خنق إيران عبر بوابة سوريا الشرقية


منذ شهرين تقريباً، قررت إيران اعتماد استراتيجية "حافة الهاوية" في الرد على "الحرب الاقتصادية" الأمريكية ضدها. وهي تجرّ لاعبين كبار في المنطقة، في مقدمتهم، الأمريكيون، إلى "حافة الهاوية"، بصورة متسارعة في الأسابيع الأخيرة. فيما تحتل سوريا موقعاً متقدماً بوصفها ساحة رئيسية لإبراز الجانب الساخن من الصراع الدائر بين اللاعبين في المنطقة.

وأن تكون سوريا ساحة للجانب الساخن من هذا الصراع، ليس مرده فقط لكون نظامها الحاكم وصل إلى مراحل متقدمة من الضعف، بحيث بات عاجزاً عن إنفاذ إرادته وتجنيب نفسه، والبلاد، صراعات الآخرين، على ترابها. بل الأمر أبعد من ذلك. إذ تبدو لسوريا قيمة استراتيجية كبيرة في تنفيذ إرادة كلٍ من الأطراف المتصارعة.

فالولايات المتحدة الأمريكية تريد خنق الاقتصاد الإيراني، إلى درجة تجعل هذا الاقتصاد يصل إلى مراحل متقدمة من الإنهاك، تضطر معه النخبة الحاكمة بطهران، للتفاوض من موقع الضعف. ولتحقيق هذا الهدف، فإن إغلاق البوابة الشرقية لسوريا (البوكمال ودير الزور) في وجه الإيرانيين، هي حيثية ضرورية، لا يمكن دونها الوصول إلى درجة "الخنق" الاقتصادي المأمولة أمريكياً.

 أما إيران، فقررت الذهاب بعيداً في لعبة "حافة الهاوية". وهي تعمل الآن على توفير متطلبات الحدود الدنيا، التي تسمح لها بالصمود اقتصادياً، طوال فترة "عض الأصابع" في مواجهة "الحرب الاقتصادية" الأمريكية، وصولاً إلى اللحظة التي تستشعر فيها واشنطن بأن الأمر يكاد يخرج عن السيطرة، فتضطر لتقديم تنازلات للإيرانيين. ولتحقيق ذلك، فإن ربط سوريا بالعراق، وصولاً إلى ميناء اللاذقية، من جهة، ولبنان، من جهة أخرى، والعاصمة طهران من جهة ثالثة، أمر استراتيجي لا يمكن الاستغناء عنه. ودونه، قد تتعرض طهران لدرجة أقسى من "الخنق" الاقتصادي، قد يصبح "الصبر الاستراتيجي" معها، قضية عصيبة للغاية.

وبالنسبة لإيران، لا يبدو أن سوريا قيّمة استراتيجياً، فقط، على صعيد دعم صمودها المرحلي في مواجهة الضغوط الأمريكية. بل هي بوابة رئيسية لتحقيق طموحاتها القديمة، بالوصول إلى البحر المتوسط، وتصدير نفطها وغازها، عبره، إلى أوروبا. وهو الطموح الذي بات قريباً جداً من متناول أيدي الإيرانيين، بعد استيلائهم على ميناء اللاذقية، وسيطرتهم على مناطق قريبة من الحدود بين سوريا والعراق.

أما روسيا، فقد ضاقت ذرعاً بالمعضلة الإيرانية التي تعرقل طموحاتها بتحويل انتصاراتها العسكرية في سوريا، إلى استثمارات سياسية واقتصادية بعيدة المدى. ناهيك عن أن طموحات إيران بتصدير غازها ونفطها عبر المتوسط، تتضارب مع المصالح الروسية، التي لا يناسبها وصول الغاز والنفط إلى الأوروبيين بكميات تجارية، من مصادر أخرى، غير روسيا.

وهكذا، تتضارب المصالح الروسية والإيرانية، على المديين القريب والمتوسط. ويزداد امتعاض الروس من المعضلة الإيرانية التي تعرقل الوصول إلى تفاهمات متقدمة مع الأمريكيين والإسرائيليين بخصوص سوريا، خاصة مع ظهور الروس، أكثر من مرة، بمظهر العجز، أمام التغلغل الإيراني المتفاقم، داخل مؤسسات النظام الأمنية والعسكرية، وكذلك البيروقراطية. ناهيك عن التغلغل الإيراني على الصعيد المجتمعي السوري.

وتعلم روسيا جيداً، أن نقطة الجغرافيا الأكثر أهمية، التي يمكن من خلالها إضعاف النفوذ الإيراني في سوريا، هي في البوابة الشرقية للبلاد (البوكمال – دير الزور).

وهناك، تزداد التوترات، التي لم تعد حبيسة معلومات منقولة عن مصادر محلية قليلة التواتر، بل أصبحت بمستوى الحقائق، التي باتت وسائل إعلام عالمية، من قبيل الـ "بي بي سي"، تفرد لها تقارير موسّعة.

ويخوض الإيرانيون والأمريكيون، حرب ناقلات، انضمت إليها مؤخراً، بريطانيا. وكذلك حرب مخدرات، تمثلت في محاولة تمرير أكبر كمية مخدرات في التاريخ، إلى أوروبا، انطلاقاً من الشواطئ السورية، تنفيذاً لتهديد مسؤوليين إيرانيين، لأوروبا، بفتح "صنبور" المخدرات واللاجئين، على القارة العجوز، إن لم تقدم حلولاً جدّية لدعم إيران، في مواجهة الضغوط الأمريكية.

وفي هذه الأثناء، تزداد أهمية بوابة سوريا الشرقية، التي لم تعمل واشنطن بجدّية كافية على إغلاقها في وجه الإيرانيين، في وقت سابق. ويبدو أن هذه المهمة باتت ملقاة على عاتق الروس، الأمر الذي سيرفع من حدة سخونة الصراع بسوريا. ذلك أن تشديد الخناق الاقتصادي على إيران، لا يكتمل دون غلق بوابة سوريا الشرقية، أمامها.

ترك تعليق

التعليق