"تكويعة" إماراتية نحو طهران.. في دمشق


دون شك هي صدفة "قَدَرية"، أن يحدث هذا التطبيع الاقتصادي الإماراتي، الرسمي، مع نظام الأسد بدمشق، في نفس اليوم، الذي ذهب فيه الصراع الميداني بين وكلاء الحليفين السعودي والإماراتي، في اليمن، إلى أقصاه.

وبطبيعة الحال، ستقفز إلى أذهان المراقبين، للوهلة الأولى، ذكرى افتتاح سفارة أبوظبي في دمشق، نهاية العام الماضي، أثناء محاولة تفسير هذا الاندفاع الإماراتي باتجاه الأسد، على هامش معرض دمشق الدولي. ففي نهاية المطاف، يبدو ما حدث في دمشق، يوم الأربعاء، تعبير عن رغبة إماراتية متأصلة، بإعادة إحياء العلاقات مع نظامٍ، لا يملكون أسباباً حقيقية للخصام معه.

لكن، تبقى معضلة تحيّر المراقبين، تتمثل في التساؤل التالي: كيف تتجاهل الإمارات لاءات حليفها الأمريكي؟

الجواب ببساطة من شقين، التعددية القطبية التي أوهنت من وزن أمريكا حتى على حلفائها، وعدم جدية واشنطن بالذهاب بعيداً في المواجهة مع طهران. فإن كان دونالد ترامب، يعاقب إيران اقتصادياً، في يوم، ويعلن استعداده للقاء رئيسها، في اليوم التالي، فإن "أبوظبي"، أولَى بأن تفتح أبواب التفاهم مع طهران، الجارة القادرة على إغلاق شريان الحياة النفطية في الخليج. وهي قدّمت عيّنة من ذلك، للإماراتيين وبقية الخليجيين، في الأسابيع القليلة الفائتة.

بدأت "التكويعة" الإماراتية باتجاه طهران، منذ مطلع الشهر الجاري، حينما زار وفد خفر السواحل الإماراتية، العاصمة الإيرانية، في وقتٍ كان التوتر في ذروته، بالخليج. وظهرت نتائج هذه التكويعة، في اليمن، بصورة هزت أسس التحالف السعودي – الإماراتي، الذي ما يزال حليفا الأمس، في حرجٍ، من إعلان وفاته.

ويمكن تلمس المزيد من الدلالات على تلك "التكويعة" الإماراتية، باتجاه طهران، عبر متابعة أخبار الطائرات المُسيّرة الحوثية، وهي تُغير بشكل شبه يومي على أهداف مدنية وعسكرية ونفطية سعودية. فيما تبتعد تماماً، عن الأجواء الإماراتية. بخلاف ما كان الأمر عليه، قبل مطلع الشهر الجاري.

وهكذا يبدو التطبيع الاقتصادي الرسمي، بين الإمارات ونظام الأسد، في دمشق، وكأنه نتيجة أخرى، للتكويعة الإماراتية نحو طهران.

بطبيعة الحال، قد يعارض مراقبون القراءة السابقة، ويرجعون زيارة الوفد الإماراتي، الذي ضم شخصيات اقتصادية رفيعة المستوى، وبغطاء رسمي من الدولة الإماراتية، إلى جهود رجال أعمال سوريين، من قبيل محمد حمشو وسامر الدبس، وآخرين، زاروا الإمارات مطلع العام الجاري، وبذلوا جهوداً لإعادة إحياء العلاقات الاقتصادية بين النظامين الحاكمين في أبوظبي ودمشق.

وأياً كان السبب الأكثر تأثيراً، في دفع أبوظبي إلى الذهاب قدماً في إزالة الحجب بينها وبين صديقها السابق في دمشق، يبقى أن التطورات كلها تصب لصالح هذا الصديق (نظام الأسد)، ولصالح راعيه الإيراني.
 
أما عن اللاءات الأمريكية التي يتساءل المراقبون عن سبب تجاهلها إماراتياً، فعلينا أن نذكّرهم بأنه لا يوجد أساس تشريعي قائم الآن، يتيح للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فرض عقوبات على أفراد وكيانات تتعاون اقتصادياً مع نظام الأسد، بموجب قانون "سيزر" الشهير. لأن القانون المذكور لم يتجاوز بعد، عتبة مجلس الشيوخ الأمريكي، بعد فشل التصويت المنفرد عليه، في أيار/مايو الفائت.

ترك تعليق

التعليق