أسماء الأخرس.. وخاتمة "ليلى طرابلسي"


ربما تبدو سيرة صعود ومن ثم انهيار سطوة حاكمة قصر قرطاج السابقة، "ليلى طرابلسي"، مثيرة للإلهام المسرحي، نظراً لما تحتويه من نقلات مفاجئة من أدنى الهرم الاجتماعي إلى قمته، ومن ثم السقوط الشاقولي من القمة إلى وضعية المنفى والملاحقة القانونية.

لكن تلك السيرة تشابه في جوانب منها، سيرة زوجتَي الأسد الأب، ومن ثم الابن، على الأقل، على صعيد تغول نفوذ عائلتَي الزوجتين.

"ليلي طرابلسي"، أرملة الرئيس التونسي المخلوع، زين العابدين بن علي، بدأت كحلّاقة نسائية "كوافيرة"، قبل أن تقابل زوجها، مدير الأمن، الذي أُغرم بها خلال إحدى مداهماته لمحلات "الحلاقة النسائية" التي يرد تبليغات أمنية عنها، حيث كان صالونها موضوع واحدة من تلك المداهمات. وهناك أُغرم بها، لتبدأ سيرة علاقة تُوجت بالزواج، لتصبح لاحقاً، سيدة تونس الأولى. وبقي التوانسة يلقبونها بـ "الحجّامة" (أي الحلاقة باللهجة التونسية)، تعبيراً عن استخفافهم بها، رغم أنها كانت الحاكم الفعلي للبلاد في السنوات الأخيرة، قبيل الثورة التونسية نهاية عام 2010.

تلك التفاصيل ربما لا تشابه بشيء سيرة "سيدتَي القصر" في حكم آل الأسد. لكن تفاصيل أخرى، أكثر جوهرية، تبدو وكأنها مستنسخة. فـ "ليلى طرابلسي" جعلت من آل طرابلسي واحدة من أغنى وأكثر عائلات البلاد نفوذاً، لينافسوا "آل بن علي"، عائلة زوجها، على ثروات البلاد. وكان الرئيس السبعيني، في أواخر حكمه، أشبه بحَكَمٍ، مغلوب على أمره، يحاول تجنب انفراط عقد النظام الحاكم، جراء الصراع المستعر على النفوذ والثروة بين أسرته وأسرة زوجته. لاحقاً، أُشيع أن ليلى طرابلسي بدأت بالتخطيط لـ "انقلاب أبيض" على زوجها، يشابه ذاك الذي نفذه بن علي نفسه، على رئيسه الحبيب بورقيبه، تحت عنوان، تدهور حالته الصحية. فـ "حاكمة قصر قرطاج" لم تعد تكتفي بسيطرة أشقائها وأولادهم على قطاعات كاملة في الاقتصاد التونسي، منها الطيران والخليوي.. وباتت تريد الحكم والثروة، كليهما معاً، وبرمتهما، لها، ولعائلتها، وربما ضماناً لابنها الصغير، الذي كانت تخشى ألا يبلغ السن المناسب لخلافة والده، بسبب تدهور صحة الأخير، وصغر سن الابن.

ما بين "آل طرابلسي"، و"آل مخلوف"، نقاط شبه كبيرة. وقد يقول قائل إنها سيرة كل زوجات الطغاة في العالم العربي. لكن الفروق جوهرية بين نوعين من زوجات الطغاة، نوع أول كان يمتن نفوذه بهدف دعم المستقبل السياسي للوريث، عبر عائلة الزوج نفسها، كما في حالة سوزان مبارك، التي كانت تعمل بلا كلل، لتوريث الحكم لابنها. وبين نوع آخر من زوجات الطغاة، كانت عائلاتهم تظهر في الصورة، كمراكز قوى بارزة في تركيبة النظام الحاكم، كما في حالة "آل مخلوف" في سوريا، و"آل طرابلسي" في تونس.

 ويبدو أن النموذج الثاني، مؤهل للاستنساخ، بقوة في سوريا، هذه الأيام. فالحملة التي تمت تحت عنوان "مكافحة الفساد"، والتي يُعتقد أنها تستهدف، فيما تستهدف، إضعاف "آل مخلوف"، لصالح "سيدة القصر" في دمشق.. تشي بتكرارٍ لتجربة الأسد الأب، الذي أضعف، في وقتٍ من الأوقات، نفوذ أشقائه، لصالح تعزيز نفوذ عائلة زوجته، بغية ضمان توريث الحكم لابنه. وكان "آل مخلوف"، بالفعل، هم سدنة العهد الجديد، حينها. فما الذي يمنع من أن تكرر أسماء الأخرس، تجربة "حماتها – أنيسة مخلوف"، وأن تجعل من عائلتها، "آل الأخرس"، سدنةً لعهدٍ جديدٍ، وتوريث آخر، يتم الإعداد له، منذ الآن؟! 

بطبيعة الحال، فإن هكذا سيناريو سيواجه تحديات تهدد استقرار النظام، تشبه تلك التي واجهت التجربة السابقة. فـ "ماهر الأسد"، لا بد أنه بالمرصاد لهكذا سيناريوهات. ناهيك عن أن "آل مخلوف" لم يفقدوا مكانتهم بعد، حسبما تشي به التحليلات والتأويلات لما يحدث في دمشق، هذه الأيام.

وبخلاف "ليلى طرابلسي"، التي أُشيع أنها كادت تتناول السُمّ عشية خلع زوجها، توفيت "أنيسة مخلوف" وهي ما تزال مطمئنة إلى استقرار تركيبة النظام الحاكم، وصموده أمام ضربات الشارع الثائر، بدعم إقليمي ودولي.

أما سيرة "أسماء الأخرس"، فهي تظل مفتوحة على كل الاحتمالات، التي تبقى خاتمة "ليلى طرابلسي"، إحداها، دون شك. 


ترك تعليق

التعليق