بشعارات المقاومة والممانعة للـ "الشيطان الأكبر"، يرتع أولاده الستة، (4 ذكور وابنتين)، في نعيم امبراطورية والدهم المالية، التي لا تحظى فقط بتمويل مصدره عقيدة "الخُمس" التي يتوجب على المُقلدين الشيعة دفعه من أموالهم لـ "إمامهم"، بل هذا "الخُمس" على ضخامته، جزء ضيل مقارنة بموارد الدولة الإيرانية، التي يتحكم بها الحرس الثوري الإيراني، والذي تحوّل إلى قوة هائلة، أمنية وعسكرية واستثمارية، تدير أذرعاً لا تُعد من الاستثمارات والنشاطات في الداخل والخارج، ويمسك بزمامها الرئيسي، مرشد الجمهورية، علي خامنئي، فيما يحظى نجله، مجتبى، بعلاقة مميزة مع قادتها.

ما كشفت عنه شهرزاد، المنفية إلى سلطنة عُمان، يُعتبر غيضاً من فيض فساد آل خامنئي، فهي اطلعت، بحكم موقعها "مفتشاً خاصاً" في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الرسمي الإيراني، على تدخلات استخبارات الحرس الثوري في عملية المزايدات التجارية الخاصة بالإعلانات لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون. وهو مورد مالي ضخم. وكانت شهرزاد شاهدة على تدخل مجتبى شخصياً، في تلك المزايدات، الأمر الذي أدى إلى انتفاض محمد سرافراز، المدير السابق لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون الرسمي الإيراني، المُقرّب من خامنئي الأب، شخصياً، وخروجه على وسائل إعلام محلية ليوجه انتقادات لاذعة للحرس الثوري، لكن دون أن يُسمي نجل المرشد بالاسم.

قصة شهرزاد ليست قصة سيدة أعمال عادية، فهي عادت إلى بلادها عام 2012، بطلةً، بعد أن حُكم عليها بالسجن في الولايات المتحدة بتهمة التجسس لصالح إيران، عام 2007، ومن ثم أُطلق سراحها، بعد خمس سنوات، لتحظى بالقرب من صناع القرار البارزين في طهران، بعيد عودتها، وتُعيّن "مفتشاً خاصاً" في التلفزيون الإيراني. لكنها حينما عرقلت تدخلات مجتبى، نجل المرشد، في مزايدات الإعلانات، تمت شيطنتها مباشرةً، لتتحول إلى متهمة بالتجسس لصالح الولايات المتحدة، وليُطلب منها مغادرة البلاد، بهدوء.

وحسب محللين تحدثوا إلى "بي بي سي"، فإن سبب عدم تصفية شهرزاد من جانب الحرس الثوري، هو وجود انقسامات داخل الأجهزة العليا الحاكمة في إيران، بصورة سمحت لمدير التلفزيون السابق، سرافراز، بأن يهاجم الحرس الثوري، لكن، كظاهرة صوتية فقط، دون أي نتائج على الأرض. وقد رد الحرس الثوري عليه، بحملة تشويه لسمعته، وسمعة شهرزاد، إذ أشاع وجود علاقة بينهما.

إلى جانب ما سبق، قد يكون أحد أسباب نجاة شهرزاد من التصفية، هي امتلاكها لوثائق قد تكون في مكان آمن، تفضح جانباً آخر من فساد مجتبى خامنئي، تتعلق هذه المرة بنشاطات تهريب أسلحة، تتم لصالحه، كان يعاونه فيها، زوجها السابق، الذي يُعتبر الذراع اليمنى لـ خامنئي في هذه النشاطات. والملفت أن تشير شهرزاد إلى أن طليقها، المدعو محمود سيف، بات يحمل جواز سفر سوري. مما يؤشر إلى دور شخصيات في النظام السوري بنشاطات تهريب الأسلحة لصالح مجتبى خامنئي. وأكدت شهرزاد أن حصيلة نشاطات التهريب هذه من أرباح مالية تتحول إلى حسابات خاصة لـ مجتبى، في المصارف البريطانية.

كما أشرنا آنفاً، فإن ما روته شهرزاد، التي هددت المرشد مؤخراً بالكشف عن فضائح كبرى بخصوص فساد ابنه، هو غيض من فيض. إذ سبق لصحف ووسائل إعلام عالمية أن تطرقت إلى عالم المال والأعمال الموازي لنظام الحكم بطهران، والذي يديره مساعدو خامنئي، والمقربون منهم، وفي مقدمتهم أولاده، وأبرزهم، نجله مجتبى.

قصة الفساد الإيرانية التي روتها شهرزاد، هي نسخة مع بعض الزيادات ربما، من قصة الفساد السورية، التي عشناها خلال العقد المنصرم. ففيما كان رأس النظام، بشار الأسد، يرفع عقيرته بشعارات المقاومة والممانعة لإسرائيل والولايات المتحدة، كان نفوذ ابن خاله، رامي مخلوف، المالي والاستثماري، يستشري في كل زوايا عوالم المال والأعمال بسوريا، حتى باتت البلاد أشبه بمستعمرة استثمارية لآل مخلوف، وآل الأسد، وأهلهم وذويهم.

ترك تعليق

التعليق